محاولة في النوم

2016/12/26
Updated 2016/12/26 at 11:24 صباحًا

349-4
ما يحول دون ذلك، أن الوضع الأفقي للطاولة غامض. والهواء ليس صحيحاً. بينما نبَتَت للظلّ أصداء. فما قصدك أيتها المحرّرة في نشْر بروفيل الميت على الصفحة الأولى؟ مع العِلْم، أن الدنيا كُحْل، والرأسمالية أشرس ـ هذا ديدنها ودينها المستقبلي ـ من طوفان نوح. وأذكى من قدرتنا على تدميرها بالنوايا.
ثم إن الظلْم كافٍ ولن يكتفي. والله وعد العاريات على شاطئ برشلونة بالنار. فهل من معنى كي نسأل ما هذه المنحوتة الحيّة قابَ قوسين؟ إن مفاهيم الجمال تخلّصت من ضخامة الشكل منذ آماد، مؤثرةً عليها تجلّيات الطفولة والأنوثة.
ولأنت يعجبك النحت الكتلاني عامةً وأصله الواقعي على الخصوص، لكن ليس إلى حد الافتتان. ما يحول دون ذلك: أن الوضع الرأسي للطاولة هو أيضاً شديد الإبهام. ثم إن القهوة بردت، وببغاء الجوار افترت، وسقطت طائرة في باكستان. فيما حرّر الحاكم المنتصر على شعبه قلعة حلب التاريخية، اليومَ.
فما الذي يمنع ألا ينام المرء وهو على بُعد آلاف الكيلومترات؟ أجل، وأن يشتري شريط المنوّم بـ 8 يورو و54 سنتاً من صيدلية ساريّا بوسط البلد؟ تلك التي لها شارة صليب مضيئة وخضراء (يا له من عطبٍ في الذوق، يطال مواطننا الغلبان، بعد ألفيّتيْن ونيّف).
وكانت الروشتة قرّرتها لك طبيبة شابة، بُعيد تحويلك عليها من قبل مرشدتك النفسية باتريسيا. باتريسيا ابنة الطبيب الشخصي للمغدور سلفادور أليندي. كم هو صغيرٌ العالمُ مثل غرفة. تكلمها مفتتحَ الجلسة الأولى عن تشيلي ونيرودا فتشير إلى لوحة من كلمات تتوسطها شقحة بطيخ وتقول: هذه له. تدقق أنت وترى اسم شاعرك أسفل اللوحة.
إلى ذلك، مات الحالِم كاسترو فشمتَ فيه جميع اليمين الإسباني بالأربع لغات في البلد. عمرُ اليمين ما عرف الحياء أو الأدب. ويقولون لك إن زمن الأيديولوجيات (يعنون اليسار، تحديداً) انتهى. ماذا تعني انتهى؟ هل انتهت من العالم أيديولوجيات اليمين حقاً؟
ومما لا يزيد الطين بلّة (فهو “سايح” على بعضه طبيعياً، ولا يصلح للنحت) أن مقاول عقارات سيتربّع على سُدّة العالم. وإنك لتأمل ـ دون تعضيد من الواقع ـ أن يُخرّبها بسرعة. فما من صعود حتى يرتطم السبعة مليارات ونصف المليار بشري بقاع القاع.
لكن العالم لا يتغيّر بالكلمات. هنا المصيبة. ولا المهاجرون يستطيعون اختراق القلعة المحصّنة.
إلى ذلك واحد زائد واحد يساوي واحداً وظلّه، إن لم تخنك الذاكرة. وست قارات ناقص يو. إس. إيه، تساوي الهامش، إن لم يخنّي الواقع (ليته يعملها). فأية حرارة في باطن القدمين؟ وأي جفاف في الكلى؟ وكيف لا يعلو السكّر فتتضبّب الرؤية وحتى الرؤيا؟ وهل بقي لك من رؤى غير مُجترّة بعد هذه الأهوال؟
ثم إن المشروع الوطني كالمشروع الشعري انقسَم وتشظى في تداخل الأجناس. فما قيمة المثقف النقدي يجيء بعد المثقف العضوي؟ وكيف يولد الأول من خضمّ الثاني، والأخير حاملُ مظلوميّات تاريخ وعابدُ حرْفٍ وأُصول؟
أليس من العبث أن تطفح الدم كي تكتب بشكل محترم أيضاً؟ حين تشعر الفراشة بقدميها تنزلقان في اللهب، يغدو جناحاها افتراضييْن. والأسد كالنعامة، يظلان كائنيْن فانيَيْن لكن دون وعي ـ وإنّ هذا لمن حظهما الحسَن.
والآن وأنت توشك على الختام، تسمع أصوات غناء ورقص جماعي تأتيك من كولسيرولا القريب. آه، لقد نسيت أن غداً الثامن من ديسمبر عطلة رسمية.
إنهم يحتفلون بما لا تعرف، ويستحسن لك ألا تحتفل بما تعرف وترعف. فلا كورس لغة ولا أطباء غداً، ما يعني أنّ بإمكانك مجاكرة حالكَ حتى آخرك أو آخره.
ثم ايش فيها لو تحتفل ـ أنت يا صدى الظلّ ـ بليلةٍ ويومٍ من أرق؟
أليس هذا جزاء من يأخذ العالم إلى السرير؟
باسم النبريص

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً