هل يفقد البيت الأبيض قبضته على الشرق الأوسط؟

2013/08/13
Updated 2013/08/13 at 9:26 صباحًا

7878361223787809

خرج وزير الخارجية الأميركي جون كيري على نحو غريب عن الخط المتبع عادة، معلناً خلال زيارته باكستان مستوى مفاجئاً من الدعم للجيش المصري أمام الصحافيين في إسلام أباد، فقد تحدث كيري مع وكالة الأنباء الباكستانية “جيو نيوز” عن الجيش المصري، وقال خلال جولته هذه إلى جنوب آسيا: “لم يستولِ الجيش حتى اليوم على السلطة، على حد علمنا، ولم يحاول إدارة شؤون البلاد، فثمة حكومة مدنية”.
سعى مسؤولو إدارة أوباما إلى سحب هذا التصريح (أعلن مصدر غير محدد لصحيفة وول ستريت جورنال: “خرج كيري عن النص”)، إلا أن الأوان كان قد فات، فقد تناقلت وسائل الإعلام بسرعة كلماته هذه، التي تعرضت لانتقادات لاذعة على “تويتر”، وها هو فريق أوباما يناضل مجدداً لاستعادة توازنه في مصر، محاولاً ألا يدعو ما حدث انقلاباً، وآملاً في الوقت عينه ألا يريق الجيش المزيد من الدماء خلال إعادته فرض النظام في القاهرة والإسكندرية.
لنبدأ بالتفاصيل الواضحة: لا، لا يعيد الجيش المصري إرساء الديمقراطية في مصر، فلا يمكنك “أن تعيد إرساء” أمر لم يكن له وجود أصلاً، فضلاً عن أن الديمقراطية تحتاج إلى أكثر من بضع عمليات انتخابية. تتطلب الديمقراطية مجموعة من المؤسسات، واتفاقات ضمنية، وأعراف لا يتوافر معظمها في مصر.
لا نريد أن نقسو على وزير الخارجية كيري، فلم يكن التعاطي مع السياسة الخارجية مباشرة سهلاً يوماً، فضلاً عن أن العالم يتخبط راهناً وسط موجة من الفوضى العارمة، لكن تعليقاته تكشف عن مشكلة أعمق في مقاربة السياسة الخارجية التي تتبناها إدارة أوباما، مشكلة بدأنا نشعر أخيراً بوطأتها.
أقدمت إدارة أوباما على خيار استراتيجي أساسي لم يفلح، فقد قرر المسؤولون دعم جماعة “الإخوان المسلمين” على أمل تحسين العلاقات الأميركية في الشرق الأوسط والترويج للاعتدال بين الإسلاميين في أنحاء العالم المختلفة، ولكن بين تنامي استبداد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في تركيا وكارثة محمد مرسي المحتمة في مصر، تحولت هذه السياسة اليوم إلى مجرد أطلال. نتيجة لذلك، تعرضت الإدارة لصدمة، وها هي اليوم تعود متعثرة إلى رسم هذه السياسة، ويبدو أنها لا تملك الكثير من الأفكار عما عليها فعله تالياً.
ما يزيد الطين بلة تصرف إدارة أوباما بتهور، ما سلبها احترام الجميع، فقد تخلت بسرعة وقسوة عن حليفها القديم حسني مبارك ودعمت “الإخوان المسلمين”، لتعود وتتخلى عنهم عندما واجهوا عقبات كبرى في مصر. لا نلوم أحداً في مصر اليوم إن ظن أن الأميركيين أصدقاء زائفون ضماناتهم فارغة لأنهم سيتخلون عنك لحظة وقوعك في المشاكل. رغم ذلك، اتخذت الإدارة الأميركية قراراتها هذه كلها بحسن نية، ولكن من الصعب تصميم مسار سياسي يفوق يستطيع تقويض مكانة الولايات المتحدة ونفوذها.
قلما بدت إدارة تافهة وغير ذات أهمية بقدر إدارة أوباما حين حاولت خلال الأسبوع الماضي تبديل الحقائق والالتفاف عليها، فتأبى هذه الإدارة استعمال كلمة “انقلاب” لأنها لا ترغب في الإساءة إلى الجيش، إلا أنها تشتكي بصوت خافت من انتهاكات حقوق الإنسان على أمل أن تحافظ على شيء من مصداقيتها بين أنصار الرئيس المخلوع، لكن القوات المسلحة تعامل الولايات المتحدة بلا مبالاة، على ما يبدو؛ لذلك لن يكون لدعمنا أي تأثير، ولن ينفع انتقادنا وتأنيبنا.
إذن، يبدو أن مناورة الإدارة هذه لم تكسبنا الأصدقاء أو تؤثر حتى في الناس، ومن المؤكد أن هفوة كيري في باكستان لن يكون لها وحدها تأثير يُذكر، فوزراء الخارجية بشر في النهاية، ومن الصعب شرح أفكار معقدة خلال مقابلات تلفزيونية قصيرة، ولا شك أننا كلنا نخطئ أحياناً، ولكن بما أنها تشكل ذلا آخر في سلسلة طويلة من الأخطاء، كان لها انعكاس أكبر من المعتاد.
ذكرنا منذ البداية أن الربيع العربي سيطرح أمام الإدارة الأميركية بعض المعضلات الصعبة والخيارات المستحيلة، وكان جورج واشنطن أول رئيس أميركي أدرك حجم المشاكل التي تنجم عن ثورة طويلة ومعقدة في دولة حليفة، فقد قسمت الثورة الفرنسية حكومته، وسببت له الكثير من الاضطرابات السياسية والدبلوماسية الكبيرة، وسممت السياسات الأميركية إلى حد شعر معه وخشي أنه قد أخفق؛ لذلك على مَن ينتقدون الرئيس ألا ينسوا مطلقاً كم صعبة هذه التحديات. يبدو مَن يكثرون الكلام عبثاً واثقين من توافر بدائل بسيطة وسهلة قد تحل كل المشاكل، لكن هذا مستحيل في معظم الحالات، ولا شك أنه كذلك اليوم.
علاوة على ذلك، من المؤكد أن الرئيس و”فريقه” مستاؤون مما يرونه في الجانب الآخر من الأطلسي: يمرح إدوارد سنودين في موسكو، بينما يذل بوتين الإدارة (مرة أخرى) بامتناعه عن إخطارها مسبقاً بقراره. وما زال الأسد الأقوى في دمشق، حتى إنه يتوقع تحقيق النصر، كذلك لا يتوافر أي مخرج سهل من أفغانستان، في حين أن النفوذ الإيراني ينمو في العراق، والأهم من ذلك أن وعد الربيع العربي قد تبخر.
بالإضافة إلى ذلك، تُظهر عمليات الفرار من السجن الأخيرة في العراق، وليبيا، وباكستان، فضلاً عن إعلان يوم الخميس الماضي أن الولايات المتحدة ستُقفل مؤقتاً كل سفاراتها في الشرق الأوسط بسبب تهديد إرهابي غير محدد، أن تنظيم “القاعدة” وغيره من المنظمات الإرهابية المتشددة ما زالت فاعلة.
في هذه الأثناء، تبدو الولايات المتحدة بعيدة كل البعد عن أي شراكة مع الأحزاب والحركات الليبرالية المسلمة التي تعتبرها إدارة أوباما الوسيلة الفضلى لكبح لجام الإرهاب وبناء مستقبل أفضل، ولا شك أن نجاح محادثات السلام الإسرائيلية-الفلسطينية سيكون له انعكاس إيجابي كبير، بيد أن هذا يبقى للأسف احتمالاً مستبعداً.
من حسن حظ الإدارة أن الشعب الأميركي لا يولي الشرق الأوسط اهتماماً كبيراً، ورغم ذلك، تواصل شعبية الرئيس في مجال السياسة الخارجية تراجعها، ويبدو أن الجزء الأكبر من مؤسسة السياسة الخارجية يسير بحذر مبتعداً عن الإدارة بأقصى سرعة ممكنة.
يمكن للإخفاق في الشرق الأوسط أن يحبط سياسة الرئيس الخارجية في أنحاء العالم المختلفة، إذ أُسست “الاستدارة نحو آسيا” على تحويل انتباه الولايات المتحدة ومواردها بعيدا عن الشرق الأوسط، لكن هذا يبدو مستبعداً اليوم، وقد بدأ كثيرون في آسيا يتساءلون عمّا حل بهذه الاستدارة، في حين أن وزير الخارجية الأميركي وضع بكل وضوح عملية السلام على رأس أولوياته، كذلك من الصعب رؤية الالتزام بالقيم الإنسانية أو حقوق الإنسان في إدارة وقفت مكتوفة اليدين، وهي تراقب إراقة الدماء السورية ونظمت برامج مراقبة عالمية، أغضبت الكثير من مجموعات حقوق الإنسان، فضلاً عن بعض القوى الحليفة.
ما زال أمام الرئيس أوباما أكثر من ثلاث سنوات في البيت الأبيض، لكن صلاحية الكثير من السياسات التي حملها معه أو طورها في مطلع عهده انتهت، فمعظم هذه السياسات ما عاد فاعلاً للأسف، من التخلي عن العراق وزيادة عدد القوات في أفغانستان إلى تأجيج حرب الطائرات بدون طيار في باكستان والتحالف مع الإسلاميين والترويج لأجندة ديمقراطية في الشرق الأوسط.
يعتقد كثيرون في وزارة الخارجية الأميركية ومؤسسة السياسة الخارجية الأوسع أن المجموعة الصغيرة نسبياً من المساعدين الموثوق بهم الذين تعاون معهم الرئيس عن كثب يفتقرون إلى العمق والخبرة الضروريين لإدارة محفظة البلاد الدولية بمهارة. لن نتطرق إلى هذه المسألة، لأن هذه الانتقادات تخدم عادة مصالح شخصية، ولكن بغض النظر عمّا إذا اعتمد الرئيس على المساعدين أنفسهم أو طلب مساعدة مجموعة أخرى أكثر تنوعاً من المستشارين، فعليه أن يبدل مقاربته إلى الشرق الأوسط، وكما نتوقع، إلى روسيا.

الجريدة الكويتيةبقلم: والتر راسل

 

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً