الحق في ارتداء النقاب: لماذا يظل مثار جدل في فرنسا؟ بقلم :ماري دوميري

2013/04/23
Updated 2013/04/23 at 5:45 مساءً

196352

أظهر قرار لإحدى المحاكم مؤخراً أن تلك القطع من القماش ما تزال تتوافر على نفس القوة لإشعال النقاش العام. فهل هي قضية جندرية؟ أم موضوع علماني؟ أم مجرد تعصب صارخ؟
مر بعض الوقت. ولكن، بعد أن رفضت المحكمة العليا في فرنسا مؤخراً فصل موظفة خاصة في رعاية الطفل من عملها، والتي كانت قد طردت من الخدمة في العام 2008 لأنها شرعت في ارتداء الحجاب، وجدت أكثر قطع القماش في فرنسا إثارة للجدل نفسها مرة أخرى في قلب النقاش العام. وفي أعقاب قانون العام 2004 الذي يحظر اظهار “الرموز الدينية البارزة” في المدارس الحكومية، وقانون العام 2008 الذي يحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، ربما تسمح فرنسا الآن لقطاع الأعمال الخاصة بمنع مستخدماته من ارتداء غطاء للرأس.
وقد أظهرت دراسة أجريت بعد صدور قرار المحكمة أن 83 % من الشعب الفرنسي يؤيد سن قانون يحظر ارتداء الحجاب في المؤسسات الخاصة التي تتعامل مع الجمهور، ما يعني الحوانيت، والممارسات الطبية، ورياض الأطفال.. وهكذا.
وللحجاب في فرنسا قدرة خاصة على إشعال النقاش العام. ففي أعقاب قرار المحكمة الأخير، استغرق الأمر الحكومة ساعات قليلة فقط لتصدر رد فعل، وأياماً قليلة حتى تقدم مجموعة من الناشطين التماساً يطالب بإجراء تغيير في القانون، وأسبوعا حتى تناقش المعارضة الاقتراح القانوني في البرلمان، وحتى يدعي وللرئيس بأن ثمة “حاجة” لتوضيح القانون. وكل ذلك ردة فعل مشهودة وسريعة ومركزة. وقد يحاجج البعض بأن فرنسا ستعمل بشكل أفضل لو كان تحلى المسؤولون دائماً بهذه السرعة في إصدار ردود الفعل حول كل الموضوعات. لكنهم ليسوا كذلك. وإذن، لماذا كل هذا التكريس واسع النطاق لمناقشة هذا الموضوع، الذي يستند –كما ينبغي أن نتذكر- إلى مجرد قضية مفردة؟
بالنسبة لعالم الاجتماع المتدين رفائيل لوجير، “يتغذى النقاش في الحقيقة على شعور المرء بأنه يواجه كارثة وشيكة”. ويحاجج بأن “المشكلة ليست في الإسلام أيضاً، وإنما في الشعور الغامر بأنك محاصر.” إن “الخوف من الأسلمة” الذي يفسر ردود الأفعال مثل تلك التي صدرت عن وزير الداخلية السابق كلود غويانت، الذي أشار إلى الصلاة في الشارع على أنها “احتلال،” أو زعيم المعارضة جان فرنسوا كوبيه، الذي زعم بأنها تمت مصادرة وجبات الأطفال الخفيفة خلال شهر رمضان.
لكن هذه الملاحظات التي زادت عن حدها -والتي تنطوي على رهاب الخوف من الإسلام- عادة ما تكون الحق الحصري لليمين وأقصى اليمين، فيما يبدو المعلقون من كل القناعات السياسية متفقين في الرأي عندما يتعلق الأمر بالحجاب. وقد ردت نجاة فالو-بلقاسم، الناطقة بلسان الحكومة ووزيرة حقوق النساء التي وصفت ملاحظات جان فرانسوا كوبيه عن الوجبات الخفيفة ورمضان بأنها “سخيفة” وتشكل “خطراً على الوئام الثقافي” بشدة على قرار المحكمة. وشددت على القول: “إن العلمانية يجب أن لا تتوقف عند عتبة رياض الاطفال”.
ربما تبدو هذه الصلابة صعبة على الفهم في بريطانيا، حيث يسمح للشرطيات المسلمات بارتداء الحجاب كجزء من زيهن الرسمي، في حال اخترن ذلك، وحيث أصبح جندي سيخي في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي اول حارس في قصر بكنغهام يبدل غطاء الرأس البريطاني التقليدي بعمامة، وحيث يكون من الصعب جدا تخيل معلمة يحظر عليها ارتداء غطاء الرأس ببساطة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن نقاشا قد جرى بالفعل في بريطانيا حول اللباس الإسلامي، وإنما كان يتعلق فقط بالنقاب الذي يغطي كامل الوجه. وكان وزير المالية في حكومة الظل، إد بولزر، قد حاجج في كانون الثاني (يناير) 2010 بأنه ليس من القيم “بريطانية” أن يحدد أحد للناس ما يرتدونه في الشوارع. ويتعامل الفرنسيون والبريطانيون مع الهجرة والتنوع الثقافي بطريقتين مختلفتين. فبينما يدفع كلاهما بقضية المساواة، يفضل الفرنسيون “الحيادية” -دعونا نخفي- اختلافاتنا، في حين يفضل البريطانيون مواكبة التعددية الثقافية المفترضة -عش ودع غيرك يعيش.
في كانون الثاني (يناير) الماضي، عندما قرر الآباء رفع قضية ضد مدرسة ابنتهم، مدرسة “ساوث لندن” لأنها منعتها من ارتداء الحجاب، نشرت صحيفة الإندبندت في قسم “أصوات” مقالة تتساءل عما إذا كان سيؤثر على أحد فعلاً ارتداء طفلة في المدرسة حجاباً يتماشى مع زيها. أما في إعلام الاتجاه السائد في فرنسا، فإن مقالة مثل هذه عن طفلة بعمر تسع سنوات ستعتبر عبثية، وربما لم تكن لتنشر مطلقاً. فهل يستطيع التقليد العلماني القوي والفخور في فرنسا تفسير هذا الاختلاف؟
ما تزال إحدى مقاطعات فرنسا، منطقة الاراضي الشرقية من “الساك – موسيل” تعيش في ظل وضع خاص، وهي مستثناة من السياسة العلمانية. وذلك لا يثير الغضب الشعبي. فماذا عن الأديان الاخرى؟ هل كان رد الفعل الشعبي سيكون نفسه لو أن المستخدمة ارتدت عمامة سيخية بدلا من منديل للرأس؟ ذلك غير مرجح إلى حد كبير. وفي الحقيقة، أقرت اللجنة التي انجزت الحظر في العام 2004 بأنها نسيت نوعاً ما موضوع السيخ عندما وضعت مسودة القانون – ثمة بضعة آلاف فقط من السيخ في فرنسا- لو كانت الحاجة تمس لواحدة. وتحت غطاء حماية العلمانية، كان النقاش دائما في جزئه الضخم حول “الرمز الديني البارز”.
ولكن، حتى لو كان السيد ليوغير محقاً في ذكر الخوف المستحكم من غزو إسلامي لفرنسا، فإنه ربما لن يكون من النزاهة القول بأن أكثر من 80 % من الفرنسيين يفكرون بهذه الطريقة. وبالنسبة للمعلق السياسي ثوماس ليغراند، وسواء أحب ذلك أم لا “اولئك الذين يستخدمون أو يفرطون في استخدام فكرة الإسلاموفوبيا”، فإن فالمستهدف ليس دينا محدداً، وإنما “التعبير عن ممارسة جنسوية للدين”. وفي الحقيقة، فإن الغالبية العظمى من الشعب الفرنسي تبدو موافقة على النظر إلى الحجاب باعتباره رمزاً للقمع وعدم المساواة الجندرية، وتنحو نحو دعم القوانين المضادة له بسبب هذا المسوغ.
وهكذا، فإن الفرنسيين ليسوا علمانيين وحسب، بل انهم ايضا منافحون أشداء عن المساواة بين الإناث والذكور، ومستعدون لغض الطرف عن أي انتهاك محتمل للحرية في سبيل حماية حقوق النساء. ولعل مما يثير الاستغراب مع ذلك هو أن قضايا فرنسا الأخرى المتعلقة بحقوق النساء لم يسبق لها وأن حظيت مطلقا بنفس المقدار من الاهتمام الشعبي كما فعل الحجاب، إلا ربما يوم المرأة العالمي. في فرنسا، تموت امرأة واحدة في كل ثلاثة أيام بسبب العنف المنزلي، وتغتصب امرأة كل ثماني دقائق، وما يزال الفارق في الأجور بين الرجال والنساء عند نسبة 27 %، وتفضل بعض الأحزاب السياسية دفع غرامة على التقيد بقانون فارق الجندر في الانتخابات. فلماذا إذن إهدار كل هذه الطاقة على الحجاب، قطعة القماش، الاختيار الشخصي الذي لا يؤذي ولا يؤثر على أحد؟ إن من غير النزاهة والأمانة القول، كما بدأت الفيلسوفة إليزابيت بادينز التماس المثقفين لوضع قانون جديد، بأن “حظر” الحجاب “يكرسه كعرف”. ولو كان ذلك صحيحاً لكانت كل امرأة بريطانية قد أصبحت منقبة راهناً.
يوم الجمعة الماضي، أطلقت مجموعة من النساء المسلمات حملة على شبكات التواصل الاجتماعي في رد فعل على رواية فومين بعنوان “يوم الجهاد عاري الصدر”، بادعاء أن النساء المسلمات “لا يحتجن لإنقاذ” و”سواء اخترنا ارتداء الحجاب أم لا، فإن ذلك ليس من شأن أحد، وإنما شأننا نحن وحسب”.
لكن الغالبية العظمى من الفرنسيين لا توافق على ذلك فيما يبدو. وبدلاً من إشهار القيم الكبيرة والجميلة، ربما يجب على الفرنسيين أخذ بعض الوقت للتفكير في السبب الذي يجعلهم يهتمون حقيقة وبهذا القدر الكبير، وربما ينسون للحظة ما يعتقدون بأن “الحجاب” يمثله، ويفكرون في حال النساء اللائي تحت كنفهم. مثلاً، عن حجم الاهانة التي ينطوي عليها منع أم من مرافقة ابنها في رحلة مدرسية لصفه إذا كان رأسها مغطى. لأن التطرف خطير في الحقيقة، فإنه ذو حدين.

  (الاندبندنت) ترجمة: عبد الرحمن الحسيني- الغد الاردنية . نشرت هذه القراءة تحت عنوان *
Why is the right of Muslim women to wearthe veilstill so controversial in France?

abdrahaman.alhuseini@alghad.jo

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً