الفلسطينيون بين السياق الخارجي والقوة الذاتية ..بقلم :د.عاطف أبو سيف

2018/01/08
Updated 2018/01/08 at 8:54 صباحًا


يواجه الفلسطينيون مجموعة كبيرة من التحديات التي تتطلب قدراً أكبر من التفكير؛ بغية تجاوز آثار تلك التحديات التي سيكون لها نتائج وخيمة على مستقبلهم. وبالقدر الذي لا يمكن فيه الاستهانة بحجم تلك التحديات سيقود التقاعس عن تطوير وعي وسياسات مضادة لها إلى المزيد من التدهور والانجراف في الواقع السياسي الخاص بهم كما في السياق المعاش وبممكنات تطوير ذاتهم. وبالنظر إلى كل ذلك فإن ثمة حاجة ماسة للنظر بعمق في كل ما يجري بحثاً عن الفرص وتقليل الخسائر وقفزاً عن المعيقات وللعب على السياقات المختلفة، الأمر الذي من شأنه أن يخدم مصالحهم الوطنية ويدفع نحو الاقتراب ولو بطيئاً من تطلعاتهم القومية التحررية.
لعل نهاية العام 2017 لم تكن مثالية بالنسبة للفلسطينيين. وربما ليست على غرار تلك النهايات التي تميزت بها السنوات الماضية، خاصة حين كان الأمر يتعلق بالسياقات الخارجية للصراع. سيظل الانقلاب الأسود وتبعاته من الانقسام البغيض النقطة السوداء الكبري في حياة الفلسطينيين وهم يتذكرون تاريخهم المعاصر، وهي تحتاج لسنوات من الوحدة الوطنية واستقرار النظام السياسي لجعلها من الماضي. رغم ذلك فقد شهدت الأعوام الماضية جملة من الانتصارات الدبلوماسية الفلسطينية في أكثر من محفل، ولم تكن نهايات الأعوام الخمسة الماضية على أقل تقدير تقترب دون نجاح فلسطيني في أحد المحافل. تمثل ربما أبرزها في حصول فلسطين علي عضو غير كامل في الأمم المتحدة. عضوية منقوصة لكنها عنت ضمن أشياء كثيرة أن الشعب الذي أريد له أن يتحول إلى كومة من الأحلام المحطمة والحنين المهشم باتت له صفة قانونية في المؤسسات الدولية ويوقّع علي اتفاقيات ويدخل المنظمات المختلفة. كما أن حالة الاشتباك اليومية مع إسرائيل في أروقة البرلمانات والحكومات والهيئات والمجتمع المدني الدولي باتت ميزة، شكلت عقدة لحكومة تل أبيب وهي تصدر شعارات محاربة نزع الشرعية الجارية عن إسرائيل. ساهم في ذلك حركة المقاطعة النشطة والمقاومة الشعبية الباسلة وصمود مكونات شعبنا في كل أماكن تواجده ضد الحصار والعدوان الكارثي على غزة و حروب الإبادة في سورية وطمس الهوية في أماكن الشتات. فالكبار يموتون ولا ينسى الصغار.
في المقابل، فإن نهاية العام 2017 شهدت تحولاً غير مسبوق. صحيح أن قرار ترامب لا يعني إلا أميركا نفسها، وصحيح أنه علي صعيد خاص لا يؤثر ملليمتراً واحداً في قناعات الفلسطينيين بحقوقهم، لكنه أيضاً شكّل ضربة كبيرة للفلسطينيين وللعرب، فواشنطن لم تضع أي اعتبار للعرب ومواقفهم حتي بعد أن انهالت الهدايا بالملايين على ترامب وابنته وبعد أن رقص بالسيوف في خيام العرب. كما أن عملية السلام الميتة والتي كانت واشنطن تزعم فيها دور الوسيط صارت في خبر كان؛ بعد أن أعلنت الأخيرة وعلى مسمع ومرأى الجميع انحيازها لإسرائيل في واحدة من أكثر روايات التاريخ كذباً ودجلاً. أما الوضع العربي فإن استفتاء في شارع واحد بالقدس وغزة يكشف عن مدى شعور الفلسطينيين بخذلان العرب بل والظن – حتى وإن كان بعضه آثماً_ بأن بعضهم يتواطأ مع تل أبيب وواشنطن.
وربما بتذكر القرن المرير من الصراع يمكن للفلسطينيين أن يتعلموا الكثير من الدروس، خاصة أن ثمة مناسبات كثيرة يمكن من خلال تأملها أن يتم الكشف عن بواطن القوة ونقاط الضعف. لنلاحظ مائة عام على وعد بلفور ومائة نفسها على احتلال بريطانيا لفلسطين، الخطوة الأولى لتسليم البلاد للحركة والمشروع الصهيوني الإحلالي، وسبعين عاماً علي قرار التقسيم وتشريع إسرائيل في المجتمع الدولي، وأقل من ذلك بعام على النكبة وخمسين على النكسة ونصف القرن ونيف من الثورة الفلسطينية وثلاثين عاماً على الانتفاضة وقرابة ربع القرن على اتفاقيات السلام. في كل ذلك كمنت قوة الفلسطينيين الحقيقية في ذاتهم. لم يكن يوماً السياق الخارجي داعماً لهم، بل كانت كل قواه تعمل ضدهم لكنهم نجحوا بفعل قوتهم الداخلية من الذهاب إلى العدم والفناء.
فالمجتمع الدولي أوجد نكبتهم وأسس لها. والمحيط العربي بعيداً عن الصراخ لم يكن ذا نفع إلا في القليل من الحالات حتى أنه يتم التنكر لتضحيات الشعب العربي بكافة أقطاره، لكن في المجمل فإن السياسات العربية الرسمية كانت في أغلبها مجهضة للحلم الفلسطيني. كما أن سياقات التحالفات الخارجية ارتبطت أكثر بمصالح ومواقف الحلفاء والأصدقاء لا بحقيقة الانتماء للقضية والعدالة. وهو ما تكشف مع انهيار جدار برلين وتبدل خارطة الأصدقاء مثلاً التشيك باتت الحليف الأول لإسرائيل في القارة العجوز. والعالم الإسلامي ليس به إلا اسمه وفي أحسن الحالات الدعم اللفظي والمادي يكون متبوعاً بـ”اذهب أنت وربك فقاتلا”. أما الأشقاء فليس لنا إلا أن نتحسر على شقائنا معهم فبعضهم بات أكثر صداقة مع تل أبيب منه مع قضيته. وعليه فإن ثمة حاجة لتبصر ذلك حتى لا نقع في وهم المرايا المحدبة ونغرق في شبر ماء. مرة أخرى دون نسيان تضحيات الشعوب والأفراد ونصرة أصحاب الضمائر ودون إعفاء أحد من مسؤولياته القومية والدينية والإنسانية.
في المقابل، فإن الإنجازات الفعلية التي حققها الفلسطينيون كانت بفعل إرادتهم الذاتية. فالنكبة ومحاولات الطمس والنسيان لم يتم تجاوزها إلا عبر الثورة وحمل البندقية ووضع فلسطين على الخارطة. ولعل النصر العربي اليتيم على إسرائيل المتمثل في معركة الكرامة لم يتم إلا بالفعل الذاتي الفلسطيني. أيضاً الانتفاضة الأولى وما رافقها من كيان فلسطيني لم يتحول إلى حكم ذاتي مخصي كما أرادت إسرائيل بل إلى مشروع دولة. أيضاً المعركة الأخيرة في القدس وإجبار نتنياهو على إزالة البوابات الإلكترونية. والصمود في غزة رغم العدوان والحصار. وإلى جانب كل ذلك الإنجازات الدبلوماسية وآخرها القرار في الجمعية العامة ضد واشنطن. الكثير من الإشارات تقول: إن على الفلسطينيين الاعتماد علي قواهم الذاتية في ظل تراجع القوى الموضوعية والسياقات الخارجية المحبطة وربما العدائية. أين تكمن القوة الذاتية الفلسطينية؟ إجابة تفتح النقاش علي وعي إستراتيجي.. ما أمسَّ حاجتنا إليه!!.
عن صحيفة الايام

Share this Article