الطريق من جنيف

2013/12/23
Updated 2013/12/23 at 11:23 صباحًا

218795


أحد أكبر مخاوف إسرائيل من اتفاقية جنيف التاريخية مع إيران -ولو أنها مخطئة- هو أن هذه الاتفاقية قصيرة الأجل ستتماسك عندما تصبح اتفاقية طويلة الأمد، وستسمح لإيران بالحفاظ على بنيتها التحتية النووية بدون أن تمس إلى الأبد. يجب على إسرائيل أن تعرف ما يلي: كما أكد الموضوع الفلسطيني في الأعوام الخمسة والعشرين الماضية، فإن من الصعب أن تتحول بعض الصفقات المؤقتة إلى اتفاقيات شاملة. وفي الحقيقة، فإن عبارة “الوضع النهائي” ستعود بصدى غير مريح على أولئك الذين ألفوا الخلافات المستعصية في مواضيع مثل وضع القدس والمقايضات في الأراضي.
صيغت الاتفاقية الأخيرة من أجل لجم برنامج إيران النووي بعبارات حذرة، من أجل إعاقة التوصل إلى مثل هذه المحصلة. وهي ستدوم لستة أشهر فحسب، وستلزم كلا الطرفين “باختتام التفاوض والبدء بتنفيذ” صفقة نهائية خلال عام واحد. لكنها ليست التفاصيل الخاصة بنهاية اللعبة هي التي تتصف بأنها غير محددة وحسب، وإنما اللمسات الأخيرة للوضع النهائي أيضاً.
من إحدى النواحي، أصبحت نهاية اللعبة أوضح مما كانت في السابق -لكنها ما تزال مبهمة. ومن أجل فهم ذلك، يجب علينا تقسيم الاتفاقية إلى ثلاث مراحل.
أولاً، تأتي فترة الأشهر الستة للصفقة المؤقتة. وهي فترة “قابلة للتجديد بموافقة الطرفين” مع أن ذلك سيعجل، كما سأبين تالياً، بدفعة جديدة لعقوبات جديدة بكل تأكيد.
ثانياً، تأتي “الاتفاقية الشاملة” التي تحصل إيران خلالها على “برنامج للتخصيب معرف بشكل متبادل بالحدود العملية والإجراءات الشفافية” ويتم رفع كل العقوبات. ويدوم هذا “لفترة يتم الاتفاق عليها”، لكن جوفي جوزيف، المشارك في المباحثات مع إيران الذي كان حتى وقت قريب أعلى مسؤول متخصص في الشأن الإيراني في مجلس الأمن القومي الأميركي، قال إن القوى الغربية قد تدفع نحو شيء ما “حول ترتيب الأعوام العشرين أو حتى الثلاثين التالية”. وتسمي الاتفاقية ذلك “الخطوة النهائية”، لكنها في الحقيقة أكثر شبهاً بتعهد.
أخيراً وبعد هذه الفترة المحددة -والتي يفترض أنها قد تتطلب أن تظهر إيران نظيفة فيما يتعلق ببرنامج أسلحتها المزعوم لما قبل العام 2003، وتظهر أنها لا تتوافر على استمرارية لهذا العمل- “وسيعامل البرنامج النووي الإيراني بالطريقة الخاصة نفسها بأي برنامج أسلحة غير نووية لدى دولة طرف في معاهدة عدم الانتشار النووي”. ويشي هذا بأن “الحدود العملية” للاتفاقية الشاملة ستختفي. وستكون إيران حرة طليقة.
التفاوض على ثانية هذه المراحل؛ “الاتفاقية الشاملة”، هو الجزء الصعب. فقد تم منح إيران حقاً مشروطاً بالتخصيب مهما تصر الولايات المتحدة على القول بغير ذلك، وأن تدوير إيران “غير قابل للتصرف فيه”. وسوف تحصل على التخصيب في إطار الحدود المتفق عليها بشكل متبادل، متلازمة مع الاحتياجات العملية، إلى جانب حدود متفق عليها على مدى ومستوى نشاطات التخصيب وصلاحيته حيث يتم تنفيذه، ومخزونات اليورانيوم المخصب لفترة يتم الاتفاق عليها. وهذه تسوية إبداعية تسمح لكلا الجانبين بادعاء تحقيق الانتصار، لكن هذه “الحدود” ستكون موضع نقاش ساخن.
خذ مفهوم “الاحتياجات العملية”، على سبيل المثال. فقد ادعت إيران في الماضي بأنها ستبني ما بين 10 و20 محطة طاقة نووية. وفي الحقيقة، وفيما كانت اتفاقية جنيف تشهد وضع اللمسات الأخيرة عليها، أعلنت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أنها تدرس حالياً إنشاء المحطتين الثانية والثالثة (بعد محطة بوشهر التي بناها الروس). ومن غير المرجح أن تقبل القوى الغربية ببقاء القدرة على التخصيب ولا بمخزون اليورانيوم المخصب المناسب لهذا البرنامج -وهي الأمور التي ستعني تمديداً للتخصيب الإيراني الراهن. وبدلاً من ذلك، سيطلب من إيران استيراد وقودها كما تفعل مع مفاعل بوشهر.
ما هو قدر التخصيب الذي سيعتبر كثيراً جداً؟ لدى إيران حالياً أكثر من 15.000 جهاز طرد مركزي عاملة، وأكثر من 10.000 كغم من اليورانيوم المخصب بدرجة أقل من 5 % والذي تستطيع معه إنتاج -وقود كاف لقنبلة واحدة- في غضون شهرين. وتريد القوى الغربية تمديد ذلك الوقت لعام على أقل تقدير. وكما شرح سكوت كيمب برسم توضيحي، فإن ذلك يعني أن كلا من أعداد أجهزة الطرد المركزي ومخزون اليورانيوم يجب أن يهبطا إلى جزء من مستوياتهما الحالية. وثمة خيار أول هو 2000 جهاز طرد مركزي و800 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب، وهو ما يشكل إجمالاً ما كانت تملكه إيران قبل العام 2008- بل وحتى عدداً أقل من أجهزة الطرد المركزي إذا كان أي منها ليكون أكثر كفاءة من أشكال الجيل الثاني.
بالنسبة لأولئك الذين يريدون للتخصيب الإيراني أن يتوقف عن بكرة أبيه -بمن فيهم إسرائيل والعديد في أعضاء الكونغرس الأميركي- فإن ذلك سيكون برنامجاً كبيراً بشكل غير مقبول، مثلما هو غير مقبول باعتباره صغيراً جداً بالنسبة للمتشددين الإيرانيين. ولطالما شدد المسؤولون الإيرانيون على أن أولويتهم هي مبدأ التخصيب، وليس المستوى أو الكمية. وستعمل الفكرة التأكيدية المتبناة منذ وقت طويل على الحد من خياراتهم الخطابية والتفاوضية خلال الأشهر الستة التالية. لكن سيكولوجية تفادي الخسارة تجعل من الأصعب بمكان قبول حالات الخفض الضخمة. وبالنسبة للإيرانيين، فإن النقطة المرجعية للبرنامج النووي هي 2013. وبالنسبة للأعضاء الخمسة دائمي العضوية في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا، فستكون 2002. وستكون المساومة على هذه الفجوة هي المسألة الأكثر استنفادا للوقت في دبلوماسية الأشهر الستة التالية.
متى ما تم انقضاء أمد الاتفاقية الشاملة -سواء أطالت لأعوام أو عقود- فسيكون ثمة المزيد من المماحكات. وتقول الاتفاقية إن “إيران ستعامل بالطريقة نفسها التي تعامل فيها أي دولة تتوافر على سلاح غير نووي وطرف في معاهدة عدم الانتشار النووي”. ومن المؤكد أن إيران ستحاجج بأن هذا يعني إزالة كل الحدود، بينما ستشير القوى الغربية إلى أن العديد من الأعضاء في معاهدة عدم الانتشار النووي ستقبل طواعية بالقيود المفروضة على برامجها، وأنه يتوجب على إيران بالتالي أن تحذو حذوها.
بالإضافة إلى مفاعل التخصيب “فوردو” المدفون عميقاً تحت الأرض، فإن وضع مفاعل إيران للماء الثقيل في “أراك” سينطوي على مشاكل بشكل خاص: ستدعي إيران بأن قرارها التخلي عن إعادة المعالجة (ضروري لفصل البلوتونيوم عن الوقود المستنفد) هو ضمان كاف. وبالإضافة إلى ذلك، وكما لاحظ جوزيف، فقد “تحتج إيران بأن عمليتها المستمرة خلال المرحلة المؤقتة تؤسس سابقة لقبول دائم“.
لكن الغرب سيريد من إيران تفكيك الشيء كله، أو -شيء ما مشار إليه في اتفاقية جنيف- وتحويله إلى مفاعل ماء خفيف أكثر مقاومة للانتشار (وهو شيء يعني بفعالية تفكيكه وبناء مرفق جديد). لكن وعندما تعلن وكالة الطاقة النووية الدولية بثقة أنه لا توجد أي نشاطات نووية تحدث في إيران، فقد يثبت فرض هذه الحدود استحالته. وحتى لو حولت إيران أراك إلى مفاعل ماء خفيف، فإنها تظل تتوافر، نظرياً، على الحق في بناء مفاعل ماء ثقيل عندما تنقضي مدة هذه الحدود. ولن يروق هذا كثيراً لبعض أعضاء مجموعة (5+1) مثل فرنسا التي أثارت عاصفة حول موضوع “أراك” في الجولة الأولى من مباحثات جنيف في وقت مبكر من تشرين الثاني (نوفمبر). وقد ترى بعض البلدان المنخرطة في المفاوضات مثل روسيا حتى فرصاً تجارية كبيرة في إعطاء إيران المزيد من حرية العمل والاختيار، وهو ما ينطوي على إمكانية تمزيق المجموعة أكثر.
