خاص دنيا الوطن- علاء الهجين- يبحث المواطن العشريني شادي إرحيم عن شيءٍ يُناسبه للشتاء من الملابس المستخدمة داخل أحد محلات البالة بمدينة غزة، لعدم قدرته على شرائها من المحلات والمعارض التي تبيع الملابس الجديدة، لأنها غالية الثمن، إضافة إلى أنه يعاني من فقر مُدقع.
حالة إرحيم ليست فريدة من نوعها، إنما يوجد مئات الحالات من سكان قطاع غزة يعانون من جملة أزمات اقتصادية، أجبرتهم على التوجه لشراء الملابس المستخدمة رخيصة الثمن، لتقيهم من برد الشتاء.
يقول إرحيم: “أذهب إلى محلات الملابس بشارع عمر المختار، فأجد سعر البلوزة تجاوز50 شيقلاً وهذه الأسعار لا تتناسب مع وضعي الاقتصادي السيئ الذي أعيشه، أما بسوق البالة الأسعار مناسبة جداً، فأجد سعر البلوزة من 5 -10 شواقل، ونوعية القماش أفضل، لأنها صناعة أجنبية”.
ويتم إحضار ملابس البالة، من عدة دول أوروبية وذلك عبر شرائها مع تجار يتعاملون في البضائع المستعملة، ويقومون بعرض بضاعتهم للتجار الغزيين عبر صور يرسلونها عبر “الإنترنت”.
غير أن عقبات تواجه التجار، حيث إن الاحتلال الإسرائيلي غالباً ما يغلق المعابر المحاذية للقطاع، مما يجعل بضاعتهم محجوزة لعدة أيام على المعابر، والتي تحتاج إلى “ضريبة أرضية”، لتبقى مؤمنة لهم، يضطر التجار على إثرها إلى رفع الأسعار لتعويض الضريبة، وهو ما يتذمر منه المواطنون.
المواطنة الخمسينية ام العبد، كانت تتجول بنفس المركز، وتبين أن أعمار أولادها الأربعة متفاوتة، وهي تصطحبهم لتشتري لهم ملابس الشتاء.
وتوضح فتوح أنها أتت لمركز الملابس المستعملة لأنها ستشتري لكافة أبنائها بأسعار تناسبها، عكس ما ستنفقه بالمحلات الأخرى.
ويعد سوق فراس الأشهَر في غزة لبيع البضائع المستعملة، يزوره الغزيون من كافة مناطق القطاع لشراء ما يحتاجون.
أما المواطن العشريني سعدي طوطح فكان يتجول داخل أحد المحلات لبيع ملابس البالة بسوق فراس الشعبي، موضحاً أنه يأتي باستمرار ليشتري ملابس، وخاصة انه اقتنع بجودتها.
ويضيف: “في السابق كنت اشتري ملابسي من محال بشارع عمر المختار وسط مدينة غزة، وكانت البضائع تستورد من الصين، وقماشها أقل جودة من الأجنبي، وتتلف بعد فترة وجيزة من الزمن، وخاصة عند وضعها بالغسالة عدة مرات، وسعرها مرتفع جداً مقارنة بالملابس الموجودة بمحلات البالة، ومباشرةً أتيت إلى سوق البالة لأشتري الملابس”.
من جانبه، يقول التاجر خليل السنداوي، صاحب أحد محلات البالة بمدينة غزة: “نستورد الملابس من داخل الخط الأخضر وأوروبا وبلجيكا وإيطاليا وتركيا، وأسعارها في متناول جميع طبقات المجتمع الفلسطيني، إضافة إلى جودتها المميزة وعند غسيل قطعة القماش لا يتغير لونها ابداً”.
ويؤكد السنداوي أنه في موسم الشتاء يكون الإقبال شديداً من قبل المواطنين، وخاصة البسطاء منهم والفقراء، كونهم يجدون ضالتهم بها، وخاصة نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها أهالي قطاع غزة منذ حوالي عشر سنوات.
التاجر السنداوي يعيش حياته بين صرر البالة، الأمر الذي منحه القدرة على قراءة وجوه الزبائن والتفريق بين قدرتهم الشرائية ورغابتهم.
فيقول: “هناك ملابس تبدأ من 5 شواقل حتى 40، وجميعها في متناول المستهلك، وكثير من الزبائن يأتون إلى هنا بسبب الأسعار، وكثير أيضًا تجذبهم الماركات العالمية”.
أبو نادر بدوي صاحب أحد مراكز بيع الملابس المستعملة، يقول: “هذه الملابس أفضل من غيرها بكثير، فهي ماركات عالمية مثل: لاكوست بولو، ليي، توم كروكر رالف لوبين، اديداس، نايك، وكل ما تحتاجه هذه الملابس هو غسلها وكويها بعد فرزها فور وصولها، بعدها نعرضها على الزبائن الذين غالباً لا يشتكون منها بل يحضرون إلينا يبحثون عن موديلات جديدة”.
الخبير في الشأن الاقتصادي د. معين رجب، يوضح أن انتشار أسواق البالة والبضائع المستخدمة في قطاع غزة أمرٌ طبيعي، نظرًا للتفاوت الكبير في مستويات الدخل، وأن تلك الأسواق تكون متنفسًا لذوي الدخول المحدودة غير القادرين على شراء احتياجاتهم من الأسواق المحلية، نظرًا لارتفاع أسعارها مقارنةً مع جودتها.
ويؤكد د. رجب أن انتشار أسواق البالة يعكس حالة البؤس التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة، في ظل ارتفاع نسب الفقر والبطالة نتيجة للحصار المفروض عليهم منذ عشر سنوات، وفي ظل الارتفاع الكبير في الأسعار نتيجة ندرة البضائع المستوردة في القطاع قد تجد طائفة من المواطنين حتى من ذوي الدخول المتوسطة ضالتها في سوق الملابس القديمة بدلًا من الجديدة.