واشنطن يشهد اللوبي اليهودي-الإسرائيلي في الولايات المتحدة، لجنة الشؤون العامة الاميركية الاسرائيلية (اباك) حالة من الفوضى والتخبط في أعقاب تراجع العقوبات الأميركية على إيران. ويرى نشطاء ومسؤولون حاليون وسابقون في “إيباك” إلى جانب خبراء في الشؤون الأميركية-الإسرائيلية أن حالة التخبط تخيم الآن على التحضيرات الخاصة بالمؤتمر السنوي لمجموعة الضغط هذه المؤيدة بقوة لاسرائيل الذي سيعقد في الفترة من 2-4 آذار (مارس) المقبل اذ تحشد إيباك كافة أنصارها ومموليها في عرض للقوة داخل أروقة الكونغرس الأميركي في عملية ضغط سياسية لصالح إسرائيل.
ويشير هؤلاء إلى أن الأزمة التي تواجهها “إيباك” وهي تعد لمؤتمرها السنوي هي كيف يمكن لها أن تعد جدول أعمال تشريعيا بعد أن خسرت معركتها المعلنة مع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض الخاصة بالعقوبات على إيران، حيث جرى تأجيل مشروع قانون مجلس الشيوخ لفرض عقوبات جديدة على إيران بعد مقاومة شديدة من الرئيس أوباما، إلى جانب حالة عدم اليقين إزاء ما قد تسفر عنه التطورات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة العربية والجهود الخاصة بعملية تسوية الصراع العربي الإسرائيلي على جبهته الفلسطينية-الإسرائيلية. وقد شهدت أروقة مجلس الشيوخ توقف “إيباك” عن الضغط على الأعضاء الديمقراطيين لصالح مشروع قرار يدعو إلى فرض عقوبات إضافية على إيران.
وأكد مسؤول في “إيباك” أنه ينبغي على المنظمة أن تطرح مبادرة تشريعية أمام الحشد الذي سيشارك في مؤتمرها والذي تقدره بنحو 14 ألف من النشطاء.
وكان أوباما عرض بنجاح قضية رفض فرض عقوبات إضافية على إيران من زاوية أنها قد تؤدي إلى إفشال المحادثات الخاصة ببرنامج إيران النووي ووضع الولايات المتحدة على طريق حرب أخر تسعى إلى تجنبها. كما أثار أوباما تساؤلات حول فعالية أساليب منظمة “إيباك”، وحتى دورها كصوت قوي، من دون منازع، للوبي اليهودي-الإسرائيلي في واشنطن.
ويذكر أن “ايباك” لا تكشف عن المبادرات التشريعية التي تعتزم طرحها حتى عشية مؤتمرها السنوي. ويقول مقربون من دائرة صانعي القرار في “إيباك” ان من غير الواضح بعد حتى في الاجتماعات المغلقة ما هو النهج الذي تعتزم “إيباك” السير فيه في الكونغرس في ما يتعلق بالتشريعات الخاصة بدعم إسرائيل والتي تتعلق بشكل رئيسي منذ سنوات بموضوع البرنامج النووي الإيراني حيث يعمد أنصار ونشطاء “إيباك” إلى دفع أعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى تبني مشاريع قوانين ضد إيران وتقديم مساعدات مالية وعسكرية إضافية إلى إسرائيل لمواجهة ما يزعمون أنه تهديد من إيران وحزب الله. وقد سبق أن نجحت الجهود التي بذلها نشطاء “إيباك” في العام الماضي بدفع الكونغرس إلى إعادة المساعدات المالية-العسكرية الإضافية التي كانت قد قطعت لتمويل برامج منظومة القبة الحديدية وصواريخ أرو بسبب الاستقطاعات من ميزانية الدفاع الأميركية.
كما أن مجلس النواب الأميركي كان قد أجاز في تموز (يوليو) الماضي مشروع قانون يفرض عقوبات إضافية على إيران لكن مشروع القانون فشل في الحصول على موافقة مجلس الشيوخ بسبب معارضة البيت الأبيض القوية حيث لم تتمكن جماعة إسرائيل من الحصول على موافقة ثلثي الأصوات في مجلس الشيوخ لتجاوز معارضة البيت الأبيض. غير أن مسؤولي “إيباك” يقولون إن مشروع القانون قد يمر في حال فشل جهود أوباما للتفاوض على اتفاق نووي مع إيران، أو إذا نكثت إيران اتفاقها المؤقت مع مجموعة خمسة زائد واحد الذي عقد في جنيف يوم 24 نوفمبر الماضي.
وقد اضطرت إيباك الأسبوع الماضي إلى الرضوخ والقبول بتأجيل التصويت على مشروع القانون في مجلس الشيوخ. ويقول زعماء يهود إن جماعات إسرائيل اختلفت حول كيفية الدفع بقوة لتمرير مشروع القانون، حتى وإن كانت هذه المجموعات تحبذ فرض عقوبات إضافية على إيران. وأكد مصدر مقرب من “ايباك” وأربعة من كبار موظفي الكونغرس من كلا الحزبين أن المنظمة تدرس الآن قرارا غير ملزم يعالج بواعث قلقها بشأن المحادثات النووية الجارية الآن بين مجموعة خمسة زائد واحد وايران. وقال مساعد لعضو ديمقراطي بارز في مجلس الشيوخ في إشارة إلى موضوع إيران “لقد سمعت أن هناك نقاشا حول طرح مشروع قرار، ولكن حتى الآن لم ترشح معلومات حوله.”
إن حالة عدم اليقين بشأن ما هي الخطوة التالية المتعلقة بإيران هي أمر واضح في الكونغرس. ونقلت صحيفة “فورورد” الأميركية عن مصدر في الحزب الجمهوري قوله إن زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس النواب الأميركي اريك كانتور الذي يوصف بأنه من اللوبي اليهودي الإسرائيلي ونائب زعيم الأقلية الديمقراطية في المجلس ستيني هوير وافقا على نص قرار غير ملزم يوصي بإشراف الكونغرس على تنفيذ الاتفاق النووي المؤقت الحالي وكذلك ما يمكن أن يسفر عنه من نتائج مقبولة للتوصل إلى اتفاق نهائي. غير أن مسؤولا في مكتب هوير نفى على الفور ذلك.
وكان أعضاء بارزون في مجلس إدارة “ايباك” عقدوا اجتماعات يوم الثلاثاء الماضي مع أعضاء بارزين في الكونغرس لمناقشة الخطوات المستقبلية. وأحد العوامل التي تجعل من الصعب اتخاذ قرار بشأن الوسيلة المناسبة لتمرير مشروع قرار تدعمه ايباك ينص على الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية هو أن المحادثات الاسرائيلية الفلسطينية تجري طي الكتمان بناء على طلب من وزير الخارجية الاميركي جون كيري الذي من المتوقع أن يطرح قريبا إطار اتفاق على كل من السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية.
ومن المفترض حسب ما رشح من معلومات أن يعالج إطار الاتفاق بشكل أساسي تفاصيل الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية المزعومة. وقد سبق لمسؤولين في “ايباك” والجماعات اليهودية الأميركية الأخرى المؤيدة لإسرائيل الإعلان عن دعمها لجهود كيري.
وفي ما يتعلق بإيران سعت جماعة إسرائيل إلى تحييد البيت الأبيض بالزعم أنها لا تستهدف سياته الخارجية وقال ابراهام فوكسمان، مدير الرابطة الصهيونية لمكافحة تشويه السمعة، “نحن لسنا هناك لاستهداف الرئيس، نحن هناك لاستهداف إيران”.
وبسبب ضغوط البيت الأبيض عمد الراعي الرئيسي لمشروع القانون ضد إيران في مجلس الشيوخ، الرئيس الديمقراطي للجنة العلاقات الخارجية في المجلس روبرت منينديز و”ايباك” إلى النأي بأنفسهم عن دعوات التصويت الفوري على مشروع القانون. وقال منينديز يوم 6 شباط (فبراير) الماضي “آمل أننا لن نجد أنفسنا في عملية حزبية تحاول فرض التصويت على مسألة الأمن القومي قبل وقته المناسب.” وقالت مصادر مقربة من منينديز إنه كان يشير إلى الرسالة التي بعث بها صباح ذلك اليوم إلى زعيم الغالبية الديمقراطية في المجلس هاري ريد 42 عضوا جمهوريا في المجلس يدعون الى التصويت على مشروع القانون.
وقد دافع منينديز في خطابه عن ضرورة فرض عقوبات إضافية على إيران يعارضها البيت الأبيض الذي حذر من أن تمريرها قد يعرقل المحادثات مع إيران. وفي غضون نحو ساعة من الخطاب أصدرت إيباك بيانا تضمن دعما للتهج الذي يتبناه منينديز وجاء في البيان “اننا نتفق مع رئيس اللجنة أن وقف البرنامج النووي الإيراني يجب أن يستند على دعم من الحزبين وأنه لا ينبغي أن يكون هناك تصويت في هذا الوقت على هذا الاجراء “.
كما أن العضو الديمقراطي في مجلس الشيوخ المؤيد بشدة لإسرائيل، ريتشارد بلومنتال كان واحدا من 16 عضو ديمقراطي وقعوا على مشروع القانون، جنبا إلى جنب مع 43 من مجموع 45 جمهوري في مجلس الشيوخ، يرى أن على مجلس الشيوخ تأجيل التصويت لإعطاء أوباما فرصة للدبلوماسية
وفي اليوم التالي لخطاب منينديز، بعث رئيس ايباك مايكل كاسين رسالة إلى نشطاء اللوبي اليهودي-الإسرائيلي يشير فيها الى”سوء التشخيص” في الصحافة، التي قال إنها تعتقد أنه “من خلال عدم الدعوة الى تصويت فوري على مشروع القانون، فإن ذلك يعني أننا تخلينا عن دعمنا لمشروع القانون. وقال: “لا يمكن أن يكون هناك شيء آخر من الحقيقة، في الواقع، نحن لا نزال ملتزمين بقوة لإقرار قانون ايران الخالية من الأسلحة النووية”.
كما نقلت “فورورد” عن مسؤول في إيباك قوله “في حين أننا لا نعتقد أنه ينبغي أن يكون هناك تصويت فوري، فإننا نواصل دعمنا القوي لمشروع قانون العقوبات ” وأضاف أن “هناك حاجة لمزيد من الضغط على النظام الإيراني الذي سيبنى فيما نشهد استمرار السلوك غير المسؤول من طهران”.
وقد وجَه في وقت سابق من الشهر الجاري 70 عضوا ديمقراطيا في مجلس النواب رسالة إلى الرئيس أوباما لدعم جهوده الدبلوماسية ومعارضة فرض عقوبات جديدة على إيران، وضمت وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، صوتها إلى أصواتهم.
وقد عبر أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ عن إحباطهم من مواقف إيباك الأخيرة وتراجعها عن دعم التصويت الفوري على مشروع القانون ضد إيران وقال مساعد في الحزب الجمهوري في المجلس إنه لن يتم تسويته بقرار غير ملزم على الأقل في المجلس. واضاف “اذا كانت المنظمة تسعى لوضع إيمانها الكامل و الثقة في قرار غير ملزم ، فستكون خطوة غير مستحبة تؤدي إلى نتائج سيئة للغاية في نهاية المطاف “، وقال “إذا كنت تسعى إلى عدم عمل اي شيء أو إصدار قرار غير ملزم بدلا من القانون الفعلي، فإنك بذلك تكون إلى جانب منح الرئيس (أوباما) حرية كاملة لعقد صفقة مع الإيرانيين من دون أي موافقة أو عدم موافقة من الكونغرس”.
ويعزو عدد من الديمقراطيين معارضتهم لمشروع القانون إلى تنامي معارضة الرأي العام الأميركي لمشروع قانون يفرض عقوبات جديدة على إيران وأشار أحدهم إلى أن مؤتمر الاساقفة الكاثوليك في الولايات المتحدة قد أعلن معارضتهم له.
القدس دوت كوم