غزاة إسرائيل الأصليون

2013/07/20
Updated 2013/07/20 at 10:25 صباحًا

باراك: اسرائيل لا تخطط لحرب جديدة على غزة

يوم 24 حزيران (يونيو) الماضي، مرت في قراءتها الأولى في البرلمان الإسرائيلي “خطة براور لترتيب توطين البدو الفلسطينيين في النقب”. وإذا تم تنفيذها، فستؤسس هذه الخطة “أضخم تصرف مفرد للتشريد القسري للمواطنين العرب في إسرائيل منذ الخمسينيات”، بهدف طرد ما يقدر بأربعين ألف بدوي فلسطيني من أماكن إقامتهم الحالية.
الهدف النهائي للخطة هو تهويد النقب الإسرائيلية. ولفعل ذلك، يجب نقل سبعين ألف بدوي (من أصل 200.000) يعيشون راهناً في قرى مصنفة على أنها “غير معترف بها” من جانب الحكومة الإسرائيلية. وتحظر الحكومة أصلاً على البدو الفلسطيني خدمات الربط الكهربائي بالشبكة الكهربائية الإسرائيلية كما والأنظمة الخاصة بالمياه والصرف الصحي. وفي الأثناء، تنفذ ترتيبات الإنشاءات بخشونة بالغة. ففي العام 2011 وحده تم هدم حوالي ألف من منازل البدو وحظائر حيواناتهم -عادة ما تشير إليها الحكومة على إنها مجرد “هياكل”. ولا توجد هناك طرق معبدة، فضلاً عن أن السلطات الحكومية أزالت الشواخص من الطرقات الرئيسية. ولا تظهر القرى البدوية على الخرائط، لأن هذه المناطق، وفقاً للجغرافيا السياسية، تعد المناطق المأهولة بمواطنين من الدرجة الثانية في إسرائيل غير موجودة أصلاً.
تحاجج الحكومة الإسرائيلية منذ أعوام بالقول: لأن هؤلاء الناس يعيشون في قرى صغيرة منتشرة في منطقة ضخمة نسبياً، فإنها لا تستطيع تقديم الخدمات الأساسية لهم، ولذلك، فإن هدفها هو تركيزهم في عدد قليل من البلدات. وتبعاً لذلك، عين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في العام 2009 مسؤول سياسة التخطيط لديه، إيهود بروفر، لتحرير “الأرض اليهودية”. وكانت مهمة بروفر الرئيسية هي إعادة موضعة هؤلاء السبعين ألفاً من البدو الذين يرفضون التنازل عن حقوقهم في الملكية لصالح الدولة، ويستمرون في العيش في “قرى غير معترف بها“.
يظهر المنطق الذي يغلف الخطة أفضل ما يكون في تقريرين، هما: “الغزو الصامت”، و”هناك حل” نشرتهما منظمة استيطانية غير حكومية تدعى “ريغافيم” (صندوق حماية الأرض القومية) التي ما تزال تعمل بالتعاون مع عدة وكالات حكومية. وتصر هذه المنظمة على القول بأن سكان النقب من البدو “سرقوا” من الشعب اليهودي “أرض إسرائيل” كل الوقت بهدوء تام، ومن دون هدير المعارك وقعقعة الحرب في ميدان المعركة“.
ومضت المنظمة إلى القول بأن “خلاطات الإسمنت حلت محل الدبابات، والمحاريث حلت محل المدافع، والمدنيين الذين يبدون أبرياء محل الجنود في الزي الرسمي… فدان بعد فدان ومنزل في إثر منزل، يقومون بشراء وتقسيم وفلاحة الأراضي التي لا تعود إليهم بشكل غير قانوني، علناً في بعض الأحيان وفي أحيان أخرى عن طريق العنف، بمبالغ ضخمة من الأموال وبدعم من جانب منظمات معادية للصهيونية في إسرائيل وفي الخارج –إن إسرائيل تفقد قبضتها على أراضي الشعب اليهودي“.
وبالإضافة إلى ذلك، تصر ريغافيم على القول بأن إسرائيل حتى الآن “عرضت على البدو مبدأ الجزر -دون استخدام العصا أبداً”، مدعية بأنه من خلال “نشاطاتهم الإجرامية” يستعمر هؤلاء البدو الأرض، وهكذا يهددون “بوضع نهاية للمستقبل اليهودي في المنطقة الجنوبية“.
ومستشهدة بإعلان رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون الشهير بأن “النقب هو اختبار الأمة في إسرائيل”، تعرض ريغافيم حلاً من أربع مراحل لمواجهة هذا التهديد، والذي يشتمل على: لجم “الانشاءات البدوية غير المشروعة”، وتهيئة السكان للإزاحة، وإجلاء كل “السكان غير الشرعيين”، وتحويلهم إلى مستوطنات قانونية. وأخيراً يجب على الحكومة الاستعداد لليوم الآخر وعدم السماح “لهذه الأمور بالعودة إلى حالتهم الأصلية”. وتجدر الإشارة إلى أن “الحالة الأصلية” تشير إلى الحالة الموجودة، والتي تشخص، وفق وجهة نظر ريغافيم، بأنها غزو الفضاء اليهودي من جانب “السكان غير الشرعيين” الفلسطينيين. ووفق هذه الرواية، فإن الفضاء يهودي حصرياً، ولذلك يكون أي تواجد غير يهودي شكلاً من التلوث –والخطر الذي يتهدد اختبار بن غوريون.
إن تحويل السكان الأصليين إلى غزاة أو “مستوطنين فلسطينيين”- باستعارة العبارة التي استخدمها مؤخراً نائب وزير الدفاع داني دانون (الليكود)، يعد مفتاحا ليس لفهم خطة براور وحسب، وإنما أيضاً لفهم جوهر منطق دولة إسرائيل. وفي السياق الذي يتم فيه تحييد الفلسطينيين منهجياً ومحوهم من التاريخ والجغرافيا، فإن دستور المواطن الفلسطيني كمواطن غير شرعي أو غازٍ أجنبي يخدم كشرط لاحتمال تهويد الأرض. وتستمد روح الجماعة التي يجري من خلالها القيام بكل هذا جذورها من التزام إسرائيل الإثنوقراطي بنزع ملكية غير اليهود، والتي ترقى –على نحو ينطوي على مفارقة- إلى مرتبة فعل الدفاع عن الذات، وتحقيق العدالة في نهاية المطاف.
نيف غوردون ونيكولا بيروغيني — (كاونتربنتش)
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

*نيف غوردون: عضو معهد الدراسات المتقدمة ومؤلف “احتلال إسرائيل”. نيكولا بيروغيني: عضو معهد الدراسات المتقدمة، برينستون، يدرّس الإنسانيات في كلية القدس-بارد في القدس.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً