الصراع بين أعظم إمبراطوريتين في العالم…بقلم:روجر اوين

2014/03/13
Updated 2014/03/13 at 12:03 مساءً

فهرس3

تجمع أمور مشتركة كثيرة أعظم ثلاث إمبراطوريات في العالم، وهي الإمبراطورية الأميركية والروسية والصينية، ومنها المشاكل التي تظهر على الحدود غير المستقرّة في ظلّ ازدياد المطالبات التحررية التي تطلقها الشعوب المضطربة بتحقيق استقلال أكبر. وفي ظلّ ظروف عدّة، قامت هذه الإمبراطوريات بإرسال قوّاتها العسكرية لاجتياح مناطق كهذه أو احتلالها في بعض الأحيان، لأسباب مختلفة. وعلى هذا النحو، احتلّ الأميركيون شمال المكسيك مرّات عدة لوقف عمليات التوغّل المسلّحة، في حين أنّه دائماً ما كان الصينيون يخوضون معارك معيّنة مع الشعوب المسلمة على طول الحدود الغربية للصين.

والجدير ذكره أنّ الاحتلال الروسي الحالي لشبة جزيرة القرم، والذي قد يطاول جزءاً من أوكرانيا أيضاً، يندرج في الفئة نفسها. لا بدّ من التطرّق أوّلاً إلى انسحاب الإمبراطورية السوفياتية القديمة، إذ يجد القائد الحالي نفسه عاجزاً عن تحمّل حقيقة أنّ الأراضي التي كانت خاضعة لتلك الإمبراطورية قد تنضمّ إلى الاتحاد الأوروبي، وقد تصبح مثالاً تحتذيه الشعوب التي تعيش على جانبي الحدود. إذاً، يتمّ التشديد على الانتماء الروسي بحيث أنّه دلالة على ضمّ شبه جزيرة القرم إلى الإمبراطورية، فضلاً عن أنّه فرصة لتوسيع نطاق الحماية التي يتمّ تأمينها للسكان الذين يدّعي الرئيس بوتين أنّهم يتعرّضون للتهديد بسبب دعمهم لموسكو. ومن جهتهم، يجد الصينيون أنّ هذه الاستراتيجية منطقية جدّاً، فيما يعتبر الأميركيون أنّها تستحقّ الاستهجان الأخلاقي. إذاً كيف يمكن تفسير ذلك؟

منذ فترة طويلة، قدّم الديبلوماسي الأميركي الخبير في شؤون السياسة الخارجية، جورج كينان، مساهمةً مهمّة في هذا المجال، بعد أن كتب في العام 1967 مقالة بعنوان: «أسباب تبرّر السلوك السوفياتي»، وهي تعالج سياسة الاحتواء المتعلّقة بنزعة روسيا التوسعية التي يعتبر كينان أنّها كانت الدافع الرئيسي وراء اعتماد روسيا سياستها الخارجية الحالية قبل وقت طويل من اندلاع الثورة البلشفية في العام 1917. ووفق قوله: «لا يمكن أن تجلب هذه الثورة استحسان أحد، ولا يمكن أن تُمحى من الذاكرة». ومن هذا المنطلق، دعا كينان إلى «اللجوء إلى القوة المضادة ببراعة وحذر، ضمن سلسلة من التحولات المستمرّة في النقاط الجغرافية والسياسية». ولا شكّ في أنّ هذه السياسة لا تزال تفرض ردّاً من الرئيس أوباما في الوقت الراهن، سواء من حيث قطع العلاقات مع موسكو، أو فرض عقوبات عليها، أو توفير المساعدات المالية المباشرة إلى الشعب الأوكراني.

أمّا المساهمة الرئيسية الأخرى التي قدّمها كينان، فقد اشتملت على التشديد على أهمية تطبيق سياسة خارجية واقعية، تقوم على تجنّب المواقف الأخلاقية مع تسليط الضوء على الحاجة إلى تعزيز بعض المصالح الأميركية على المدى البعيد. إلاّ أنّه كان يدرك جيّداً صعوبة هذه المهمّة، فوفق رأيه، تتميّز أميركا من بين جميع الدول في العالم، بضيق الفجوة بين سياستها الداخلية والخارجية، في حين يصرّ المواطنون فيها على تطبيق السياسة الخارجية وفق المفاهيم التي تقوم عليها العدالة والمساواة والإنصاف، والتي كان من المفترض أن تشكّل مرجعاً للسياسة الداخلية، وذلك بهدف ضمان انتصار الخير على الشرّ دائماً.

لقد تمكّنت شخصيّاً من الاستماع إلى كينان فيما كان يطرح أفكاره في جامعة أكسفورد منذ فترة طويلة، إشارةً إلى أنّه شدّد حينها على فترة رئاسة وودرو ويلسون خلال الحرب العالمية الأولى، والذي بلور أفكاره بشأن التسوية التي ينبغي التوصّل إليها بعد الحرب على أساس مبدأ تقرير المصير الوطني، علماً بأنّه انطوى على تداعيات كبيرة على حدود أوروبا الشرقية، وأدّى إلى استحداث دول جديدة لم يكن لها أي وجود من قبل. واللافت أنّ هذه الدول تضمّ الأقليات المضطربة، على غرار الألمان في تشيكوسلوفاكيا التي يغلب فيها المواطنون التشيكيون، الذين شكّلت مطالبهم بالتوحّد مجدداً مع ألمانيا، بعد أن رفض هتلر تحقيق ذلك، أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع الحرب العالمية الثانية.

وكما أشار الكثير من المعلّقين، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعيد ارتكاب الأخطاء نفسها في شبه جزيرة القرم، بحيث إنّه برّر قراره الذي يقضي بالتدخّل العسكري بالشكاوى التي يطلقها السكان الناطقون بالروسية من التمييز الذين يعيشونه. إلاّ أن هذا لا يعني أن بوتين يشبه هتلر في معظم النواحي الأخرى، بل إنّه يعتمد تكتيكاً مؤذياً من المؤكد أنّه سيتسبّب بمتاعب على مدى السنوات العديدة القادمة، إذ إن الحروب وعمليات الغزو والإبعاد القسري للسكان واستقبال سكان جدد من الخارج، تشكل أسباباً لازدياد شعور الشعب بالاستياء.

ولا شكّ في أنّه عندما يتمّ استخلاص الدروس الصحيحة، يمكن أن تشكّل المناطق الحدودية على أطراف الإمبراطوريات العظيمة مكاناً للتبادل المفيد والتفاعل، والاختلاف، والتعلّم المثمر، كما كانت الحال في الماضي. غير أنّه لا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا كان على رأس السلطة رئيس لا يلجأ إلى العنف كوسيلة للحكم، كما يفعل الرئيس بوتين وأمثاله.

 

الحياة اللندنية

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً