الوطنية في عصر العولمة…بقلم: بيل إيموت

2015/12/28
Updated 2015/12/28 at 10:45 صباحًا

media.317535

لندن- ترى مارين لوبان؛ زعيمة الجبهة الوطنية اليمنية المتطرفة في فرنسا، أن خط المواجهة الجديد في السياسة، هو بين أنصار العولمة والوطنيين. وتلك حجة مماثلة للحجة التي ساقها المتشككون الأوروبيون في المملكة المتحدة والمرشح الرئاسي الجمهوري الأميركي دونالد ترامب في الولايات المتحدة. وإنها لحجة مضللة وخطيرة على حد سواء.
وبالحكم على الأمر وفقا لنتائج الجولة الثانية والنهائية للانتخابات الإقليمية الفرنسية التي جرت في 13 كانون الأول (ديسمبر)، فهي أيضا حجة رفضها، على الأقل، الناخبون الفرنسيون بشكل قاطع، وأعطوا 73 % من أصواتهم لخصوم الجبهة الوطنية، حارمين بذلك هذا الحزب حتى من انتصار واحد.
واتهمت لوبان الأحزاب السائدة بالتحالف ضدها، ووصفت تعاون هذه الأحزاب بإنكار الديمقراطية. وحجتها تلك، بالطبع، نموذج لنقد غير عادل يأتي من شخص أحبطه الخروج من الانتخابات بخفي حنين. وإذ تكمن كل فكرة نظام التصويت في جولتين في إجبار الأحزاب ومؤيديها على التوصل لإجماع وتشكيل شراكات. لذا ما لم، وحتى، تجد الجبهة الوطنية سبيلا لكسب الحلفاء، فلن تحقق تقدما انتخابيا. (والمرجح أن الشيء نفسه ينطبق على ترامب).
ولا يعني هذا أن نُسقِط بلا اهتمام ادعاء لوبان بأن الذين صوتوا لصالح حزبها هم فقط الوطنيون الحقيقيون. إذ ينطوي هذا على رسالة بالغة القوة، رسالة تحمل معنى العزم على اجتذاب مؤيدين لها من بين صفوف الأحزاب الأخرى. ولهذا السبب، يجب دحض هذه الرسالة في فرنسا وفي أماكن أخرى. فالادعاء المنطوي على هذه الرطانات القومية الرنانة -أي القول إن مصالح البلاد تمكن خدمتها على نحو أفضل بالانغلاق بدلاً من الانفتاح- هو ادعاء خطير للغاية.
إن الاعتقاد بأن الانفتاح خيانة والانغلاق وطنية، إنما هو رفض لكامل أطر السياسات والسياسية التي تم إرساؤها في العالم المتقدم بعد العام 1945. إنه محاولة للعودة بعقارب الساعة لفترة ما بين الحربين العالميتين، حين كانت الدول تنغلق على نفسها، فارضة قيوداً تجارية شاقة ومُضْطَهِدة أو طاردة الأقليات. وقد حدث هذا حتى في الولايات المتحدة، التي أصدرت آنذاك أشد قوانين الهجرة تعسفاً منذ تأسيسها.
لقد شهدت سنوات ما بعد الحرب تغييراً كاملاً لهذا الاتجاه؛ إذ فتحت الدول أبوابها على مصاريعها، سامحة بقدر أكبر من حرية تدفق التجارة ورؤوس الأموال والأفكار والناس. وأصبحت هذه العملية تُعرف بالعولمة فقط بعد أن التحقت بها الصين والهند في ثمانينيات القرن المنصرم، ولكنها كانت قد بدأت قبل ذلك بزمن بعيد. إن العولمة قبل أي شيء هي التي أرست أساس ما بات يُعرف في فرنسا بـ”الأعوام الثلاثون المجيدة” (من 1946 إلى 1975)، وهي الأعوام الثلاثون التي تلت الحرب العالمية الثانية والتي شهدت ارتفاعاً سريعاً في مستويات المعيشة.
تدَّعي لوبان وزملاؤها الشعبويون أن العولمة كانت إما عملاً من أعمال الكرم الأبله الذي ساعد باقي دول العالم على حساب الأمة، أو هي ظاهرة استفادت منها النخب فقط وليس الناس العاديين. والوطنية بالنسبة لهم تعني أن تكون أكثر عناداً فيما يتعلق بحماية المصلحة الوطنية، وأن تتبنى سياسات أكثر ديمقراطية تستطيع مساعدة الجماهير العاملة، وليس القطط السمان المرفهة.
إننا يجب أن نسمع الجزء الثاني من هذه الحجة ونرد عليه -الجزء القائل إن مصالح عامة الناس قد تم إخضاعها لمصالح النخبة، وأن الديمقراطية التي تشعر الأغلبية فيها أنها مُهْمَلة أو مُستَغَلة ليست ديمقراطية مستدامة. وأنه سيتم الإطاحة إما بالحكومة أو بالنظام برمته.
من الواضح أن على المسؤولين المنتخبين التوصل إلى حلول لارتفاع معدلات البطالة وتدهور مستويات المعيشة. غير أن ما يتعين على الأحزاب السائدة توضيحه هو أن حل تلك المشكلات لا يكمن في إغلاق الحدود أو العقول. فليس هناك مثال واحد، في أي من مراحل التاريخ، لمجتمع أو اقتصاد حقق ازدهاراً على المدى الطويل برفض العولمة.
فضلاً عن أن الانفتاح، ورغم أنه قد لا يكون ضمانة للازدهار، كان دوماً شرطاً أساسياً من شروط النمو. ولا شك أن توفير قدر أكبر من الانفتاح يمكن أن يكون موضع نقاش، ولكن الحجج الأكبر والأكثر إثمارا هي تلك التي تدور حول كيفية تشكيل التعليم وأسواق العمل والبحث العلمي وسياسات الرعاية الاجتماعية لمساعدة المجتمعات على التكيف مع العالم من حولها. أما الخيار الوطني -أو المصلحة الوطنية- فقد كان دوما يقتصر على صياغة سياسات محلية يمكنها الاستفادة إلى أقصى حد من العولمة.
بالنسبة للأحزاب السائدة في فرنسا والمحافظين في المملكة المتحدة ونظراء ترامب في الولايات المتحدة من الجمهوريين الأكثر انفتاحا على العالم، ليس هناك ما يمكن الاستفادة منه من استنساخ حجج المتطرفين. فمن شأن هذا أن يتحول إلي أرض خصبة لنشأة خلافات في المعركة السياسية حول أفضل كيفية لخدمة البلاد وشعبها. ويتعين على الأحزاب السائدة إصلاح عباءة الوطنية وإعادة تعريف المصلحة الوطنية بناء على ذلك. ففي عالم اليوم، تكمن المصلحة الوطنية في إدارة الانفتاح -وليس في التخلي عنه.

*رئيس تحرير سابق لمجلة “الإيكونوميست”.
*خاص بـ”الغد”، بالتعاون مع “بروجيكت سنديكيت”.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً