إسبانيا: مؤتمر الحسم لحزب “بوديموس” اليوم وغداً

2017/02/11
Updated 2017/02/11 at 9:58 صباحًا


العربي الجديد -باريس ــ عبد الإله الصالحي /ينعقد المؤتمر العام الثاني للحزب اليساري الراديكالي الإسباني (بوديموس) في مدريد، اليوم السبت، على وقع حرب معلنة بين الأمين العام، بابلو اغليسياس، ونائبه اينغو ايريخون. حربٌ تهدد هذا الحزب الناشئ، الذي أضحى في زمن قياسي القوة السياسية الثالثة في البلاد، بالانقسام والتشرذم. فبعد ثلاث سنوات من مغامرة استثنائية، بدأت من نقطة الصفر ضمن حركة “الساخطون”، بين حفنة من رفاق جامعة العلوم السياسية، على رأسهم اغليسياس وايريخون، دخل هذا الثنائي في صراع عنيف حول الخط السياسي للحزب والاستراتيجية المقبلة.
وعلى المؤتمر، الذي يشارك فيه 460 ألف عضو، أن يحسم بين خطين متناقضين. الأول، يقوده اغليسياس، ويرى أن على الحزب أن يبقى في موقع المعارض المدافع عن الشرائح المجتمعية الفقيرة، وتفادي الدخول في تحالفات مع القوى السياسية الأخرى. والخط الثاني يقوده الرجل الثاني في الحزب، ايريخون، ويرى أن على الحزب أن يؤدي دوراً براغماتياً داخل البرلمان، ويبني تحالفات جديدة مع الحزب الاشتراكي وأحزاب أخرى، من أجل فرض الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تطالب بها قاعدته الانتخابية.
وقبل أشهر من انعقاد المؤتمر، خاض الرجلان نقاشاً مفتوحاً وصاخباً على وسائل الاتصال الاجتماعي. وبلغ التراشق بينهما مستوى اختلط فيه الشخصي بالحزبي. وغطت وسائل الإعلام الإسبانية وقائع السجال بين الزعيمين بعناوين حربية ساخنة، من قبيل “صراع الصقور في القمة”، أو “مؤتمر الإخوة الأعداء”، أو “مباراة الضربة القاضية”، أو “قابيل وهابيل في صراع القمة”. وحسب المراقبين، فهذه المرة الأولى التي يتحول فيها نقاش حزبي داخلي إلى مادة إعلامية وطنية مثيرة. واعتبرها البعض دليلاً على عنفوان وشفافية الديمقراطية داخل الحزب المناهض لسياسة التقشف، في حين اعتبرها البعض الآخر نشراً سلبياً لغسيل الحزب الداخلي، ومؤشراً على تصدع بنيوي بين خطين متناقضين يؤذن بانهيار وشيك. والواقع أن ما يجري في “بوديموس” هو محطة أساسية وضرورية في مسار الحزب الوليد، قد تكون شبيهة بأزمة “نمو بيولوجي”. والرهان على المؤتمر الآن أن يحسم فيه كيفية الحفاظ على النجاح الباهر الذي حققه الحزب خلال ثلاث سنوات، وترسيخه. فالحزب نجح في إقناع خمسة ملايين ناخب إسباني في الانتخابات التشريعية، في يونيو/ حزيران الماضي، وحصل على 71 مقعداً في البرلمان، ويملك وزناً سياسياً هائلاً في البرلمان، باعتباره القوة الثالثة بعد الحزب الشعبي اليميني والحزب الاشتراكي.

والإشكال المطروح على “بوديموس” هو ذاته المطروح على غالبية الأحزاب اليسارية الراديكالية في أوروبا وأميركا اللاتينية. أي الخيار بين البقاء سياسياً على الهامش، من موقع المقاومة الراديكالية الرافضة لكل الاحتمالات التي توفرها اللعبة الديمقراطية، وبالتالي القبول بفكرة الفشل المحتوم في تحقيق المطالب الاجتماعية والاقتصادية، التي بنى عليها نجاحه الانتخابي، وهذا ما يقول به اغليسياس، الذي رفض أي تحالف مع الحزب الاشتراكي، وفوت على اليسار فرصة الصعود إلى الحكم خلال أزمة الفراغ السياسي أخيراً، التي انتهت فصولها ببقاء اليمين في الحكم من خلال تحالف الحزب الشعبي اليميني مع حزب “ثيوديدانوس” الوسطي الليبرالي، أو انتهاج خيار آخر، يلعب بورقة النجاح الانتخابي، ليحول الحزب إلى فاعل سياسي قوي، ويأخذ مكان الحزب الاشتراكي المنهك، وإن كان عبر التحالف معه، ليصبح “بوديموس” أول قوة سياسية تقدمية في البلاد. وهذا الخيار سيتيح هامشاً للمناورة، وتحقيق جزء من الوعود الانتخابية التي أدت إلى نجاحه. وحسب ايريخون فإن ساحة البرلمان هي الملعب الأساسي للحزب في اللحظة الراهنة، وهي الآلية التي ستمكنه من “بناء غالبية اجتماعية” في المشهد السياسي، بدلاً من التقوقع داخل الشارع، وحصر نشاطه في دور احتجاجي صرف، لا فائدة تُرجى منه على مستوى القرار الاقتصادي والسياسي الذي تتحكم فيه المؤسسة التشريعية.
من الناحية العملية، قدم كل من اغليسياس وايريخون لائحة مرشحين إلى المجلس التنفيذي، وهي هيئة القرار الأساسية في الحزب. كما رشح اغليسياس نفسه للبقاء في منصب الأمين العام، وهدد بأنه سينسحب من الحزب في حال فشل لائحته في الحصول على الغالبية في المجلس التنفيذي. أما ايريخون، الذي يشغل الآن منصب الأمين السياسي والرجل الثاني في الحزب، فاكتفى بلائحة المجلس التنفيذي من دون الترشح إلى الأمانة العامة. هكذا تحول رفيقا الدرب، اللذان كانا ثنائياً مثالياً في القيادة السياسية، إلى زوجين متناحرين، يريد كل منهما أن يفرض رؤيته على الآخر من دون تقديم أدنى تنازل. وإذا كان الإسبان سيتابعون بشغف وقائع المؤتمر ونتائجه، فاليسار الراديكالي الأوروبي بكامله يتابعها باهتمام شديد أيضاً، لكون “بوديموس” أصبح مفتاح الأمل للعديد من القوى اليسارية الاحتجاجية في أوروبا. فالتجربة الإسبانية أصبحت نموذجاً للجميع في أوروبا وخارجها لنجاحها الاستثنائي الباهر، وانتقالها السريع في غضون ثلاث سنوات من موقع الاحتجاج في الشارع، عبر شعارات راديكالية تطالب بالعدالة الاجتماعية والحرية ومناهضة الخيارات الرأسمالية، إلى قوة برلمانية وازنة، أطاحت بالقطبية البرلمانية التقليدية في إسبانيا.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً