طولكرم ما بين الحقيقة والسراب نزلة عيسى دير الغصون نموذجاَ للمأساة بفعل جدار الفصل العنصري
تقرير : سليم أبو زيد
على بعد أميال وأميال عن العاصمة القدس ،تحديداً في شمال فلسطين ، تقع مدينة طولكرم احدى المدن التي كانت من حوض البحر و لا تبعد بضع الكيلومترات عنه ، والتي أصبحت الآن خاليه الجناحين فاقدة لكل قواها وقوامها، فاقدةً لنسيمها الدافئ وموقعها الرقاص ما بين ناصيتي البر والبحر التي كانت تتبناها بهما بين مدن فلسطين قاطبة.
طولكرم لقمة صائغة بين أيدي المحتلين
طولكرم أصبحت اليوم ما هي إلا لقمة صائغة بين أيدي المحتلين، مكبلة بالقيود محاصرة بطوق من ألوان الفواصل الإسمنتية والكهربائية والشائكة ، جاء شيء أعمى لم يميز بين عالم الأحياء وعالم الجمادات قد أسموه” بالجدار ألاستنادي الواقي من هجمات الفلسطينيين عليهم”، ونحن أسميناه بجدار الفصل العنصري لأنه لم يفصل الأراضي فقط بل فصل الشجر عن الحجر وفصل الرضيع عن أمه وفصل الأب عن عائلته وفصل الطير عن عشه وفصل الحيوان عن وكره ، شرد بني البشر ولم يسلم منه الحيوان، وهكذا بدأت حكاية الجدار مع الشعب الفلسطيني بأسره وتمثلت على ارض الواقع فكانت مدينة طولكرم وبلداتها وقراها شاهد واضح وحي لكل أشكال العنصرية والانتهاك من قبل الاحتلال لإتمام بناء هذا الجدار اللئيم، هذه الأفعى اللاسعة التي لم تترك أحدا من شرها فأبادت كل شيء حيث تمثل هذا الأمر بإحاطة طولكرم بالجدار من جهة ومن جهة أخرى محدثا غيتو آخرا في الأراضي الفلسطينية .
وان أهم ما فقدته طولكرم هو أنها كانت من أكثر المناطق الزراعية إنتاجا في الضفة الغربية وذلك تبعا لإحصائيات صادرة عن البنك الدولي عام 2000، حيث تمثل 45% من الإنتاج الزراعي في الضفة الغربية .
وقد قسمت الأراضي الفلسطينية المتضررة من الجدار إلى أراضي جرفت وجاءت تحت الجدار وبلغت مساحتها في محافظة طولكرم 4020 دونما ، وأراضي حجزها الجدار خلفه وبلغت مساحتها 53270 دونما ، وقد بلغ عدد الأفراد الذين تم تهجيرهم من منازلهم وأراضيهم حوالي 2323 فرداً، بينما بلغ عدد الأسر التي أصبحت معزولة غرب الجدار 12481 أسرة منهم 1119 أسرة من محافظة طولكرم ، بلغ عدد المباني التي أصبحت داخل “الجدار الفاصل” 2438 مبناً، منها 892 مبناً في محافظة طولكرم ، 10 مباني دمرت بالكامل مساحتها 810 م مربع ،كما أصبح 750 من المنشآت الاقتصادية داخل الجدار بالكامل ، منها 473 منشأة في محافظة طولكرم ،دمر بشكل كلي منها 27 منشأة مساحتها 11500م مربع ، وذكر تقرير صادر عن مركز المعلومات الفلسطيني أن مجموع خسائر التجمعات التي تضررت من بناء الجدار بلغ 10.7 مليون دولار ، منها 280 ألف دولار خسائر تدمير آبار المياه الجوفية، و417 ألف دولار خسائر تدمير شبكات الطرق، و119 ألف دولار خسائر تدمير شبكات المياه و194 ألف دولار خسائر تدمير شبكات الكهرباء ، كما صادرت سلطات الاحتلال الإسرائيلية آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين لتصبح وفق المسمى ” مناطق عسكرية مغلقة “.
ومن القرى والبلدات التي جاءت خلف الجدار في محافظة طولكرم ” باقة الغربية ، ونزلة أبو النار ، وخربة جبارة ،وخربة بئر السكة ، والمرجة ، وبثان ، أما البلدات والقرى التي تضررت بسبب الجدار في محافظة طولكرم فكانت “الجاروشية ، والنزلة الشرقية ، والنزلة الوسطى ، والرأس ، وعتيل ، ودير الغصون ، وفرعون ، وعلار ، وارتاح ، وكفر صور ، وقفين ، وزيتا” .
ومن اكثر البلدات والقرى تضررا في محافظة طولكرم مع أن الضرر يبقى ضرر مهما كان تصنيفه ، والتي سنتخذها محطات لنا (ديرا لغصون ، ونزلة عيسى) ، فهاتان البلدتان موجودتان منذ حقب من التاريخ تعرضتا لغطرسة الجدار وفقدتا أشلاء وأجزاء من أرضيهما وتقلصتا بفعل الجدار أضعاف الأضعاف .
دير الغصون تخسر 6000 دونماً من أراضيها
بلدة دير الغصون تتميز بموقعها المهم وطبيعتها الجميلة وأرضها الخصبة ومناخها الجيد حيث يعتبر موقع دير الغصون موقعا متوسطا بين محافظات الوطن إذ أنها الرابط الوحيد بين محافظة طولكرم وجنين ،كما أنها الطريق الوحيد بين قرى الشعراوية ومدينة طولكرم وهي الرابط بين المثلث الشمالي وطولكرم, كما أنها تمثل طرقا بديلة بين محافظة طولكرم و نابلس و نابلس وجنين فهي حلقة وصل ما بين البلدات مع طولكرم وما بين طولكرم والمدن الأخرى .
فالجدار أوصل أهل البلد للاختناق واليأس ، فان الجدار أصاب هذه البلدة بإحباط لم تعرفه من قبل وبكساد لمصادرها الاقتصادية، بعد أن وقع ما يقارب 6000 دونماً، ضحية للجدار العازل فرسم الجدار نفسه وكأنه أمر واقع بكل أساليب القهر والإكراه والإجبار على أهل دير الغصون ،حيث كانت تبلغ مساحتها 28000 دونماً قبل عام 1948 م وفي هذه الفترة سلب منها ما يقارب 18000دونماً، ولكن لم تكن مجزأة عن بعضها فجاء الجدار وفصلها ولم يستكفي بذلك فالتهم منها ، فما بقي منها إلا 4000 دونماً وهذه المساحة تكفي حاجة البناء والاعمار والزراعة لسد حاجات البلدة فقط بعد أن كانت وهي متواصلة جغرافيا من البلدات القادر على سد كفاية نفسها وما يحيطها من بلدات وتساند في إنعاش الحركة الاقتصادية الزراعية في السوق الفلسطيني ، فأتى الجدار عليها وانتهى كل ذلك .
ومع نسيم الشتاء البارد قمنا بزيارة بلدة دير الغصون التي تقع على بعد 8 كم إلى الشمال من مدينة طولكرم وفي مقابلة مع احد مزارعي بلدة دير الغصون ، المزارع صايل خليل وهو احد المنكوبين عام 1948 م والمتضررين من الجدار الفصل العنصري حيث فقدت آسرته 1000 دونماً عام 1948 م ،خلف خط الهدنة وجاء الجدار لكي يكمل النكبة بنكبة أخرى وعزل 250 دونماً خلف الجدار .
ومن الصعوبات التي يواجهها المزارع صايل خليل وبقية مزارعي البلدة هو صعوبة الحصول على تصاريح الدخول للبوابات على الجدار وحيث ان الاحتلال تعمد أن يعطي التصاريح لكبار السن الغير قادرين على العمل آو لعمال لا يملكون أرضا في الاصل ويدخل البوابات من اجل العمل داخل إسرائيل مما ادى إلى عدم وجود خدمة للأراضي الزراعية وتعرضها للاحتراق بين الفينة والأخرى .
وصاحب الحظ ممن يخدم أرضه بتصاريح دخول فان محصوله السنوي من لوز وزيتون يتعرض للسرقات والنهب والخراب من قبل أعوان الاحتلال ممن نبذهم الشعب في الضفة الغربية في الانتفاضة الأولى والثانية وأسكنهم الاحتلال بمحاذاة الجدار ، ويأتي ذلك وفق سياسة مبرمجة بتفريغ الأرض وتدمير محاصيلها الزراعية لتصبح لقمة صائغة لأطماع الاحتلال ، وعن المعاناة اليومية التي يعانيها المزارع خلف الجدار غير السلب والنهب لمحصوله الزراعي هي عملية الإذلال اليومية خلال الدخول والخروج من البوابات من تفتيش جسدي ومن ألفاظ نابية تمس الكرامة الإنسانية ناهيك أن توقيت الدخول والخروج في ساعات محددة من قبل الاحتلال، وهذا الأمر يعمل على افتقاد المزارع ساعات العمل الحقيقية التي تنتج للمزارع والتي يقوم بالتحصيل من خلالها على كميات لا بأس بها مقارنة مع ما يجنيه في الأوقات التي اقرها الاحتلال بالإضافة عن أي إصابة يتعرض لها المزارع داخل أرضه تجعله وحيدا مع إصابته خلف الجدار دون علاج كلسعة أفعى أو أو ضربة شمس أو كسر ليبقى مع مرضه حتى يفتح الجنود البوابات .
كما أنه يتم الاعتداء بالضرب على المواطنين ولم يسلم منها حتى كبار السن كما حدث مع المزارع أبو جبر الذي قابلناه في بلدة دير الغصون والذي يبلغ من العمر 80 عاما ونيف، والذي اخبرنا بما حدث معه عندما تعرض للسقوط عن حماره بسبب عمليات الدفع من قبل جنود الاحتلال وتعرض بعد سقوطه على الأرض للضرب فنتج عن ذلك تشوهات في الوجه وبعض الكسور المؤلمة والخدوش الظاهرة، وبسبب كبر سن هذا العجوز ما زال يعاني من هذه الانتهاك .
بوابة الكرك
وبعد ذلك قمت بالتوجه إلى بوابة الجدار المحاذية من الجهة الشرقية لبلدة دير الغصون وتسمى بوابة ( الكرك ) لمشاهدة الجدار عن قرب، فالبوابة تتكون من تكنة عسكرية واللات تفتيش، وشارع للدوريات ورادارات وجدار شبكي وجدار من الأسلاك الشائكة المكهربة ، وبمشهد محزن لم يستطع أصحاب الأراضي الوصول إلى أراضيهم ،عدى عن المعاناة التي تحدث عنها احد المزارعين وهي لحظات الدخول والخروج من البوابة حيث أن هناك بوابتان داخلية وخارجية للجدار فعند دخولهم للبوابة والخارجية المجابهة للبلدة يتم تفتيشهم يوميا، وحين خروجهم من البوابة الداخلية المجابهة للأراضي المصادرة يتم تفتيشهم مرة أخرى .
وعندما عدت إلى البلدة ومنظر الغروب الرائع والجميل قمت بمقابلة السيد زياد غانم وهو احد أبناء العائلات الكبيرة في بلدة دير الغصون وطرحت عليه بعض التساؤلات عن الجدار فذكر لي انه لدى أبناء عمه أراضي فقدوها بسبب الجدار فقد بلغت مساحة الأرض المحتجزة 46 دونماً، وأن عدد أفراد هذه الأسرة 7 أفراد وهم من المغتربين في الخارج الذين ليس لهم الحق بالعودة إلى ديارهم، ووصف لنا أن اغلب الأراضي المصادرة خلف الجدار من المزروعات البعلية أي مشجرة بالزيتون ،وقد أفادنا أيضا السيد زياد غانم بأن الأراضي المحتجزة خلف الجدار أراضي محرم البناء عليها منذ عام 1967 م والتي تم إعلانها منطقة عسكرية مغلقة ، فهذا جزء بسيط مما يعانيه أهل بلدة دير الغصون وغيرها من القرى المحيطة لها يوميا بسبب الجدار الذي فرض نفسه كالإعصار وخيم حول البلدة .
نزلة عيسى هدم 224 محل تجاري أفقدت 1500 أسرة مصدر رزقهم
وكشكل من أشكال الانتقام من المواطنين وفرض إسرائيل سياستها العدوانية والشرسة بحق أفراد الشعب الفلسطيني في بلدة نزلة عيسى ، وكسياسة ممنهجة للاستيلاء على الأراضي، وتوسيع نطاق انتهاكاتها وممارساتها القمعية، زاد الاحتلال الإسرائيلي من وتيرة اعتداءاته بالتهام و مصادرة وتدمير العديد من الأراضي الزراعية فتقدم بعد بلدة دير الغصون ليتوجه نحو بلدة نزلة عيسى بغية تنفيذ مخططاته في إكمال بناء جدار الفصل العنصري، وإقامة المستوطنات وإنشاء وحدات سكنية إضافية.
فلم تكن بلدة نزلة عيسى الواقعة إلى الشمال من مدينة طولكرم سوى نموذجاً حيا للقرى التي خنقها الجدار وشوه معالمها الاحتلال ، وتقع بلدة نزلة عيسى على مسافة 18كم إلى الشمال من طولكرم، وهي تابعة لها إداريا ويحدها من الشرق باقة الشرقية، ومن الغرب باقة الغربية، ومن الشمال قفين، ومن الجنوب زيتا، وهي ملاصقه لمدينة باقة الغربية ولا يفصلها عنها إلا شارع بعرض 4 أمتار قبل أن يفصل بينهما الجدار .
ونزلة عيسى وغيرها من القرى والمدن المحاذية للخط الأخضر تعرضت للعدوان الإسرائيلي وآلة حربه التوسعية حيث انعكس بناء الجدار سلبا عليها اقتصاديا واجتماعيا وتجاريا، ناهيك عن الأضرار النفسية التي انعكست على الأهالي بعد أن أصبح الجدار ملاصقا منازلهم .
ومن الآثار السلبية التي انعكست على القرية جراء بناء الجدار وحسب تقارير المجلس القروي فقد تم هدم 224 محل تجاري مما أفقدت 1500 أسرة مصدر رزقهم، وتسبب في تدمير اقتصاد القرية كما تم هدم 7 منازل ومصادرة 282 دونماً مشجرة، وتم حجز 524 دونما غرب الجدار ،وحجز 6 منازل غرب الجدار يسكنها 62 شخصا يعانون من الدخول من البوابة ، أضافه إلى وجود 46 فتاه من الداخل متزوجات في القرية ويوجد 35 فتاه من القرية متزوجات داخل الخط الأخضر مما أدى إلى تشتيت 81 أسره .
و تم إنشاء جدار الفصل العنصري داخل البلدة وتم منع البناء على بعد 200 متر مما تسبب في تضييق الأرض المسموح فيها البناء كما تم مصادرة طريق رئيسية في القرية تؤدي إلى عشرات المنازل في الحي الجنوبي من البلدة مما جعلهم يشقون طريقا التفافية عبر أراضي قرية باقة الشرقية المجاورة للاتصال بقريتهم وللوصول إلى منازلهم بأي طريقة توفر .
ويبلغ طول الجدار الذي بني على أراضي نزلة عيسى حوالي 3.5 كم، موزعه كتل اسمنتيه بطول 1كم وارتفاع 8م ،إضافة إلى عدة حواجز معدنية بطول 2.5 كم وعرض مابين 40ـ65 م تتألف من أسلاك شائكه وخندق وأسلاك مكهربه وشبكات إنذار ومنطقه لفحص آثار الأقدام وشارع معبد وخندق وسلك شائك .
من الجدير بالذكر أن مساحة أراضي نزلة عيسى تبلغ 12400دونما حيث استولت القوات الإسرائيلية على 10.000 دونما في حرب 1948 م، أما ما أخذه الجدار خلفه من أراضي تبلغ مساحتها 850 دونما، أما ما تبق منها يبلغ 1550 دونما هي عباره عن الأراضي الخاضعة للبناء حيث يوجد في نزلة عيسى بئر ارتوازي تعتمد عليه القرية في سد احتياجاتها المائية.
نزلة عيسى بلدة صغيرة ووادعة ، منسية دوما وبعيدة عن مراكز صناع القرار، لذا ظلت قصية عن المشهد العام ولا يسمع بعذاباتها احد رغم الجحيم الذي ذاقته من قلب الاحتلال منذ بداية النكبة، حيث صودرت مساحات واسعة من أراضيها لصالح دولة الاحتلال، وذاقت الدمار والمعاناة ، حيث احتلت مجددا واستبيحت كما استبيحت كل البلاد ولكن صار لها مع الوقت قصة أخرى مع الحياة وخصوصا بعد أن فكرت دولة الاحتلال في إقامة جدار عازل وامني كما قالوا وسياسي وكولونيالي كما يقول الرأي العام، ولكن أين الرأي العام صبيحة يوم 2132003 م حين أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي على خطوة هي أشبه بمسرح لجريمة منظمة بهدم المنازل وهدم متاجر ومحلات تجارية وورشات وتجريف أراضي وتحول “سنغافورة فلسطين ” كما عرفت عند أبناء الشمال الى ساحات تسرح فيها الأشباح .
وكانت بلدة نزلة عيسى منتعشة اقتصاديا وتجاريا لقربها من مناطق ال48 فكان فيها حركة متواصلة وغنية بشاهد الحياة وبعد قدوم الأفعى السامة التي التفت حول عنق البلدة، أنهت كل ذلك فأصبح الكساد الاقتصادي وانهارت الكثير من أبواب الرزق التي كان تعتاش من خلفها المواطنين ،ولم يبقى سوى العمل بالدخول إلى إسرائيل سرا أو العمل بالأراضي التي تبقت من وراء الاحتلال في بلدتهم وكانت نزلة عيسى على موعد مع المجزرة التي دمرت كل شيء بفعل جدار الفصل العنصري الذي التهم الأخضر واليابس وحول حياة المواطنين إلى جحيم وضنك لا يطاق .
العريس هدم بيته مأساة عائلة الأسعد المكللة بأعراس التجريف وأهازيج البلدوزر الإسرائيلي
ففي زيارتنا إلى نزلة عيسى هذه البلدة المنكوبة، وحاولت نقل الصورة عن أوضاع هذه البلدة المعزولة المنسية التي أصبحت أسواقها أثرا بعد عين ، وأكثر معاناة شدتني والتي أعطيتها كل ذهني قصة العريس الذي هدم بيته يوم زفافه ، فسألته وهذا الأمر لم يكن عليه سهلا بأن يستذكر ذلك اليوم المشؤوم الذي هزت مشاعره وكيانه من اجل هذه الحادثة المفجعة فسألته عن الحال فإذا الحال من المحال ، فهي قصة إنسانية اكبر من أن توصف .
ويقول عن مأساته : تفاجئت مثل بقية الناس فجر ذلك اليوم المشؤوم بآليات وجرافات وتعزيزات إسرائيلية وبضابط إسرائيلي يدعونا لإخلاء البيت الذي سأدخله عريسا في نفس اليوم وخلال نصف ساعة تمهيدا لهدمه ، كان شعورا لا يوصف بالفجيعة والمرارة ، وتحدثت مع ابن عمه احمد الأسعد فسألته أيضا عن ما حدث فوصف ما حدث بأنه قصة اغرب عريس يومين فقط في البيت يطالب بخلاءه ليهدم، تلك هي مأساة عائلة الأسعد في نزلة عيسى المكللة بأعراس التجريف وأهازيج البلدوزر الإسرائيلي .
ويقول احمد : نحن أبناء عائلة الأسعد خلف الجدار ثلاثة عشر شابا مع عائلاتهم وأولادنا خلف جدار 67 … فمنا من يقوم بزيارة البلدة يوميا من أطفال يذهبون إلى مدارسهم وشباب يعملون في البلدة أو في المدينة، ولكن الطريق تشبه المستحيل للوصول إلى البلدة . فمعاملاتنا كلها في الضفة والتصاريح الممنوحة لنا للدخول والخروج من والى بيوتنا لا تفي بالغرض فهي محددة بساعات، وان لم يسعفنا الوقت في المرور عبر البوابة أو إلى ديارنا نبقى ذلك اليوم دون أن يرانا العالم الخارجي أو نراه .
