“فورة الدّم”.. عنف جماعي يطال الأخضر و اليابس دونما حساب جدّي لمرتكبيه !

2015/07/22
Updated 2015/07/22 at 8:52 صباحًا

8c420151_339810C
رام الله- القدس دوت كوم -مهند العدم- أن يغلي الدّم في عروق أقارب قتيل ما في أحد الشجارات بدرجة يمارسون فيها عنفا جماعيا أعمى ضد قبيلة القاتل، ظل الأمر مسألة عالقة في الحياة العربية منذ القدم وحتى “ما بعد الحداثة”؛ غير أن العنف الثأري صار يطال، في كثير من الأحيان، ليس فقط الأبرياء من عائلة القاتل، بل وأيضا بعض من يبادرون للتدخل على سبيل “إصلاح ذات البين” وحتى عابري السبيل ومبان ومؤسسات عامة؛ وكل ذلك دون أن يتم إخضاع المتذرعين بـ”فورة الدم” لمحاسبات جدية، سواء من من قبل الحكومات أو “مؤسسات الهيمنة الاجتماعية” ( بالاستعارة من الايطالي “غرامشي” )، لا سيما “القضاء العشائري” الذي يمثل، في هذه المسألة بالذات، دور المؤسسة الأكثر نفوذا من بين الجميع …
في محافظات الضفة الفلسطينية حيث يمارس الاحتلال أشكالا متنوعة من العنف ضد المواطنين، شهد ت محافظات رام الله و نابلس و الخليل و بيت لحم خلال “رمضان الفضيل” – شهدت، كما قالت مصادر الشرطة، فقط 315 شجارا، خلّفت وراءها 6 قتلى و أكثر من 200 مصاب، فيما أوقفت الشرطة نحو 600 مواطنا من المشاركين فيها؛ وفي كثير من الاحيان كانت “فورة الدم” سيدة الموقف!
كما في كل الشجارات، تعاملت الشرطة مع الشجارات، وفي كثير منها تدخل القضاء العشائري لإطفاء “فوران الدماء” كما لإطفاء الكثير من الحرائق؛ غير أن أوساطا كثيرة في الجهات المختصة و في الحياة الاجتماعية باتت أكثر قلقا حيال السّلم الاهلي بسبب من مظاهر العنف الجماعي المرافقة للشجارات؛ حتى أن بعض الخبراء في علم الاجتماع، كالدكتورة فاتن أبو زعرو، يرجعون كثرة الشجارات الجماعية إلى تهشّم القيم الجماعية و الأخلاق والوازع الديني .
في المجال، قال الناطق باسم الشرطة الفلسطينية المقدم لؤي ارزيقات في حديث مع القدس دوت كوم”، ان معظم الشجارات اندلعت بسبب خلافات بسيطة، كشجار بين طفلين أو بسبب خلاف على حدود قطعة أرض، أو بسبب خلافات مالية كان يمكن حلها ببساطة، مشيرا إلى أن محافظة الخليل وحدها شهدت، خلال رمضان الكريم، 207 شجارات، فيما شهدت نابلس 153 شجارا، ورام الله 155 شجار.
المقدم ارزيقات الذي أكد أن الشرطة تجرم كل اعمال العنف، وتعتقل كل من يخل بالنظام و “يعبث” بممتلكات الآخرين تحت اي ذريعة، أشار في سياق حديثه إلى أن وجهاء العشائر ورجال الاصلاح يقومون بدور كبير في مساعدة الشرطة لحل الكثير من المشكلات؛ “إلا ان اجراءات الشرطة تبقى قائمة بعيدا عن اي حلول عشائرية”، لافتا أيضا إلى أن الشرطة بصدد إعداد دراسة للوقف على اسباب تزايد العنف ، كما أنها تحضّر لعقد لقاءات مع “وجوه العشائر”؛ بهدف حماية السلم الاهلي.
من جهته، قال رجل الاصلاح المعروف جبريل سراحنة في حديث مع القدس دوت كوم ، أن
”فورة الدم” من قبل أهل المقتول محرّمة في الإسلام و مجرمة في القانون ، بينما “يتفهمها” العرف العشائري ولا يدرج نتائجها ضمن “الحق العشائري”، وهو ما يتطلب من رجال الاصلاح – كما يؤكد – اعادة النظر في هذا “العرف الدارج” لما يخلفه من دمار يفوق كل التصوارات، لافتا في المجال إلى ضرورة تنظيف العرف العشائري من “العادات الجاهلية”؛ ما يتطلب تحديثه و تجريم أي أفعال بذريعة ما تسمى “فورة الدّم”، وذلك التزاما بمواثيق عديدة جرى إبرامها في مؤتمرات عقدت في جامعتي القدس و الخليل، بالاضافة الى صك وقع في ديوان عائلة النتشة بالخليل يلغي “فورة الدم”..
وحسب خبيرة علم الاجتماع فاتن أبو زعرور في حديث مع القدس د وت كوم ، فان العنف “ناجم عن استعداد ذاتي لإلحاق الأذى بالآخرين، سواء بفعل العيش في بيئة عنيفة تفتقد لغة الحوار و التسامح، أو بفعل العيش في أسرة عنيفة أو في ظروف ضاغطة، كالعيش تحت تأثير عوامل متوترة مثل الحاجة للدفاع عن النفس او تأمين لقمة العيش أو اتخاذ موقف جريء”، مرجعة تزايد الشجارات العائلية، الى اسبابا متصلة بالموروث الثقافي حيال مفاهيم تتعلق بـ”السّمعة” و”الصّيت” و “شرف العائلة”، وهي أسباب تساهم في دفع الكثيرين إلى المشاركة في أشكال مختلفة من العنف الجماعي.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً