في مثل هذه الايام وقبل ثمانية واربعين عاما، وفي أسرع مجابهة فلسطينية للاحتلال الاسرائيلي عام 1967، انظلقت جبهة النضال الشعبي الفلسطيني بتاريخ 15-7-67، لتباشر كفاحا وطنيا مزدوجا ، تمثل في مواجهة مباشرة مع الاحتلال من جهة ، وتصدي حاسم لقوافل النزوح والتهجير الهادفة لتفريغ الضفة والقدس تحديدا من سكانها ، على غرار ما جرى عام 1948 .
و الى جانب التنظيمات الوطنية القائمة على الساحة الفلسطينية ، استطاعت جبهة النضال وخلال فترة قصيرة المساهمة في بث روح المقومة والنضال بكافة اشكاله في صفوف الشعب الفلسطيني ، على طريق تحويل هزيمة النظام الرسمي العربي الى اعلان بلوغ الفلسطينيين مرحلة حمل الراية ، في مواجهة المشروع الصهيوني للدفاع عن فلسطين والاراض العربية ، حيث جاءت بعد ذلك معركة الكرامة ، التي رسمت معالم مرحلة جديدة وتاريخ جديد يكتبه الفلسطينيون في صحراء العرب وجدبها السياسي.
ولم تغب جبهة النضال عن مواقع الاشتباك مع العدو التي خاضتها الثورة الفلسطينية دفاعا عن شعبنا وقضيته ، كواجب الزمت نفسها به لتحقيق اهداف شعبنا في التحرر والاستقلال وعودة اللاجئين ، حيث قدم اعضاءها امثلة للتضحية والبطولة والشهادة على ارض الوطن وفي الشتات ، كما قدموا نماذجا للصمود في مواجهة التنكيل والاعتقال، الى جانب الفصائل والمناضلين الاخرين في الساحة الوطنية .
وبالضرورة ان تحمل الجبهة في محطاتها التاريخية المختلفة ، ما حملته فصائل العمل الوطني من سلبيات وتدرنات علقت بمختلف الفصائل في رحلة الكفاح والشقاء وفي محيط العداء الاقليمي والدولي للثورة الفلسطينية والمحاولات العنيفة لكسرها ولوي مبادئها لثنيها عن اهدافها السامية.
الا ان كافة التدخلات العنيفة والحريرية ، السياسية والامنية التي مارسها المتربصون بالجبهة باءت بالفشل في تحقيق اهدافها ، لتستمر الجبهة بكل جراحها في النضال من اجل المشروع الوطني ، حيث دفعت أفدح ثمن عندما اعلنت موقفها الى جانب قيادة المنظمة والراحل ياسر عرفات بخوض معركة المواجهة السياسية لخوض ما يسمى بمعركة السلام.
وتحملت الجبهة مسؤولياتها في كافة مراحل التفاوض والاشتباك وصولا الى انشاء السلطة الفلسطينية ، وتحمل الاذى من الصديق والعدو في سعيها لتركيز القاعدة الوطنية للسلطة على طريق اقامة الدولة المستقلة ، الا ان صرخات المزايدين ، ذهبت جفاءا وهباءا ، كما ذهبت كافة المحاولات السابقة واللاحقة للاضرار بمسيرة الجبهة .
ولعله من دواعي الفخر لهذه الجبهة ودلالات عمق رؤيتها، ان الكثير ممكن زايدوا على موقفها السياسي خلال العقدين الاخيرين ، قد سقطت اقنعتهم عندما وصل بهم الاندماج في الثقافة المنفعية الى درجة التفاوض المباشر مع الاحتلال وبعيدا عن ممثل شعبنا السياسي والقانوني.
كما انه من دواع اعتزازها بمنهجها ومنذ عام 1993 انها اقرت مبادئ التعددية وحق الاختلاف ، ضمن البيت الواحد، وضمان حماية حق الاقلية في التعبير عن ذاتها ، وبما تثبته اية مراجعة لما كتبه ابناء هذه الجبهة في المظبوعات من نقد ذاتي عميق ، لو حدث في بعض التنظيمات لأدى لعنف عبثي .
ولذلك فانه يمكن قراءة ما نشرته بعض وسائل الاعلام مؤخرا حول (خلافات عاصفة؟) في جبهة النضال حول التعديل الحكومي الاخير، ومحاولة البعض بالاتجار به والترويج غير المبرر، بأنه لا يخرج عن سياق حملات سابقة استهدفت الجبهة ككل او بعض قياداتها ، استغلالا لظرف ما ، او خطأ لا يقارن مع خطايا هؤلاء الصيادين غير الموفقين في صيدهم .
ان الاختلاف ميزة ايجابية ورحمة ، والخلاف خطيئة عندما يتعلق الامر بالشأن الوطني ، والتنظيم الذي لا يحتمل الاختلاف والنقاش العاصف ، تمضغه الاحداث وتلفظه الساحة ، الا ان الشواهد والحقائق العنيدة التي تؤكد حضور جبهة النضال واستمرار هذا الحضور في محافل العمل السياسي والكفاحي البعيد عن المزايدة يبعث برسالة مؤلمة للبعض ، ان الجبهة باقية كتجسيد للنضال الشعبي ، ولن يغير من بوصلتها الوطنية ادعاء هناك أومدع هنا.
في ذكرى الانطلاقة 48….. جبهة النضال مستمرة…بقلم: كمال هماش
Leave a comment