قضية الطعن بنتائج الانتخابات، ماذا يجري في محكمة بيت لحم؟ بقلم: رشيد شاهين

2012/11/07
Updated 2012/11/07 at 12:56 مساءً

قضاة مستفزون يتحركون ويتهامسون بعصبية واضحة، ومحامون في حالة من الشد “والنرفزة”، يوجه بعضهم إلى البعض انتقادات غير لائقة، مما يستدعي تدخل رئيس المحكمة، لكن بطريقة عصبية تزيد من حالة التوتر بدلا من “امتصاص” أو استيعاب الموقف، وجمهور يرغب “بقوة” في التدخل بمجريات المحاكمة، إلى الدرجة التي يمكن أن تسمع تعليقا من هنا وآخر من هناك، هذه هي الأجواء العامة- في ثالث أيام المحكمة- التي سادت قاعة محكمة بداية بيت لحم التي تنظر في الطعون التي قدمتها أطراف عديدة ضد نتائج انتخابات بلدية المدينة التي تم الإعلان عنها قبل حوالي أسبوعين.

مذ أعلن عن الطعن المقدم من قبل جهات عديدة بنتائج الانتخابات في مدينة بيت لحم، كان من الواضح أن هنالك متابعة حثيثة من قبل الكثير من المهتمين، بحيث كانت القاعة ومنذ الجلسة الأولى التي انطلقت الأحد الموافق للرابع من تشرين ثاني 2012، تشهد ازدحاما كبيرا، وتجد أعدادا من المواطنين تقف على مدار ساعات تراقب باهتمام ما يجري داخل القاعة.

قاعة المحكمة لم تشهد خلال اليومين الأول والثاني ما شهدته في يومها الثالث من شد وعصبية وصراخ، لا نعتقد انه كان مبررا، ويمكن القول بأن بداية “الشد” ابتدأت عندما قدمت إحدى المحاميات متأخرة عدة دقائق عن بداية الجلسة، – اعتذرت عن التأخير-، وعندما طلبت الحديث بعد حضورها مباشرة، سارع رئيس المحكمة إلى الحديث معها بصوت عال محتجا على تأخرها، علما بأنه كان قد سمح لها قبل ذلك بالجلوس واعتبارها حاضرة، وكان أن أجابته بأنها على استعداد للمغادرة إذا كان لا بد من ذلك، فسمح لها بالحديث وتوجيه السؤال الذي أرادت توجيهه،- لا بد هنا من التنويه ان المحكمة ابتدأت أصلا متأخرة عن الموعد الذي حدد في اليوم السابق من قبل القاضي نفسه-.

لم تمض سوى دقائق محدودة على رد الفعل العصبي الأول من قبل القاضي، حتى فوجئ النظارة “بزمجرة” جديدة للقاضي كانت موجهة هذه المرة إلى احد المحامين المعروفين، وكان السبب ان الأخير أراد التدخل في توجيه إرشادات إلى احد المحامين المدافعين عنه، كونه احد أطراف القضية، وجرى توجيه حديث يمكن اعتباره غير مبرر من قبل الرئيس، حيث تحدث عن الأدب وطرد المحامي من القاعة – المحامي كان يمضغ العلكة بحسب القاضي- وصار ينادي على أفراد الشرطة لوضعه في النظارة، غير ان المحامي غادر القاعة.

الغريب في هذه الواقعة ان الرئيس سجل ما جرى في المحضر، وذكر ان المحامي استعمل ألفاظا بذيئة، علما بان ذلك لم يحدث، وعندما طلب احد المحامين تسجيل ما هي تلك الألفاظ البذيئة التي قيل إنها قيلت، بدأ الرئيس والقاضي على اليمين بالصراخ، بحيث احتقنت الأجواء بشكل كبير، عند ذلك وبعد ان لاحظ احد المحامين هذا الجو المشحون، تقدم إلى الرئيس بطلب استراحة – لتخفيف الاحتقان على ما نعتقد- إلا ان طلبه رفض.

حدث بعد ذلك ان قام احد المحامين بتوجيه كلام “غير لائق ربما” لزميل له في الطرف الآخر، حيث حدث هرج ومرج بعد ذلك، واخذ الرئيس وقاضي الميمنة “بالصراخ بشكل غريب، كما وقاما بالضرب بأيديهما على الطاولة الموجودة أمامهما”، وهدد الرئيس جميع المحامين وتحدث كثيرا عن الأدب وضرورة الالتزام به وردد ذلك كثيرا.

قاضي الميسرة، ربما هو الوحيد الذي حافظ على هدوء أعصابه، وربما هو من كان وراء رفع الجلسة للاستراحة، حيث بالضرورة انه لاحظ كما جميع الحضور، ان أجواء القاعة لم تعد تحتمل وان من غير الممكن الاستمرار في مثل هذه الأجواء.

خرج الجميع من القاعة، وكان ما جرى في الداخل هو الحديث المتداول، كما لوحظ ان هنالك من بين المحامين والجمهور من طالب بانسحاب المحامين بشكل جماعي احتجاجا على ما قام به رئيس المحكمة، وكان يمكن ملاحظة حالة من “عدم التصديق والغضب” بين مجموع المحامين، وخاصة إحدى المحاميات.

بعد ان أعيد فتح القاعة، وعاد النظارة لأخذ أماكنهم، وبعد وقت لا يقل عن عشرة دقائق، لم يظهر القضاة، وخرج على الجمهور ضابط برتبة نقيب– يطلب ممن لا علاقة له بالمحكمة، ومن جميع الواقفين، مغادرة القاعة – بناء على طلب الرئيس-، ولما لم يغادر أي من هؤلاء، فقد طلب من احد رجال الشرطة باستدعاء القوات الخاصة، التي حضرت مجموعة منها إلى القاعة وهي تحمل الهراوات، وكان احدهم قد دخل بسلاحه، عندما احتج احد المحامين، فخرج الضابط وترك سلاحه وعاد ليعتذر وقال بأنه لم ينتبه لوجود سلاحه على جانبه.

بعد عودته إلى القاعة، كان من الواضح ان الرئيس يحاول ان يبدو هادئا، وكانت ما تزال آثار الغضب على وجهه، وكان ذلك جليا من خلال تهديده بأنه لن يتوان عن إخراج أي كان من القاعة، وأكد احدهم انه قال بأنه لن يتردد بإرسال الجميع إلى النظارة بما في ذلك المحامين، إذا استدعى الأمر ذلك.

بتقدير بعض المحامين، ان الغضب – غير المبرر- جاء على خلفية إصرار احد المحامين، منذ البداية، وترديده أكثر من مرة وخلال مناقشة احد الشهود، “انه لا يجوز ابتداء عدم مناقشة أية مواد أو نصوص قانونية واضحة لان في ذلك مخالفة صريحة”.

لا بد من الإشارة هنا إلى ان احد المحامين وعندما تم تقديم أوراق لها علاقة باللجنة المركزية الانتخابات من قبل الطرف الآخر، قال انه يرغب في الحصول على نسخ منها، لأنه عندما ذهب إلى مقر اللجنة في بيت لحم رفضوا أو لم يزودوه بها، وعندما قال له الطرف الآخر انه حصل عليها من مكتب اللجنة، وان بإمكانه ان يذهب للحصول عليها، رفض هذا ذلك، وعندئذ تدخل القاضي بشكل آمر وبعصبية ظاهرة وبصوت عال، طالبا من المحامي تزويد “زميله” بها لان هذا حقه القانوني.

في أجواء كالتي سادت اليوم قاعة محكمة بيت لحم، يعتقد الكثير من المحامين والمراقبين، ان لا مجال لأن تجري الأمور بالنسبة للطرف الطاعن في الموضوع وفقا للقانون، وان الأمر بات محسوما، علما بأن القاضي الرئيس كان أشار خلال الجلسة، إلى ان القانون سوف يأخذ مجراه برغم كل ما حدث وبرغم العديد من الشهود الذين تم الاستماع إليهم، ويستند البعض في اطمئنانهم إلى ما كتبه أو أشار الرئيس إلى تثبيته في المحضر، من ان الإجراءات والتعليمات لا تلغي القانون.

بعد هذا الذي حدث في محكمة بيت لحم، لا زال هناك مراهنة- ولو انها أصبحت ضعيفة جدا بالنسبة إلى أجواء التفاؤل التي سادت في اليومين الأولين- على ان القانون سوف يطبق، خاصة وان هذه القضية ليست قضية عادية، وانها قد تكون فرصة مواتية لهيئة القضاة للتأكيد على استقلال القضاء الفلسطيني ، كما انها قد تكون فرصة من ناحية مهنية لهؤلاء للتأكيد على نزاهتهم، وهذا في الحقيقة الأمل بالنسبة للجميع

 

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً