حقّاً “لمن الاعتذار”؟…بقلم: محمد أبو رمان

2016/01/17
Updated 2016/01/17 at 11:04 صباحًا

index

لا قيمة أخلاقية حقيقية لاعتذار رئيس تحرير صحيفة مصرية عن عنوان خبر اعتُبر مسيئاً على صعيد شخصي، وتعريضٍ بمرض المرشد العام لإخوان مصر، محمد بديع. فمثل هذه الشماتة، المعتذر عنها، بالمرض تأتي خارج السياق الحقيقي، مهنياً وأخلاقياً، الذي طبع مواقف نسبة كبيرة من النخبة المصرية وخطابها منذ الانقلاب العسكري.
ما لفت انتباهي في الاعتذار المذكور هو حجم “الخديعة النفسية”؛ فالرجل يتحدّث عن الاستقامة الأخلاقية والمهنية، ولا أعرف أين نضع هذا المفهوم فيما قرأناه في الإعلام المصري، على العموم، في تغطية أحداث ميداني رابعة العدوية والنهضة، وما حدث فيهما من مذابح جماعية، وما لحقها من اعتقالاتٍ بالآلاف لأبناء الجماعة وطلاب الجامعات ومعارضي الانقلاب، فأين كانت هذه الاستقامة في تواطؤ الإعلام ومشاركته في تبرير تلك الحفلة، حتى أننا لم نقرأ تقريراً واحداً أو تحقيقاً يقدّم رواية مختلفة عن آلاف الحالات التي تم إجهاض كرامتها، ودوس حريتها، أو تصفيتها.
على أيّ حال، ليس المقصود هنا تخصيص المقال للرد على “الاعتذار”، بل الإشارة إلى تلك الروح الفاشية المرعبة التي أصبحت تنخر بشدة في ثقافتنا المجتمعية، ومستساغة في أخلاقنا وقيمنا. وربما أصرخ تعبير مصري عنها كانت الأغنية الشهيرة للمطرب، علي الحجار، “احنا شعب وانتم شعب”، وهو لا يتحدّث عن طائفة أو دين أو عرق آخر، بل شريحة اجتماعية واسعة وعريضة من المجتمع المصري، اختلفت سياسياً مع الانقلاب، فأصبح يعتبرهم شعباً آخر.
لا تبدو الحال أفضل في دول عربية أخرى، فالروح الفاشية تجاه الآخر أكثر وضوحاً وسفوراً، وتتلبس الغريزة الطائفية والعرقية الدينية، وقد لا يمر يوم لا تشاهد فيه عشرات الفيديوهات للأطراف المتصارعة والمتحاربة، في كل من العراق وسورية، وفيها مقاطع من خطابٍ ولغةٍ يعلنان بوضوح استباحة قتل الآخر، وتعذيبه وتجويعه والقضاء عليه، وسفك دمائه، حتى أصبح القتل على “الهوية الشخصية” أمراً شائعاً وطبيعياً.
الطريف، وشرّ البلية ما يضحك، أن تتكرّر حوادث الاعتذار، إذ سبق الصحيفة المصرية اعتذار من صحيفة لبنانية، مقرّبة من حزب الله وإيران، عن مقال لكاتب أردني اعتُبر مضمونه ذروة الفاشية، وربما من المفيد أن نستحضر هنا الفقرة المرعبة، أخلاقياً وإنسانياً في ذلك المقال، إذ يقول كاتبه “كذلك، فإذا استثنينا المضامين فعلاً من الاضطهاد الإرهابي لأبناء المكونات السورية غير الوهابية، فيمكننا القول إن معظم اللاجئين السوريين خارج وطنهم هم من الفئات غير القادرة على التعايش مع التعددية والنمط الحضاري الخاص بسوريا. وهكذا، فإن خساراتهم لا تعد نزيفاً ديموغرافياً، في حين ينبغي إيقاف نزيف الكتلة الوطنية المدنية التي تئن من الهاونات وانقطاع الكهرباء والماء والغلاء وانخفاض المستوى المعيشي حتى اليأس”.
تلك الصحيفة اعتبرت المقال خارجاً عن القيم المهنية، بينما ردّ كاتب المقال لاحقاً على اعتذار الصحيفة، فحمل الرد عنوان “لمن الاعتذار؟” مستغرباً موقف الصحيفة وحذف المقال، معتبراً أنه يمثل الخط الحقيقي في الدفاع عن النظام السوري، وهو بذلك محق، فهل خرج مضمون مقاله عن مفهوم “سورية المفيدة” التي كان يروّجها أغلب أنصار النظام السوري؟
زبدة القول؛ إذا كنا نخشى من تقسيم الدول الوطنية العربية، أو سايكس بيكو جديد، أو هيمنة خارجية، فإنّ أخطر من ذلك الثقافة الفاشية، فهي فيروس وداء يستحق أن نخاف منه أكثر، وأن نبادر إلى العلاج منه. هو تهديد أخطر من الحدود الجغرافية والسياسية بين الدول، لأنه يرسم الحدود الفاصلة بين الأخلاقي (والإنساني) وما يناقضه تماماً، والأشد غرابة أنّنا لا نجد في مشهدنا الثقافي والأخلاقي انتفاضةً أو ثورة من المثقفين والعلماء والسياسيين، ليبنوا مناعة حقيقية ضد هذه الثقافة الوبائية، بل أغلب ما نقرأه بمثابة تبرير لها لصالح هذا الطرف أو ذاك.
الغد الاردنية

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً