أهالي “بوديس، العيزرية، السواحرة”ما بين مطرقة الاحتلال وسنديان الحاجة الطب يعانون من عدم توفر مستشفى قريبة ويناشدون المسئولين بإنشاء مستشفى لإنقاذ المرضى

2009/03/01
Updated 2009/03/01 at 9:54 صباحًا

أهالي “بوديس، العيزرية، السواحرة”ما بين مطرقة الاحتلال وسنديان الحاجة الطب يعانون من عدم توفر مستشفى قريبة ويناشدون المسئولين بإنشاء مستشفى لإنقاذ المرضى

 

تحقيق:معتصم عادل محسن

  ابوديس، العيزرية، السواحرة، ثلاث بلدات متجاورة تقع في المحيط الشرقي والشرقي الجنوبي لمدينة القدس التي هي المركز الرئيس الأول لتلك البلدات الثلاث حيث لا تبعد عنها أكثر من أربعة كيلو مترات ، فقد كانت مدينة القدس على مر السنين الملتجأ الأول والأخير لأهالي تلك البلدات ، الذين يبلغ عددهم قرابة 33680  نسمة حيث يعتمدون اعتماداً أساسيا على ما توفره تلك المدينة من كافة الاحتياجات التي يفتقروا إليها من احتياجات معيشية ومراكز صحية ومستشفيات ومؤسسات علمية وثقافية، عدا عن اعتمادهم بشكل أساسي في جني قوتهم وقوت أبنائهم على عملهم في تلك المدينة .

اليوم وبعد أن قامت قوات الاحتلال بعزل المدينة عزلاً تاماً من خلال بناء جدار الفصل العنصري بمحيط المدينة وإقامة المعابر والحواجز على مداخل تلك البلدات، الأمر الذي وضعها في أجواء من العزلة ما يمكن تشبيهه بسجن كبير، التنقل فيه محدود، فقد تم فصل مدينة القدس فصلاً كاملاً إذ لا يمكن الوصول إلى تلك المدينة إلا من خلال تصريح خاص محدود الوقت والمكان.

استطاعت الغالبية القليلة من أهالي تلك البلدات إيجاد بديل يتجهون اليه للبحث عن عمل يؤمنون منه العيش لهم ولعائلاتهم، فلجئوا إلى المدن الأخرى المجاورة والتي أقربها على مسافة 14 كيلومتر، كمدينة رام الله و بيت لحم و مدينة أريحا.

 وبالرغم من طول المسافة وما يعانونه من صعوبة في التنقل إضافة إلى ما يواجهونه من تنكيل ومضايقات جيش الاحتلال على الحواجز الإسرائيلية المحيطة بمداخل كل مدينة، إلا أنهم لم يجدوا ما يواسيهم سوى الصبر والتحمل بغية الوصول إلى ما يحتاجونه ليؤمنوا قوتهم اليومي .

ومع ازدياد الضغوطات والاغلاقات التي تفرضها قوات الاحتلال يوماً بعد يوم على المدن الفلسطينية تزداد المعاناة وتتفاقم الأزمات، ولكن في ابوديس والعيزرية والسواحرة، اتخذت المعاناة طابعاً لا يعي عليه الشخص الا اذا ما احتاج يوماً إلى العناية الطبية التي تفتقر إليها تلك البلدات الثلاث، فقد كان اعتماد الأهالي طبياً قبيل الإغلاق والحصار المفروض، على مستشفيات المدينة المقدسة مثل مستشفى المقاصد ومستشفى المطلع ومستشفى العيون وغيرها من المراكز والمستشفيات المنتشرة في مدينة القدس، فكانوا يلجأون إليها مباشرة عند الحاجة، إذ لم يكن الوصول إلى إي من تلك المستشفيات صعباً فالمسافة إلى اقرب مستشفى كانت لا تبعد أكثر من 2-3كيلومتر.

أما اليوم لتصل إلى أقرب مستشفى في منطقة خاضعة للسيطرة الفلسطينية، وجب على أهالي تلك البلدات الثلاث قطع مسافة لا تقل عن 14 كيلومتر، هذا إذا ما حالفهم الحظ ولم يوقفهم حاجز من الحواجز المنتشرة على مداخل المدن.

أما إذا ما احتاج أحد يوماً إلى العناية الطبية الطارئة والقريبة والتي لا تتوفر إلا في إحدى مستشفيات القدس بالنسبة لتلك البلدات الثلاث، فلا بد من إجراء تنسيق امني مسبق للسماح بالدخول عبر إحدى الحواجز الاسرائيلية، كما يجب القيام بمرحلة انتقالية ما بين سيارة إسعاف فلسطينية وأخرى إسرائيلية، وهيهات هيهات حتى تأتي الموافقة بالعبور و الوصول إلى أقرب مشفى لتلقي العلاج.

الحاجة “أم فايز”، وهي من بلدة ابوديس تقول وتشتكي ” أنا امرأة عجوز عمري 75 عاما أعاني من مشكلة في أرجلي من منطقة “الركبة” حيث أنني بحاجة إلى عملية زرع غضروف ولا أستطيع المشي إلا بمساعدة احد ما ارتكز عليه في خطواتي، تقدمت عدة مرات للحصول على تصريح لزيارة المشفى لإجراء اللازم لعلاجي، ولكن تم رفض طلبي بحجة أنني ممنوعة امنيا، وكلت محامي للنظر في تلك المشكلة فلا أعرف كيف تكون امرأة مسنة لا تستطيع المشي مثلي ممنوعة من الذهاب إلى المشفى ولماذا ؟ لأنني ممنوعة أمني ! .

أبو إيمان الذي يشرح معاناة زوجته أثناء ولادة طفلته إيمان، يقول يوم ولادة إيمان كان يوما يسجل في كتب التاريخ، حيث لم تكن قصة ولادة إيمان كغيرها من الأطفال والسبب في ذلك أنها لم تولد في المشفى ولا في البيت، بل ولدت على معبر إسرائيلي يعرف” باسم معبر الزيتون”، هذا المعبر الذي يفصل بلدة ابوديس والعيزرية عن القدس والذي اتخذه جيش الاحتلال المنفذ الوحيد إلى القدس، إذ لا يستطيع أيا كان المرور خلاله إلا بتصريح خاص، زوجتي والتي حانت لحظة ولادتها وكان ذلك يوم الاثنين الساعة السابعة مساء،  فانطلقت بها مسرعا إلى ذاك المعبر في طريقي إلى المستشفى، فقد اعتقدت أن جنود الاحتلال سيسمحون لزوجتي بالمرور إذا ما رأو حالتها، ولكن على العكس جاءت الأمور، فلم يأبه الجنود بحالة زوجتي وأمروها بالعودة حيث لم تكن تحمل تصريح مرور، بقيت أناقش الجنود وطلبت التحدث مع الضابط المسؤول، فلم يعيروني اهتماما، واتصلت بالمشفى عسى أن يستطيعوا مساعدتي ولكن وللأسف لم يكن الرد بالايجابي، احترت ماذا افعل فآلام زوجتي اشتدت عليها، فاتصلت بالإسعاف عسى أن أجد ما ينقذني من تلك المشكلة، وبعد فترة ليست بطويلة حضرت سيارة الإسعاف، فحاول الطاقم الموجود مساعدة زوجتي ولكن للأسف لم يكونوا ذو خبرة كافية، حاول أحد المسعفين التحدث مع الجنود على الحاجز عسى أن يستطيع إقناعهم بحاجة زوجتي إلى المستشفى، أخيرا حضر الضابط المسئول واخبر الرجل المسعف بان زوجتي بإمكانها المرور ولكن بعد التفتيش، فوافقت وأخبرت زوجتي وكانت تحاول إخفاء ألمها، فتم إدخالها إلى غرفة خاصة بالتفتيش وبرفقتها مجندتان، في تلك الغرفة حدث ما لم يكن متوقعا، اشتد الألم على زوجتي وبدا وكأن لحظة الولادة قد حانت، كنت خارج المعبر وأنا أشاهد تحركات غريبة خارج تلك الغرفة “غرفة التفتيش” وبعد لحظات جاء جندي وأبلغني أن زوجتي ستضع مولودها الآن، فزعت وقلت له أن يدخلني إليها ، وفعلا فعل ، دخلت إلى تلك الغرفة وإذا بمجندة يبدوا أنها كانت تحاول مساعدة زوجتي في الولادة، وفعلا والحمد لله تمت الولادة وكان المولود طفلة ، حضرت سيارة إسعاف تابعة لمستشفى المقاصد في القدس ، وتم إرسال زوجتي إلى هناك لمتابعة صحتها وصحة المولودة .

الحمد لله الطفلة وزوجتي الآن بخير، ولكن أريد أن أوجه رسالة مناشدة إلى المسؤولين بضرورة توفير مستشفى ولو بأقل الإمكانيات، مستشفى للحالات الطارئة، فنحن هنا نفتقر إلى وجود ما يسد مسد غرفة العمليات أو غرفة الطواريء، أرجو أن تُسمع مناشدتي وأخذها على محمل الجد “.

  ومن بين الحالات هناك حالة استذكرها تعكس أحدى أنواع وأشكال معاناة أهالي تلك البلدات الثلاث التي فيها من الاستغراب ما يضحك ويبكي، فصديقي نضال شقيرات من سكان السواحرة الشرقية اضطر يوما لنقل والده المسن إلى المشفى إثر إصابته بأزمة قلبية، ولكن بعد قصة وحكاية لم أصدقها حتى اليوم “أبو نضال البالغ من العمر 58 عاماً، بدأ يعاني من أثار الأزمة وبداياتها فقام الأهل بالاتصال بسيارة الإسعاف لنقله إلى المستشفى وأثناء محاولة المرور من حاجز”الزعيّم” أوقف الجنود سيارة الإسعاف، وامروا نضال وسائق السيارة بالنزول، وأرادوا تفتيش السيارة، فطلبوا إنزال المريض”أبو نضال” الذي بدأت أثار الإعياء وضيق النفس تظهر عليه بشدة، لم يكن من نضال إلا أن بدأ بالصراخ على الجنود آملا أن يقنعهم بان أبيه رجل مريض بحاجة طارئة إلى نقله إلى المشفى، وبعد تهديدات وصراخ من قبله وقبل الجنود على الحاجز استمر ما يقارب ربع الساعة طلب احد الجنود بطاقة هوية المريض فقام نضال بإعطائه إياها، وبعد فحصها وإذا  بالجندي يعود ويقول أن أبو نضال ممنوع امنيا لذلك لا يمكن الدخول إلى القدس، هذه الكلمات لم تكن سوى مفزع لنضال فلم يتمالك نفسه فلم يجد أمامه وسيلة إلا الصراخ ومحاولة إقناع الجنود بأن أبيه مريض وهو كبير في السن فكيف يكون ممنوع امنيا وهو بحاجة ماسة إلى العلاج فهو في حالة موت وها هو ممنوع امنيا لذلك هو ممنوع من العلاج إذ يجب عليه الموت، استمر إيقاف نضال وأبوه شبه الميت في سيارة الإسعاف على الحاجز لمدة الأربعين دقيقة، وهو يحاول إجراء اتصالات لعله يصل إلى أحد بإمكانه المساعدة في الحصول على موافقة أمنية للسماح لأبيه بالوصول إلى المستشفى، وبعد جهد جهيد وعن طريق أحد أصدقاء نضال تم الاتصال بالجهات المسؤولة والذين قاموا بدورهم بالاتصال بالجهات الإسرائيلية والطلب منهم السماح لنضال وأبيه بالمرور”.

بالرغم مما يعانيه أهالي تلك البلدات من الخناق المفروض عليهم إلا أن معاناتهم الطبية والتي اندمجت مع ذلك الخناق وعدم توفر ما يحل محل غرفة الطواريء جعلتهم يعيشون في كابوس الموت المفاجئ من المرض المفاحيء، الذي لا وقت له أو ميعاد في الليل كان أم في النهار، فكثيرة هي الحالات التي قضت وهي بانتظار السماح لها بالدخول إلى القدس للعلاج، وكثيرة هي الحالات التي كان بالإمكان الحيلولة دون تفاقمها لو أنها تلقت العلاج الفوري، وعديدة هي الحالات التي عانى أصحابها ويلات الانتظار على تلك الحواجز.

فالحاجة ماسة الى توفير مستشفى في تلك المناطق ولو كان بسيط الإمكانيات، يتم فيه تلقي العلاج والحد من تفاقم العديد من الحالات.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً