الغذاء: النفط الجديد .. الأرض: الذهب الجديد… بقلم : ليستر براون

2013/02/26
Updated 2013/02/26 at 10:51 صباحًا

 

 

191730هذه الحقبة الجديدة هي حقبة ارتفاع أسعار الغذاء وانتشار الجوع. وفي جانب الطلب من المعادلة الغذائية، تتجمع عوامل النمو السكاني، والوفرة، وتحول الغذاء إلى وقود للسيارات، لرفع الاستهلاك إلى معدلات قياسية. وفي جانب العرض من المعادلة، فإن تآكل التربة الحاد ونمو نقص المياه وارتفاع درجة حرارة الأرض تجعل من التوسع في الإنتاج أكثر صعوبة.
الأسعار ستستمر في الارتفاع والجوع سيستمر في الانتشار، إلا…
ما لم نستطع قلب هذه الاتجاهات، فستستمر أسعار الغذاء في الارتفاع، وسيستمر الجوع في الانتشار مفضياً في نهاية المطاف إلى انهيار نظامنا المجتمعي. فهل بمقدورنا قلب هذه الاتجاهات في الوقت المناسب؟ أم سيكون الغذاء هو الحلقة الضعيفة في وقت مبكر من حضارة قرننا الحادي والعشرين، تماماً كما كان عليه الحال في العديد جداً من الحضارات المبكرة التي ندرس راهناً مواقعها الأثرية؟
ويتضارب هذا التضيف في إمدادات الغذاء العالمية بشكل حاد مع ما كان عليه الوضع في النصف الأخير من القرن العشرين، حين كانت القضايا المهيمنة في الزراعة هي الإفراط في الإنتاج وفوائض الحبوب الضخمة ووصول مصدري الحبوب إلى الأسواق.
خلال ذلك الوقت، كان لدى العالم فعلياً احتياطيان: مخزونات ضخمة مرحّلة وفائضة من الحبوب (الكميات التي تتوفر في المخزن عندما يبدأ الحصاد الجديد)، وساحات ضخمة من أراضي المحاصيل المعطلة بموجب برامج الزراعة الأميركية لتجنب الإفراط في الإنتاج.
أراضٍ معطلة
عندما كان المحصول العالمي جيداً، كانت الولايات المتحدة تجنح إلى تعطيل المزيد من الأراضي. وعندما يصل المحصول إلى ما دون القيمة الاسمية، كانت الأرض تعود إلى الإنتاج. وكانت القدرة الزائدة في الإنتاج تستخدم للحفاظ على الاستقرار في أسواق الحبوب العالمية.
وقد غطت المخزونات الضخمة من الحبوب حالات النقص في المحصول العالمي. وعندما انحبست الأمطار الموسمية في الهند في العام 1965 على سبيل المثال، شحنت الولايات المتحدة خمس محصولها من القمح إلى الهند لتجنب إمكانية حدوث مجاعة عامة. وبسبب المخزونات الوفيرة، كان لهذا العمل القليل من التأثير على أسعار الحبوب العالمية.
وعندما بدأت هذه الفترة من الوفرة الغذائية، كان عدد سكان العالم 2.5 مليار نسمة. لكن عدد سكان العالم يبلغ راهناً 7 مليارات. ومن العام 1950 وحتى العام 2000، كانت هناك ارتفاعات من فترة إلى أخرى في أسعار الحبوب نتيجة لتطورات المناخ، مثل الجفاف الحاد في روسيا أو الحرارة العالية في الوسط الغربي من الولايات المتحدة.
لكن آثارها على السعر لم تدم سوى فترة قصيرة. فخلال عام أو نحو ذلك، بدأت الأشياء تعود إلى طبيعتها. وقد جعل تجمع المخزونات الوفيرة وأراضي المحاصيل المعطلة من هذه الفترة واحدة من أكثر فترات الأمن الغذائي ازدهاراً في تاريخ العالم. لكنه لم يكتب لها أن تدوم. فمع حلول العام 1986، أفضى الطلب العالمي المتصاعد بثبات على الحبوب، وكلف الموازنة العالية غير المقبولة إلى انقطاع برنامج المحاصيل الأميركية التي تجري تنحيتها جانباً كاحتياطيات.
اليوم، توجد لدى الولايات المتحدة بعض الأراضي المعطلة في إطار برنامج الاحتياطي الترشيدي، لكنها تستهدف الأراضي المعرضة للتآكل بقدر كبير. لقد انتهت الأيام التي كانت فيها الأراضي المنتجة مستعدة لأن تنضم بسرعة إلى دورة الإنتاج عندما تمس الحاجة.
الاستهلاك العالمي يفوق الإنتاج
منذ بدأت الزراعة كلها أصلاً، ظلت المخزونات المرحّلة من الحبوب هي المؤشر الأكثر للأمن الغذائي. وبقي هدف المزارعين في كل مكان هو إنتاج ما يكفي من الحبوب، ليس فقط لجمعها لموسم الحصاد التالي، وإنما لعمل ذلك بهامش مريح. ومنذ العام 1986، عندما خسرنا أراضي المحاصيل الحاسمة وحتى العام 2011، صار معدل مخزونات الحبوب المرحّلة العالمية السنوية يغطي 107 أيام مريحة من الاستهلاك.
وما كان لهذه الوسادة الآمنة أيضاً أن تدوم. فبعد العام 2001، هبطت المخزونات المرحّلة من الحبوب بحدة، فيما تجاوز الاستهلاك العالمي حجم الإنتاج. ومن العام 2002 وحتى العام 2011، أصبحت تعامل 74 يوما فقط من الاستهلاك، هابطة بمعدل الثلث. وقد وصلت الفترة غير المسبوقة من الأمن الغذائي العالمي إلى نهايتها. وخسر العالم خلال عقدين وسادتيه من الأمن.
درجات حرارة أعلى، جفاف أكثر كثافة، وموجات حرارة كثيفة أكثر
في الأعوام الأخيرة، أصبحت المخزونات المرحلة من الحبوب تزيد قليلاً عما يكفي لسبعين يوماً من الاستهلاك الذي يشكل الحد الأدنى المرغوب فيه خلال أواخر القرن العشرين. والآن، يجب أن تأخذ مستويات المخزون الجديدة في اعتبارها عوامل تأثير درجات الحرارة الأعلى على المحاصيل، وانتشار المزيد من الجفاف، والمزيد من موجات الحرارة الشديدة.
وبالرغم من عدم وجود طريقة لتحسين الآثار المترتبة على المحاصيل تحديداً نتيجة للتهديدات المتصلة بالمناخ، فمن الواضح أن أيا منها تستطيع أن تقلص المحاصيل، وأن تُحدث الفوضى في سوق الحبوب العالمي. وللتخفيف من احتمالات هذا الخطر، فإن احتياطي مخزون يكفي لفترة 110 أيام من الاستهلاك سينتج مستوى أكثر أماناً من الأمن الغذائي.
يعيش العالم راهناً من عام لآخر، آملاً دائماً في إنتاج ما يكفي لتغطية النمو في الطلب. ويبذل المزارعون في كل مكان جهدا كبيراً لمواكبة النمو المتسارع في الطلب، لكنهم يواجهون صعوبة في فعل ذلك.
حالة السومريين وحضارة المايا (أميركا الوسطى والمكسيك)
لقد هدمت حالات نقص الغذاء الحضارات المبكرة. ويشكل السومريون وشعب المايا اثنتين فقط من الحضارات التي تداعت على ما يبدو لأنها اتخذت مسارات زراعية كانت غير مستدامة من الناحية البيئية. فبالنسبة للسومريين، أفشل ارتفاع مستويات الملح في التربة نتيجة لعيب في نظام الري الذي كان جيد الهندسة لولا ذلك، مما أفضى تالياً إلى تقويض نظامهم الغذائي، وبالتالي حضارتهم. وبالنسبة لحضارة المايا، كان تآكل التربة واحداً من المفاتيح التي أفضت إلى سقوطها كما كانت الحال بالنسبة للعديد من الحضارات المبكرة.
ونحن أيضاً نسير على نفس الطريق. فبينما عانى السومريون من ارتفاع منسوب الملح في التربة، تعاني زراعتنا من ارتفاع منسوب مستويات ثاني أكسيد الكربون في الجو. كما أننا، مثل شعب المايا، أيضاً، نسيء إدارة أرضنا ونتسبب بفقدان قياسي للتربة بسبب التآكل.
وبينما يمكن تعقب أفول الحضارات المبكرة إلى اتجاه بيئي أو اتجاهين، مثل التصحر وتآكل التربة اللذين قوضا الإمداد الغذائي، فإننا نتعامل الآن مع العديد من الاتجاهات المدمرة. فبالإضافة إلى بعض أكثر حالات تآكل التربة شدة في التاريخ الإنساني، نواجه أيضاً اتجاهات أحدث، مثل نفاد مخازن المياه الجوفية، ووصول منتجات الحبوب في البلدان الأكثر تقدماً زراعياً إلى الذروة، وارتفاع درجات الحرارة.
أسعار الغذاء أصبحت ضعف ما كانت عليه في العام 2002
على ضوء هذه الخلفية، لا غرابة في قول الأمم المتحدة بأن أسعار المواد الغذائية أصبحت الآن ضعف ما كانت عليه في السنوات 2002-04. وبالنسبة لمعظم الأميركيين الذين ينفقون ما معدله 9 % من دخلهم على الغذاء، فليست هذه قضية كبيرة. أما بالنسبة للمستهلكين الذين ينفقون 50-70 % من دخلهم على الغذاء، فتعتبر مضاعفة أسعار الغذاء مسألة خطيرة. وثمة فضاء ضئيل أمامهم لمواكبة ارتفاع الأسعار ببساطة من خلال زيادة الإنفاق.
ويرتبط انتشار الجوع بتدني مخزونات الحبوب وارتفاع أسعار الغذاء. فخلال العقود الأخيرة من القرن الماضي، كان عدد الناس الجوعى في العالم يهبط منخفضاَ إلى 792 مليون شخص في العام 1997. وبعد ذلك شرع في الارتفاع محلقاً إلى 1 مليار شخص. ولسوء الطالع، إذا واصلنا العمل بنفس الطريقة، فإن أعداد الجوعى ستستمر في الارتفاع.
مواكبة الطلب المتنامي على الحبوب
أصبحت القضية الأساسية هي أن من الأصعب كثيراً لمزارعي العالم راهناً مواكبة الطلب العالمي المتنامي بوتيرة سريعة على الحبوب. فقد قلت مخزونات الحبوب العالمية قبل عقد، ولم يعد بمقدورنا أن نعيد بناءها. وإذا لم نستطع فعل ذلك، فيمكننا توقع أن أسعار الغذاء ستحلق، مع الحاصل الفقير القادم، وسيتكثف الجوع وستنتشر الاضطرابات بسبب الغذاء
إننا نعبر زمن الندرة الغذائية المزمنة، تلك التي تفضي إلى منافسة حادة للسيطرة على الأراضي وموارد المياه- وباختصار، ظهور جغرافية سياسية جديدة للغذاء.

(معهد سياسة الأرض) ترجمة: عبد الرحمن الحسيني- الغد الاردنية
*نشرت هذه القراءة تحت عنوان:
Food Is the New Oil: Land, the New Gold

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً