نظام السيسي ينتقل من معركة الأجهزة إلى صراعات الدوائر

2016/03/08
Updated 2016/03/08 at 9:52 صباحًا

349
يشهد عدد من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المصرية، المسمّاة “سيادية”، حالة من التململ نتيجة غضب ما يمكن وصفه بـ”الحرس القديم” داخل هذه الأجهزة، من تغييرات أدخلها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ودائرته المقرّبة (الاستخباراتية ـ الرقابية) على تشكيلات الصفين الأول والثاني فيها، من دون الاهتمام باعتبارات الأقدمية والخبرة ونوعية الملفات المسندة منذ سنوات طويلة إلى قيادات دون أخرى، والاهتمام فقط بعنصري الولاء والثقة.

في هذا السياق، تُفيد مصادر أمنية مطّلعة لـ”العربي الجديد”، بأن حالة التململ قائمة في كل من جهاز الاستخبارات العامة وجهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً)، وبصفة أقلّ في هيئة الرقابة الإدارية. مع العلم بأن الأجهزة الثلاثة شهدت تغييراً كبيراً على صعيد القيادة منذ الإطاحة بحكم جماعة “الإخوان المسلمين” في 3 يوليو/تموز 2013، تحديداً في جهاز الاستخبارات، الذي عيّن السيسي على رأسه قائده السابق في الاستخبارات الحربية، محمد فريد التهامي، ثم تبعه بأحد تلاميذ التهامي أيضاً وهو خالد فوزي.
وتعزو المصادر حالة الغضب داخل جهاز الاستخبارات إلى تهميش دور الدائرة، التي كان يعتمد عليها رئيس الاستخبارات الراحل، اللواء عمر سليمان، والتي كان من قياداتها مدير الاستخبارات في عهد الإخوان اللواء رأفت شحاتة، وهي الدائرة التي كانت تتولّى الملفات الإقليمية والعلاقات الخارجية مع الولايات المتحدة والفصائل الفلسطينية ودول الجوار.

وكان التهامي قد عمل منذ توليه إدارة الجهاز، وتلاه فوزي، على تهميش هذه الدائرة، في إطار معركة تصفية حسابات قديمة بين قيادات جهاز الاستخبارات الحربية والمجلس العسكري، وبين عمر سليمان ودائرته التي اصطنعها لنفسه داخل جهاز الاستخبارات، وهي معركة كانت خفية وغير معلنة على سياسات إدارة الملفات الإقليمية طوال العقد الأخير من عهد الرئيس المخلوع، حسني مبارك.

في هذا السياق، تفيد المصادر بأن هذه المعركة التي استمرت لسنوات، ما زالت تلقي بظلالها على الأوضاع داخل جهاز الاستخبارات حتى الآن، نتيجة اتخاذ التهامي وفوزي، بتعليمات من السيسي ودائرته العليا، قرارات بالجملة تقضي بنقل عشرات من ضباط الاستخبارات الحربية إلى جهاز الاستخبارات العامة، كما أسندت إليهم أهم الملفات الداخلية والخارجية والأمن القومي، مما دفع بالعشرات من ضباط الاستخبارات العامة القدامى بدرجة “وكيل الجهاز”، إلى طلب تسوية تقاعدهم. وبالفعل أصدر السيسي خلال عام ونصف العام من حكمه 15 قراراً بإحالة عدد منهم إلى التقاعد بناء على طلبهم.

بالتالي، بدأت إدارة جهاز الاستخبارات العامة تتحوّل تدريجياً إلى صورة مستنسخة من جهاز الاستخبارات الحربية، مع توطيد العلاقات بين الجهازين على مستوى الشخصيات، وتوحيد جهة تحديد ورسم السياسات في الدائرة الاستخباراتية ـ الرقابية، التي يترأسها مدير مكتب السيسي، عباس كامل، ويساعده عدد من قيادات الاستخبارات الحربية والعامة والرقابة الإدارية الموثوقين.

أما في جهاز الأمن الوطني، فقد أصبح الوضع أكثر حساسية نتيجة التغييرات المتعاقبة، التي أدخلها مستشار السيسي للأمن القومي، أحمد جمال الدين، على قيادة الجهاز على مدار العام الماضي، بالإضافة إلى اختيار أحد ضباط الجهاز السابقين وزيراً للداخلية، مما تسبب في المزيد من الحساسيات بينه وبين قيادات الجهاز.

ووفقاً للمصادر، فإن التغييرات المتعاقبة على الصفوف الأولى بالجهاز وإحالة العشرات من القيادات إلى التقاعد في وقت قصير، من دون إدخال تغيير حقيقي على نظام العمل في الداخل، وتحديث طريقة تعامل الضباط الصغار مع الملفات الأمنية المختلفة، تسبّبت في ظهور عدد من الفرق والدوائر داخل الجهاز، كل منها يتبع قيادة أو أكثر. كما بلغ الأمر حدّ التنافس على إفساد وعرقلة بعض قرارات وزير الداخلية، وزيادة عدد الشكاوى الكيدية والتقارير السلبية من الضباط عن زملائهم.

في هذا الصدد، توضح المصادر أن جمال الدين شكا إلى السيسي شخصياً من سوء حالة الجهاز داخلياً، وطلب منه تفويضاً بممارسة صلاحيات وزير الداخلية، في ما يتعلق بالجهاز وضباطه، بحجة تنفيذ برنامج لتحديث عمل الجهاز وتجديد دمائه. إلاّ أن هذا البرنامج الذي بدأ جمال الدين في تنفيذه في يوليو/تموز 2015 لم يؤت ثماره حتى الآن، كما شهدت الشهور الستة الأخيرة استبعاد أي دور للجهاز في إدارة الانتخابات البرلمانية للمرة الأولى، وإسناد الملف بالكامل للدائرة الاستخباراتية ـ الرقابية، وهو ما أثار حفيظة عدد من قيادات الجهاز وأتباع القيادات السابقة.

الآن، يتكرر السيناريو بصورة مختلفة في هيئة الرقابة الإدارية، التي حولها السيسي إلى جهاز استخباراتي، بتوسيع سلطاتها وضمّ عدد من قياداتها إلى دائرته المقربة، وتعيين العديد من ضباطها الموثوقين في مناصب حكومية مرموقة بمختلف الوزارات الخدمية، ضمن حكومة الظل التي تقود الدولة تنفيذياً في الفترة الحالية.

وفي خضمّ تصعيد وتقريب قيادات بعينها من هذه الهيئة، تمّ إهمال وتجاهل المئات من ضباط الهيئة المخضرمين لأسباب مختلفة، منها أنهم كانوا مقرّبين من القيادات في عهد حكم الإخوان، أو لم ينتموا سابقاً إلى الجيش، أو لأنهم أجروا تحريّات وتحقيقات جادة عن شخصيات مقربة من النظام الحالي.

في هذا السياق، تعتبر المصادر أن حالة التململ في الأجهزة السيادية الممسكة بمفاصل الدولة، بما تسببه من غضب وتصفية حسابات وتنافس داخلي، هو السبب في عدد من الوقائع والأحداث التي شهدتها مصر أخيراً، أحدثها إعلان وزير الداخلية المصري، مجدي عبد الغفار، “تورّط حركة حماس في التخطيط وتدريب الجناة لقتل النائب العام الراحل، هشام بركات”.

وتعتبر المصادر أن “اتهام حماس بارتكاب جريمة هي الأقسى على أركان نظام السيسي، ويأتي في وقت كانت فيه بعض الدوائر داخل الدولة المصرية قد استأنفت فيه اتصالاتها مع حماس، باعتبارها السلطة الأقوى في قطاع غزة، وذلك ارتباطاً باتصالات أخرى أجريت مع السعودية، في محاولات كانت منشودة لتخطي الأزمة الثنائية بين الطرفين، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه في عهد مبارك، على الأقل”.
في السياق نفسه، توضح المصادر أن “اتهام حماس من قبل وزير الداخلية يعتبر ضربة موجعة لجهود تبذلها أطراف أخرى في جهاز الاستخبارات العامة تحديداً، وقد يكون الأمر مقصوداً لإحراج هذه الأطراف”، معربة عن تخوّفها من تأثير هذا الإجراء على العلاقات بين مصر والسعودية ودول عربية أخرى، ترى أن التعامل مع “حماس” ضرورة حتمية.

كما تتحدث المصادر عن “ظهور تيار البديل المدني” بقيادة المرشح الرئاسي السابق، حمدين صباحي، مشيرة إلى أن “صباحي لا يملك جرأة التحرك من دون تنسيق مع أطراف في أجهزة سيادية، تريد الضغط على الدائرة الاستخباراتية ـ الرقابية للسيسي، وتقصد إحراجها أمام الرأي العام، لا سيما مع ضمور المعارضة الحزبية في الشارع. بالتالي فإن الأمر يشبه محاولة لتشكيل جبهة إنقاذ جديدة، كالتي أشرفت الاستخبارات العامة والحربية على إنشائها في عهد الرئيس المعزول، محمد مرسي، وكانت هي الذراع السياسية للتحرك المعارض من داخل أجهزة الدولة، وهي التي مهدت الرأي العام لاستقبال أحداث 30 يونيو/ حزيران 2013”.

وتنفي المصادر أن يكون ظهور صباحي جزءاً من ديكور يصنعه النظام كمعارضة من داخله، مؤكدة أن “هذا كلام يردّده مقربون من صباحي محاولين التقرب من النظام، كما يردد صباحي نفسه أن التيار ليس بديلاً للنظام الحالي، وهو كذلك بالفعل، لكن سبب إيجاده هو إزعاج دائرة السيسي والضغط عليها لأهداف معينة، ليس أكثر ولا أقل”.

في الختام، تُشدّد المصادر على أن “نظام السيسي تخطى مرحلة صراع الأجهزة، ودخل مرحلة صراع الدوائر داخل الأجهزة، والمصالح الضيقة والحسابات الشخصية هي التي تحسم هذه الصراعات، وترسم أنماط المواجهة بين هذه الدوائر”.
العربي الجديد

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً