حديث المصالحة والاستخفاف بالعقول … بقلم :كمال هماش

2013/02/20
Updated 2013/02/20 at 12:11 صباحًا

 230389_10150161719999436_1940063_n-222x300كأنما هي مترجمة عن خطاب سياسي مستشرق (المصالحة) قضى وقتا في القراءة والحديث وربما ورشات العمل عن حل النزاعات في المجتمع الفلسطيني، ليستنسخ مفردة يفخر بها المجتمع في ختم نزاعاته الداخلية فردية او عشائرية ووفق اجراءات عرف وتقاليد تحفظ الاعتبارات وترد الحقوق استنادا الى عقد اجتماعي متوارث في حل النزاعات، وتلقفناها كعملية سياسية اسمها المصالحة.
وحيث ان للسياسة علم اجتماعها الخاص ولنزاعاتها مفردات ولغة خطاب تلائم العاب السلطة وارتباطاتها بمصالح انية ،فانه من المناف للعقل السليم معاملة قضايا الصراع السياسي وكأنها مكونات – طوشة- بين ابناء العم على حدود الارض او سرقة حمارة ، فالنزاع الذي اورث الانقسام ،لم تعلن اطرافه عقب تفاقمه وتحوله للدموية بأنه – ساعة شيطان –بل تم تقديم الانقلاب الدموي في غزة باعتباره الحسم المؤزر بكتاب الله وسنة رسوله ،متصلا مع جهاد المجاهدين في الشيشان والنيجر .
وبالمقابل ردت فتح على غزوة حماس الدموية بغزوة امنية وسياسية حظرت فيها نشاط حركة حماس في الضفة الغربية ،فأثلجت بذلك قلوب وعقول خطيرة تحلم بإمارة ، تعيد للأذهان ولايات عثمانية وأيضا يدعمها اردوغان، وترتبط بحبل سري من الانفاق وعلني مع الإخوان وضرورة السجع هنا يفرضها ما نفثه القرضاوي وغيره من مشايخ الفتنة من فتاوى تجتزئ السنة والقران، وما بثه في الضفة بعض من لا يجدوا مكانا تحت الشمس بغير القسمة والانقسام.
ومنذ لحظة الانقلاب الاولى تداعت جهود العرب والعربان من اجل رأب الصدع وتصليح الوضع،فكانت جولات وصولات لساسة ورجال مخابرات،تستهدف جمع الطرفين في مفاوضات اعقبتها مفاوضات، ووراء الكواليس وأمام الاعلام لم يتورع قاتل المناضلين عن الابتسام والتشدق بالحرص على وحدة الدم والقضية ،
وتبع فشل الجهود العربية من مكة للدوحة للقاهرة ،فشل للتحركات التي قادتها شخصيات مالية فلسطينية ،ليس لوجه الله وإنما لتعزيز جهود القطاع الخاص بشراء ما تبقى من امتيازات ،وحماية ما تم سلبه باسم الخصخصة من تطورات السياسة الفلسطينية ،حيث لا شك بان طرفي الصراع يمتلكان ذات الرؤى فيما يتعلق باللبرلة الاقتصادية ،ويتطرفون عندما يتعلق الامر بالمساس بمصالح الشرائح من اثرياء المقاومة ولوردات التفريط وبارونات التطبيع والاسرلة ..
والغريب في الامر ان حدة تبادل الاتهامات عن المسؤولية في فشل اتفاقيات (الصلحة) تتراجع بين الطرفين حتى اننا لن نفاجأ اذا ما صدر بيان موحد من طرفي التصالح والنزاع يؤكد اكتشاف مسؤولية جزر القمر عن التسبب في ضحايا الفتنة وما وصل اليه الحال الفلسطيني من ضعف وهشاشة .
ان الهروب من وجه حقيقة وجذور انقلاب غزة باسم الواقعية السياسية وتجاوز الماضي ،ليس الا اداة خطاب تستغفل المصالح العامة للقضية وللشعب الفلسطيني، وتؤجل توقيت انفجارات اخرى بين ركنين من اركان المجتمع الفلسطيني كما هو الحال في الاقطار العربية التي كشفت شمس الاخوان فيها عن ذوبان الثلج الساتر لتخلخل الوحدة الوطنية العميق.
وان تكن تجليات اطراف الصراع الداخلي تمثلت في حركتي فتح وحماس في صدام على المصالح السياسية وما يرتبط بها ، الا انه يجب الاقرار بان لهذا الصراع جذوره منذ اواخر السبعينات ، على اسس منهجية وايدولوجية لم تاخذ حقها من الحوار والنقاش ، وفي غياب ليسار – يحمل أسفارا- ويتسابق على تحالف لا عقلاني مع هذا الطرف نكاية بذاك .
ان تجارب تونس ومصر الواضحة وغيرها من تجارب مرشحة للظهور ،تؤكد جهود تغييب الهوية الوطنية لصالح الطائفي والجهوي ، وهو ما تم من جانب الحركات الدينية في فلسطين وغيرها ، وان كانت مثل هذه الجهود اكثر تدميرا في الحالة الفلسطينية نظرا لحالة الاحتلال والشتات واعتبار الهوية الوطنية الفلسطينة ، هوية قيد النشوء استشهد من اجلها واعتقل مئات الالاف من الفلسطينيين خلال فترة حياد مشبوه للحركات الدينية التي اكتشفت الاحتلال الاسرائيلي بعد عقدين من وقوعه .
وحتى تتم اعادة الاعتبار للهوية الوطنية الفلسطينية، وتوحيدها على قاعدة الحلم الفلسطيني بانشاء دولة الشعب الفلسطيني ، فانما هو اهم من توافق حمساوي فتحاوي وحتى فصائلي توافقا سياسيا قائم على المحاصصة ، هو انتاج حوار اجتماعي جاد لصياغة عقد اجتماعي وطني تفرضه حالة تناقض الاحتلال والتحرر كضرورة ، وتمليه حاجة البناء والتطور كمجتمع وشعب الى جانب مجتمعات وشعوب المنطقة .
ان التجربة المصرية الاخيرة وما شهدته وتشهده من استقطاب طائفي وجهوي وتأتي سياسي في اخر القائمة لا تبشر بخير لأرض الكنانة، و رغم حفظ الرئيس مرسي للقران الكريم، وحركاته الباطنية في مغازلة من كان يصفهم باحفاد القردة والخنازير، والتطلع ذات اليمين وذات الشمال الى تجارب باكستان وتركيا، تناسيا لواقع تاريخي واجتماعي وحضاري مختلف لمكانة مصر .
وقبل ذلك كانت التجربة الفلسطينية القائمة على طيب النوايا من الرئيس عباس الذي عقد انتخابات تشريعية ورئاسية سابقا دونما التفات الى أولويات القضية الفلسطينية مرتبطة بأولويات شروط المشاركة (الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني)،لضمان ان أي قيادة ينتخبها الشعب لن تمس جوهر القضية الوطنية .
وعموما فان المصالحة كما هي مطروحة ليست اولوية على حوار جامع لصياغة مستقبل النظام السياسي الفلسطيني ، الا اذا كانت هذه الفصائل ترى نفسها بديلا عن لشعب وليس ممثلا له وحارسا على مستقبله ، وهو الامر الذي يدعو للتخوف والرعب من فصائل امتلكت السلطة وتملكتها وبوسائل ديمقراطية – انتخابات- .
ان المطلوب كقاعدة لما يسمونه مصالحة أو وحدة وطنية يفنرض ان يرتكز أ ساسا الى :-
اولا :- صياغة النظام السياسي وحيازة موافقة الاغلبية الشعبية على هذا النظام ، لضمان ممارسة السلطة وتداولها وليس امتلاكها .
ثانيا:- اعتماد الانتخابات العامة والشاملة كممر اجباري لبناء الوحدة السياسية ،دونما اعتبار لمفاوضات ثنائية لا تتعرض سوى لتقاسم الخيرات بعد قسمة الناس والوطن .
ثالثا:- القاء ملف العطوات العشائرية وفتاوى دفع الديات بعيدا ومحاكمة كل من اباح دما فلسطينيا او سفكه بغير محاكمة عادلة ،
رابعا:- الاتفاق على منهج اقتصادي يضمن عدالة توزيع الثروة، ومحاكمة الفساد وحماية الموارد الوطنية من حيتان الثروة .
خامسا:- انجاز نظام قضائي مستقل على كل مستوياته لحماية حقوق الوطن والمواطن من بطش السلطان .
وفي الحقيقة قد لا تكون هذه المسائل شاملة وجامعة لخدمة مستقبل فلسطين ، فالكثير يتبقى لحكماء فلسطين ان يقولوه ان تم اعطاءهم دورهم، بالمساهمة الفعالة في بناء قواعد الدولة والمجتمع ، بدلا من تهميشهم لحسابات فئوية او شخصية ،
ان هذه المقالة التي ستتهم وصاحبها بانها تساهم في تسميم اجواء المصالحة، وتنكأ الجراح ، تستلهم ذاتها ايضا من حقيقة عدم الانسياق وراء بائعي الشعار والكلام الفارغ لدى من يرون في الوحدة اتفاقا على تقسيم الحقائب الوزارية ، ورفد الوزارات والمؤسسات الحكومية بكم من الببغاوات الغبية لتضيف على كاهل المستقبل اكثر مما تحمل من هموم الحاضر.

 

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً