الأسرى الفلسطينيون.. الهروب المشروع والقضية الغائبة في الصحافة الدولية ‏بقلم: د. أماني القرم

2021/09/12
Updated 2021/09/12 at 8:12 صباحًا

أسبوع يخطف الانفاس.. فلم يكن اجتياز نفق الملعقة حصريًّا على الابطال الستة الذين حفروه، إنما كان ‏عبوراً لفلسطين كلها الى سماء الحرية .. فطوبى لبطولتهم التي غمرتنا وجدّدت فينا هذا الشعور الغريب ‏بأننا مازلنا أحياء! ‏
‏ تابعت ردود الأفعال في الصحف العالمية على قضية هروب الأسرى الستة . عنوان واحد ورواية واحدة ‏والكاتب نفسه في معظم الأحيان : ” فرار ستة سجناء من سجن شديد الحراسة في إسرائيل”. والتركيز كان ‏باقتضاب حول أمرين: اختراق الأمن الاسرائيلي والكيفية التي تمت بها عملية الهروب. ‏

لم أجد صحيفة واحدة تتحدث عن القصص غير مروية للأسرى الستة ومحكومياتهم وسنواتهم اللانهائية ‏من العذاب الهائل خلف جدران السجن أو أسرهم التي تركوها خلفهم حين اعتقلوا ، حتى تلك التي تعد ‏متعاطفة مع القضية الفلسطينية . بدا الأمر عالميا وكأن القصة تدور حول سجناء جنائيون أو أمنيون /لا ‏فرق/ يقضون فترة عقابية تحت نظام قضائي عادل لدولة شرعية بسبب سرقة أو قتل ، نجحوا في الهرب ‏من السجن على طريقة الافلام الهوليوودية .. الحقيقة أن الواقع مغاير تماماً لما توحي هذه الرواية المأخوذة ‏عن صحف اسرائيلية.. ‏

فمنذ نشوء الصراع ، تشهد القضية الفلسطينية في أسلوب التغطية العالمية لسياق الاحداث تلاعباً في ‏الالفاظ والكلمات لصالح اسرائيل التي تعتمد تكتيكاً التفافيًّا للرواية يركز على النتيجة دون ذكر الأسباب، ‏ويفتت محاور القصة فلا يستطيع القارئ العادي ربط النقاط ببعضها البعض ، أو كما قال عالم السياسة ‏الامريكي ” شانتو يانغار” طرح “سياق بلا سياق” . بحيث يصل من يقرأ في النهاية الى خلاصة تبعد ‏الادانة عن اسرائيل وتساوي بين الضحية والجلاد . فمثلا في قضية دفع رواتب الاسرى والشهداء ظهرت ‏القضية عالميا في النهاية بأسلوب (الدفع مقابل القتل) ، وفي قضية التهجير القسري لملاّك حي الشيخ ‏جراح بدا الأمر وكأنه نزاع قضائي حول أحقية حكومة اسرائيل في إخلاء سكان المنطقة . أما في الحروب ‏على غزة فمجال الرواية المزورة أشدّ اتساعًا، والنتيجة صواريخ حماس تقصف المدنيين مقابل رد اسرائيلي ‏بقصف انفاق حماس تحت المنازل الفلسطينية!! ‏
أمّا معاناة الاسرى الفلسطينيين وظروفهم المأساوية وأحكامهم الجائرة وأسلوب الاعتقال اللا انساني سواء ‏أطفالا كانوا أم نساء أم رجالا غائبة تماما عن الصحافة العالمية، ففي أحسن الاحوال هم أرقام. ‏

معظم الغرب يعرف عن مناضل ايرلندي اسمه بوب ساندز ورفاقه الذين ماتوا في السجن البريطاني إثر ‏إضرابهم عن الطعام من اجل استقلال ايرلندا.. لكن هل يوجد في الغرب من يعلم اسماء أسرى فلسطينيون ‏قادوا معركة الامعاء الخاوية ومازالوا؟ أو أسرى محكومين مؤبدات متتالية تحرمهم حتى من مجرد الحلم ‏بالحرية.. الغرب لا يعرف أو لا يريد أن يعترف بأن اسرائيل تحاكم الاطفال في محاكم عسكرية. الغرب لا ‏يعلم أن عدد من الاسرى يموت بعد خروجه من السجن الاسرائيلي أو يفقد عقله بسبب مضاعفات التعذيب ‏المستمر ..والغرب لا يعرف أيضا عن اسرى استشهدوا بسبب ظروف الاعتقال الجسدية والنفسية في ظل ‏غياب تغطية اعلامية ومحاسبة قانونية.. ‏

هروب مساجين من سجن شديد الحراسة على طريقة مسلسل ‏Prison break ‎‏ أو فيلم (الخلاص من ‏شاوشانك) ليس العنوان الحقيقي ولا التشبيه الملائم لقضية الابطال الستة . فهم ليسوا جنائيين ولا مؤبداتهم ‏عقابية وإنما أصحاب قضية وأي قضية صبر ومعاناة ونضال وإيمان أن فلسطين أغلى من الولد والأهل . ‏ومن حقهم الطبيعي الفعل الاستباقي واجتياز اسوار السجن الذي يشبه خط بارليف دون استئذان من ‏السجان. هذا ما يجب أن يعرفه الغرب.. ‏

تحية للأسرى جميعهم ممثلي المقاومة التي لا تهدأ أبدا ولا مزايدة فيها وتحية للأبطال الستة الذين أخذونا ‏معهم الى فضاء الحرية في رحلة العبور ولو لأيام قليلة.‏

Share this Article