برزخ الواقع والادعاء الكاتب: محمد قاروط أبو رحمه

2019/02/10
Updated 2019/02/10 at 9:21 صباحًا


عنوان الجزء الثاني من رواية ياسر المصري، رقعة الهدهد (الضحايا)، مكتبة كل شيئ 2019..
عنوان من ثلاث كلمات يأخذ القارئ إلى عالم الفلسفة وعلم الكلام ثم إلى الواقع.
إذا كانت الفلسفة تبحث في مبادئ العلم الكلية المتعلقة بالكون والإنسان والحياة وكل ما يتعلق بذلك وهي علم عقلي كامل، فإن علم الكلام هو العلم الذي يبحث في نفس المسائل باستخدام النقل والعقل معا، فعندما يعجز العقل عن إثبات أمر ما، فان النقل يلزمنا به.
البرزخ هو الحاجز ما بين شيئين كما ورد في قواميس اللغة العربية وكما ورد في سورة الرحمن مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ (20) وسورة الفرقان الآية 53 :﴿ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا ﴾
وهو اول مشهد بعد الموت كما ورد في سورة المؤمنون الاية 100
﴿ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
البرزخ من ناحية فلسفية يمكن إثباته بالعقل استنادا الى قول الله سبحانه في سورة الفرقان الايه 53، وسورة الرحمن الآيات 19-20 السابقة الذكر، وقد اثبت العلم صحة وجود البرزخ بين المياه المالحة والعذبة،
أما البرزخ من جهة انه أول مشهد بعد الموت فلا يمكن إثباته بالعقل لذلك ذهب علم الكلام على اعتماد النقل في الإيمان به.
كانت هذه مقدمة ضرورية علن البرزخ، للوصول إلى فهم أو محاولة فهم، او تفكيك استخدام مصطلح برزخ في عنوان الجزء الثاني من الرواية المذكورة.
ملخص فهمي للبرزخ، انه ذاتي وموضوعي، ذاتي في الوعي من النقل، وموضوعي يمكن إثباته في العلم.
والواقع هو موضوعي بشكل كامل، ويمكن إثباته بالعلم، كذلك إثبات الوقائع والإحداث التي تجري في الواقع.
ومن اجل فك لغز العلاقة ما بين الوعي والواقع فان استخدام الكلمة الثالثة في العنوان (الادعاء) هو همزة الوصل، فالادعاء في اللغة هو: عرف القاموس المحيط كلمة ادعاء على أنها مصدر
ادعى: هو كثير الادعاء كثير الفخر والادعاء بما ليس فيه، بذلك يكون الادعاء مصدر ذاتي يقصد به نتائج موضوعية.
هذا الربط بين البرزخ والادعاء والواقع يلزمه ركن رابع وهو الإدراك، فالإدراك هو معرفة وظائف الأشياء والناس، وهو اختياري أي ان الإنسان يختار ما يدركه وهو ذاتي (جزء من الوعي) يهدف الى فهم الموضوعي (الواقع).
أين البرزخ في حياتنا اليومية من الناحية الموضوعية (الواقع).
في كتابه الإسلام في معركة الحضارة (المفكر الإسلامي الفلسطيني منير شفيق) وتحت عنوان مجتمعين تحت سقف واحد، يورد بشكل مفصل كيف يعيش أبناء البلد الواحد تحت سقف الدولة الواحدة ولكن كمجتمعين، المجتمع الذي تطور ضمن بيئتة العربية والإسلامية، استيقاظا وعملا وتجارة وتعليم …الخ، والمجتمع الذي بنته الدولة الغربية الحديثة في بلادنا.
اما في الواقع المعاش في فلسطين، فإن الأمر أكثر تعقيدا، لان الشعب الفلسطيني داخل الحدود التاريخية لفلسطين يعيش تحت أسقف متعددة، فمثلا، فعندما يرغب المواطن الفلسطيني التنقل في فلسطين فإنه سيكون تحت سلطة الاحتلال بقوانينها فيما يعرف اصطلاحا داخل الخط الأخضر، ثم إذا سار إلى القدس فإن لها وضع خاص، ثم إذا واصل السير إلى أية مدينة فلسطينية فانه سيكون تحت سلطة القانون الفلسطيني، وإذا أراد أن يتحرك بين مدينتين في الضفة فانه سيدخل في منطقة سلطة الاحتلال وقوانينه، أما غزة فأمرها قصة معقدة.
شأنا أم أبينا، تعتبر هذه الأسقف من القوانين التي يعيش تحت سيفها المواطن الفلسطيني، واختلاف الجغرافيا ومكونات المدن وطبية التطور العمراني والبنية التحتية….الخ، برازخ تفصل بين الواقع الواحد، وبالضرورة تتطلب هذه البرازخ الموضوعية (الواقع) وعيا ذاتيا في التعامل معها. فنجد مثلا أن السائق يربط حزام الأمان في مقعده بالسيارة في منطقة ويتخلص منه في منطقة أخرى، وكذلك يصبح سلوكه متعدد وأحيانا متناقض في التعامل مع القوانين والقضاء والمرور والاقتصاد والنظافة…الخ.
يجب ان نرى البرازخ في وعينا تجاه كل القضايا، من المشروع الوطني إلى الانقلاب إلى العلاقات الأسرية والاجتماعية…الخ.
يجب أن نتحرر من البرازخ في وعينا، يجب أن يتحرر الإعلامي ورجل الدين والسياسي، من الخطابات المبرزخة حسب الطلب.
البرازخ المعششة في وعينا حول كافة مناحي الحياة هي التي يجب أن نتحرر منها حتى نحرر أرضنا.
يجب على علية القوم التوقف عن الادعاء بالكمال، والفضيلة، وأنهم على كل شيء قادرون، يجب أن نتوقف نحن عن برزختنا تجاههم.
صحيح أن لكل مقام مقال، أما أن يكون لكل مقام أكثر من مقال فهذا برزخ الوعي والسلوك وادعاء أن الواقع يحكمنا، وهذا خطر ماحق.
عنوان برزخ الواقع والادعاء مليء بالفلسفة وعلم الكلام، فيه إطلالة على وعينا وواقعنا.

Share this Article