أخيراً، إذا استطاع الجانبان التوصل إلى أرضية للوضع النهائي، فإن كل جانب سيواجه عوائق سياسية محلية أمام الصفقة. ثمة عدم اتفاق في داخل البرلمان في إيران، المجلس، فيما يخص صلاحياته المتعلقة بإبرام صفقة دائمة. وقد طرح الناطق بلسان الهيئة الرئاسية للمجلس أن ما يؤكده المرشد الأعلى علي خامنئي لا يحتاج إلى تأكيد من جانب البرلمان، لكن آخرين احتجوا على هذا الحكم، وأشاروا إلى أن المادة 77 من دستور إيران (تغطي المعاهدات الدولية والبروتوكولات والعقود والاتفاقيات) تحتاج إلى موافقة برلمانية عليها.
على أقل تقدير، يترتب على المجلس إبرام البروتوكول الإضافي لإيران، الاتفاقية بين إيران والوكالة الدولية للطاقة النووية التي تسمح بالتفتيش المفاجئ، والتي كانت حكومة الرئيس محمد خاتمي قد وقعتها في العام 2003 لكنها تخلت عنها لاحقاً. وبالإضافة إلى ذلك، تحدد الاتفاقية المؤقتة أن العقوبات “ذات الصلة النووية” فقط سترفع في الاتفاقية الشاملة. ورغم أنها تشكل الكلفة الاقتصادية الأكبر على إيران، فإن العديد من المشرعين الإيرانيين قد لا يكونون مدركين لحقيقة أن عدداً من العقوبات غير النووية، والتي تتعلق بالإرهاب والحقوق الإنسانية، ستظل قيد العمل ونافذة المفعول.
وفي الجانب الآخر، أعرب الكونغرس الأميركي عن تحفظ كلا الحزبين (الرئيسين) على الاتفاقية المؤقتة، ويبدو أن العديد من المشرعين يفكرون، خطأ، بأنها تستطيع أو ستقود إلى تفكيك البرنامج النووي الإيراني. وعلى ضوء أن الاتفاقية هي أهم إنجاز في السياسة الخارجية لإدارة أوباما حتى تاريخه، وأن العقوبات الجديدة ستخرق صراحة شروطها، فإن الرئيس أوباما سيستخدم حقه في الاعتراض “الفيتو” ضد فرض أي قائمة عقوبات يمررها الكونغرس.
من أجل رفض “فيتو” رئاسي على موضوع سياسة خارجية، يتطلب الأمر الحصول على فيتو من ثلثي أعضاء مجلسي النواب والشيوخ. ومع ذلك، لم يحدث هذا منذ رفض الكونغرس للعقوبات التي كان الرئيس رونالد ريغان قد فرضها في العام 1986 على النظام العنصري في جنوب أفريقيا. واليوم، يحتاج أوباما إلى بقاء 24 شيخاً وحسب موالين له. لكنه في حال نصت قائمة عقوبات على عقوبات إضافية تنطلق بعد انقضاء الأشهر الستة -كما كان روبرت منينديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي قد اقترح- فعندها قد يقابل الفيتو بمقاومة حزبية أكبر. وكما يلاحظ مايكل كريبون، فإن الدرس من السيطرة على أسلحة الحرب الباردة هو أن اتفاقيات المتابعة يجب التفاوض عليها بالسرعة الممكنة.
الأكثر أهمية أنه على ضوء أن العقوبات الراهنة لا تتضمن مجرد 16 أمراً تنفيذياً وحسب، وإنما أيضاً تسعة قوانين من الكونغرس، فإن اتفاقية شاملة ستتطلب أن يمرر الكونغرس تشريعاً جديداً. وسيتطلب ذلك بالتالي موافقته على أي تسوية تتوصل إليها إيران ومجموعة (5+1) على القضايا العالقة الأخرى. وفي الأثناء، سيتحتج الكثير من المشرعين بحقيقة أن مواضيع مثل برنامج الصواريخ الإيرانية قد مرت بدون معالجتها، وسيسعون إلى فرض ظروف غير واقعية على مجموعة (5+1) والتي تذهب إلى ما وراء شروط خريطة الطريق التي تم الاتفاق عليها يوم 24 تشرين الثاني (نوفمبر).
لقد أبعدت الاتفاقية المؤقتة إيران أكثر عن حيازة السلاح النووي، وبينت أن الولايات المتحدة وإيران قادرتان على عقد مباحثات مستدامة وفعالة عالية المستوى، وفككت واحدة من أكبر العقد في الصراع -حق إيران الذي تطالب به في التخصيب- وأسست لخط زمني لحل الصراع ككل. إنه حل دبلوماسي رائق. لكن كل التفاصيل تقريباً ستتم تعبئتها لاحقاً. وحتى بعدها، تظل العوائق السياسية أمام الصفقة النهائية مرجحة.
شاشانك جوشي* – (فورين بوليسي)ترجمة: عبد الرحمن الحسيني- الغد الاردنية
*
زميل بحث من معهد الخدمات المتحدة الملكي في لندن، ومرشح لنيل درجة الدكتوراه في كلية الحوكمة في جامعة هارفارد.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً