الإسرائيلي المتغول منذ عقود بقلم: أنطوان شلحت

2019/03/16
Updated 2019/03/16 at 8:46 صباحًا


كان من بين الأمور التي شهدها الوسط الثقافي والصحافي في إسرائيل، في أثناء الحرب على لبنان عام 1982 وفي عقبيها، جدل واسع بشأن دور الكاتب والصحافي في المعركة، ومدى فاعلية ما ينتجه كلٌّ منهما في تجنيب الجمهور العريض مظاهر حُبلى بالكوارث، من خلال التنبيه إلى عوامل من شأنها التعجيل بولادة تلك الكوارث، وجعلها منتصبةً على حوافر سوداء.

ولمحدودية المساحة، يمكن الإشارة، في معرض استكناه مستحصلات ذلك الجدل، إلى “رحلة تقصّ” قام بها الكاتب عاموس عوز، الذي توفي أخيرًا، ونشر انطباعاته عنها في ملحق صحيفة دافار، ثم صدرت مجتمعةً في كتاب في خريف 1982 تحت عنوان “هنا وهناك في أرض إسرائيل” (المقصود أراضي 1948 و1967).

وبدا جليًّا من فصول الكتاب، في حينه، أن الحرب المذكورة على لبنان أوقعت عوز في أزمةٍ حادّة، حاول مواجهتها عبر سبر غور المجتمع الذي قال إنه يتحمل المسؤولية كاملةً عن الحرب وموبقاتها، وارتأى أن يفعل ذلك من طريق إبراز ما تراكم من مستجداتٍ على الصعيد الإسرائيلي، إثر ما سمي في القاموس السياسي الإسرائيلي “انقلاب 1977″، والمقصود صعود حزب الليكود إلى سدّة الحكم، بعد أن تربّع عليها حزب العمل 29 عامًا متواصلة.

توزعت رحلة عوز على ثلاثة محاور، أبرزها محور تحليل إجراءات اجتماعية وسياسية ومعتقدات عقلية، استشرت منذ “انقلاب 77″، ومن شأنها، وفقًا لاعتقاده، أن تهدّد بالخطر صلب المجتمع ونظام الحكم في إسرائيل. وأشار من بينها، على وجه الخصوص، إلى: تعاظم نفوذ القوى الدينية الغيبية التي رأى أنها مناهضة لـ”الصهيونية العلمانية”؛ التقاطب الآخذ بالازدياد بين اليهود الغربيين (الأشكناز) واليهود الشرقيين (السفاراديم)؛ تفاقم مظاهر التطرّف اليميني.

وكانت أول محطة له ضمن هذا المحور في أحياء القدس الشمالية الغربية التي عاش فيها طفولته، حيث استخلص أن الماضي الذي كان بالنسبة إليه متشكّلًا من مجتمعٍ تعدّدي، حوى شتى الفئات الاجتماعية ذات الثقافات المختلفة، أخلى مكانه في الحاضر لمجتمع أرثوذكسي، يتبع نمط حياة الغيتو والتقوقع اليهودي، ويكفر بكل ما يحيد قيد أنملة عن تعاليم التناخ (الكتاب المقدس اليهودي). وأكثر من ذلك مجتمع موبوء بالكراهية للعرب والغوييم (الأغيار)، يسرح فيه ويمرح الإسرائيلي البشع.

وتطوّع أحد المُدرّسين في مدرسةٍ دينيةٍ يهودية، ليشرح أمام عوز ماهية هذا المجتمع، فنقل عنه أن طلاب الغيتو يتعلمون التناخ صباح مساء، ولا يتعلّمون العلوم الطبيعية كونها رجسا من صنع الشيطان، ولا المهن اليدوية. وعندما سُئل هذا المُدرّس عن سبب تجنب تعلّم المهن، أشار إلى السائل نحو عمالٍ تابعين لبلدية القدس العرب، كانوا يعملون في ترميم سقف المدرسة، وقال: “لماذا خلق الله هؤلاء؟ ولماذا سمّى يشماعئيل (اسم إسماعيل بن إبراهيم بالعبرية، ويعني “سمع الرب”) بهذا الاسم تحديدًا؟ هل تعرف؟ بالتأكيد لا. سأقول لك: سمّاه هكذا كي يسمع ما يأمره به يتسحاق”.

وسأل عوز فيما إذا كان الطلاب اليهود يتعلمون التاريخ العام؟ فأجاب المُدرّس: “حاشا وكلا. نحن شعبٌ يعيش بمفرده ولذاته، ولا يحسب أي حسابٍ للأغيار. فما لنا ولهذه النجاسة؟ هل تريدنا أن نعلّم أطفالنا القتل والنهب والسطو؟”. وأشار الكاتب إلى أن هذه المزايا هي من خصائص الأغيار فقط، بحسب عُرف هذا المجتمع.

كانت لعوز محطات أخرى، نذكر منها تلك في مستوطنتي “تكواع” و”عوفرا” في الضفة الغربية، حيث صادف نماذج أخرى من الإسرائيلي البشع موديل 1982. ولعلّ أكثرها تغوّلًا نموذج “المواطن تسادك” الذي طلب عدم كشف هويته، وسمع منه كلامًا من هذا القبيل: “تستطيع أن تصف دولتنا بأنها نازية يهودية. لم لا؟ نازية يهودية أفضل من قديس ميت”. و”تسادك” هذا حزين، لأن “مجزرة صغيرة مثل صبرا وشاتيلا (كذا في الأصل، مع تساؤل: هل يُعدّ مقتل خمسمئة شخص مجزرة كبيرة؟) ارتكبها حزب الكتائب (اللبناني)، وكان يجب أن يرتكبها الصهاينة بأيديهم الناعمة، كي تكون دولتنا مؤهلةً لعضوية نادي المجرمين الدولي.

عن “العربي الجديد”

Share this Article