ويتحدث آخر عن عروض الاحتلال للعائلة لشراء أملاكها ومنازلها بشيك مفتوح وعن رفض للعائلة لمثل هذه العروض فنحن لا نساوم على حقنا وعلى وطننا ولكن تساءل عن دور السلطة الوطنية كي تدعم صمودهم ، فيقول : طرقنا كل الابواب من اجل إعادة بناء المنازل التي هدمها الاحتلال هدما كاملا، ولكن لا احد يسمعنا وكأننا ضاحية من ضواحي مدينة ليست على خارطة فلسطين ، فلم يتقدم لنا احد بأي مساعدة تذكر، مع أننا راجعنا كل المسئولين بدءا من المحافظ صعودا إلى الحكومات المتعاقبة وصولا إلى الرئاسة ، ويقول آخر : وزارة الزراعة أجرت العديد من المشاريع في القرى والبلدات المجاورة فأين نحن من ذلك ، ومن الأمثلة التي طرحها المزارع كتقدمهم بطلب مشروع زراعي يخدم البلدة والمزارعين وينعش الاقتصاد لديهم فقد طرحوا عدة مشاريع ولكن لم يصلهم الرد على أي منها !! ورغم كل الضغوطات التي يعاني منها أهل البلدة الصغيرة وكل الإجراءات التي يتعرضون لها فقد رفضوا كل العروض المقدمة من الاحتلال وهنا يجدد هذا المزارع مطالبة السلطة الوطنية الفلسطينية لتتحمل مسؤوليتها اتجاه قضيتهم وملفهم الإنساني .
ومن الملاحظات التي طرحت أن كل الصحافة الدولية جاءت إلى البلدة ،ونقلت عذاباتها والصحافة الفلسطينية لم تتابع مع أهل هذه البلدة أي تطورات تذكر باتجاه الجدار أو تدون أي انتهاك جديد ضد أهل هذه البلدة .
الجدار لترسيم الحدود وفرض الوقائع على الأرض
إن نزلة عيسى بلدة منكوبة فعلا وهي بحاجة لكل الدعم من قبل الجهات المعنية في السلطة الوطنية، وأنا كرئيس للمجلس نقلت معاناة عائلة الأسعد ومعاناة القرية بشكل عام إلى كل المسئولين والى المنظمات الدولية والوفود التي زارتنا وتضامن معنا .
ويتابع وإذا كان هناك قصور فهذه مسؤولية الظروف التي مرت وتمر بها السلطة ، ونزلة عيسى تعاني معاناة شديدة لا مثيل لها ، وباختصار وفي توصيف الحالة فان اللبدة أصبحت كالإنسان الذي فقد نصف أعضاءه، ونتيجة لذلك شلت حركته،أن مجموع ما آخذه الجدار من أراضي القرية بلغ 850 دونما ، ومجموع المحلات التجارية التي تم هدمها وتدميرها 224 محلا ، والبيوت التي هدمت 7 بيوت .
وقد أصبحت نزلة عيسى بدون أرض وبدون اقتصاد وخاصة بعد الدمار الكبير الذي الحق بقطاع التجارة وقطاع العمالة وقد فسر لنا ما معنى العمالة وهي العمل في إسرائيل بحكم موقع البلدة بين باقة الغربية المحتلة عام 1948 م وباقة الشرقية، وان الأفعى التي شبه الجدار بها قد نفثت سمها في شريان البلدة ، فهذا واقع عبر عنه رئيس المجلس القروي زياد سالم وعن معاناة أهل بلدته التي أصبحت هزيلة ضعيفة لا تقوى الحراك فهذا حال واقع في جميع أنحاء فلسطين .
وتأتي هذه السياسة المتعجرفة للاحتلال والتي عمدت على ترسيم حدود لها دفاعية وتوسيع نفسها على أوسع نطاق ممكن وتقسيم مدن الضفة الغربية إلى دويلات صغيرة حاكمة لنفسها لا يغطيها امن ولا استقرار ويتبع ذلك الهدف ، هدف آخر وهو سياسة فرق تسد والتي لعب الجدار فيها دورا كبيرا والذي عمل على تغيير المعالم الجغرافية والسياسية للأراضي الفلسطينية، وتهويد معالم الأرض الفلسطينية ، وضرب ومشروع إقامة الدولة.