رفح: عندما وضع الشهداء في ثلاجات “الأيس كريم”

2016/06/28
Updated 2016/06/28 at 9:38 صباحًا

bf9c91a5-ddf8-41dd-ad6a-8b34f5f7eac6

يتولى تقديم الخدمات الصحية في قطاع غزة كل من وزارة الصحة الفلسطينية عبر المراكز الصحية والمستشفيات التابعة لها، ووكالة الغوث الدولية “أونروا” عبر عياداتها المنتشرة في مخيمات اللاجئين، والتي تنحصر خدماتها في مجال الرعاية لحاملي بطاقات التموين والمسجلين لديها وليس لكل مَن يسكن القطاع. إضافة إلى المراكز والمستشفيات الخاصة والأهلية، التي تقدّم خدماتها مقابل أجر.
يبلغ عدد المستشفيات في القطاع 25 مستشفى، تتبع 15 منها لوزارة الصحة، أما بقية المستشفيات فهي ليست حكومية. وتعاني هذه المستشفيات على الصعيد الصحي من أوضاع سيئة، خاصةً مع استمرارية الأزمات التي يمر بها لأسباب متعددة منها ما هو متعلق بالحصار الإسرائيلي المستمر منذ عشر سنوات، ومنها ما هو متعلق بسياسات الحكومة. هذا عند الحديث عن جودة الخدمات المقدمة ولكن ماذا عن أهل مدينة رفح الذين لا يجدون تلك الخدمة من الأساس؟
إحدى الكوارث الصحية في المدينة هي عدم وجود مستشفى مركزي يغطي حاجات المدينة المتزايدة سكانياً بشكل متسارع في ما يخص الجوانب الصحية. سكان مدينة رفح والذين يبلغ تعدادهم قرابة 180 ألف نسمة، تقدّم لهم الخدمات الصحية من خلال مستشفى حكومي واحد لا غير، وهو مستشفى “الشهيد محمد يوسف النجار”، وعند الحديث عن هذا المكان الطبي لا بد أن نتحفظ على كلمة “المستشفى” التي يتم إطلاقها عليه. حين افتتاحه في العام 2000، لم يكن مُعَدّاً من حيث البناء كمستشفى بل كمستوصف للرعاية الأولية، فالمستشفى الذي يستقبل في الأيام العادية ما يقارب 300 مريضٍ يومياً، يعاني من قلة في عدد الأسرة إذ يحتوي على 65 سريراً فقط. كما أنه خالٍ من غرف الحضانة أو العناية المركزية. حتى غرفتَي العمليات إحداهما معطلة. وكحال مستشفيات القطاع يعاني من نقص في كل من الكوادر البشرية المتخصصة والمعدات الطبية. يضطر ذلك أغلب أهل المدينة للذهاب إلى مستشفيات خارجها.
منذ سنوات عديدة وأهل المدينة يطالبون ببناء مستشفى تكون قادرة على تلبية الحد الأدنى من الخدمات الصحية والطبية لهم خاصةً مع العدوان الإسرائيلي المستمر، وكان الحديث في كل مرة يدور عن مشاريع وتبرّعات من دول ومؤسسات دولية لبناء مستشفى مركزي في رفح، إلا أن كل ذلك لم يتجاوز كونه مجرد “حديث”.
تحريك المياه الراكدة
يوم الجمعة الأوّل من آب من العام 2014، ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجزرة “الجمعة السوداء” في رفح. تجاوز عدد الشهداء وقتها المئة وخمسين شهيداً، وتخطى عدد المصابين الأربعمئة. خلال الساعات الأولى لصباح الجمعة لم يكن المستشفى الوحيد في رفح مستشفى “أبو يوسف النجار” قادراً على التعامل مع جميع المصابين، كما أن ثلاجة الموتى بالمستشفى تعجز عن احتواء جثث عشرات الشهداء، فهي تكفي لـ12 جثّة فقط. في ظل ذلك كله لم يكن غريباً رؤية عشرات المصابين يملأون ممرات المستشفى بلا أي رعاية، وعشرات الجثث ملقاةً خارجًا على البلاط.
لم تقف الأمور عند هذا الحد. فالموقع الجغرافي للمستشفى كونه يقع شرق المدينة بالقرب من خط “صلاح الدين”، زاد الأمر سوءاً، فهي في مرمى المدفعية الإسرائيلية، التي قصفت مداخل المستشفى بعدد من القذائف. ولم تقف الأمور عند استهداف المستشفى، فقد أجبرت قوات الاحتلال الإسرائيلي الطواقم الطبية العاملة فيه على إخلائه كلياً. إثر ذلك تم نقل مئات من المصابين والشهداء للمشفيين “الإماراتي” و “الكويتي” الواقعين غرب المدينة، وهما مشفيان صغيران ومتخصصان ولم يكونا قادرين على التعامل بالشكل المطلوب مع الحالات والإصابات التي تصلهم جراء القصف الإسرائيلي على المدينة.
ما حدث ذلك اليوم، ومع بدء خروج صور لشهداء تكدست جثامينهم في ثلاجات حفظ الخضار، وصور أخرى لأطفال رصت جثثهم الطرية في ثلاجات “الأيس كريم”، وصور مصابين ممددين على بلاط المشفى ينتظرون دورهم في المداواة، أصاب أهل المدينة بحزن وكمد كبيرين.
عادت من جديد الأصوات المطالبة بإنشاء مستشفى مركزي في رفح. انطلقت العديد من الحراكات الشبابية كان أبرزها “رفح بدها مستشفى” و “رفح بحاجة لمستشفى”. كما أنشأت مجموعة من أهالي المدينة جمعية “أصدقاء مجمع رفح الطبي”، والتي قالت إن هدفها هو المساهمة في فعاليات بغرض جلب تمويل لتأسيس وتشغيل مجمع رفح الطبي، كما أن بلدية رفح أعلنت تخصيص 52 دونماً من أراضٍ غرب المدينة لبناء المجمع عليها. ولكن كل تلك الحراكات والمطالبات والمظاهرات والجمعيات لم تضع حجراً واحداً في مستشفى للمدينة يخفف من النقص الحاد في احتياجاتها الطبية.
مضى اثنا عشر عاماً على اجتياح “قوس قزح”، وعامان على الحرب الإسرائيلية على غزة، وما زالت أصوات أهل المدينة ترتد إليهم، ومطالبهم لم تجد إلا عقولهم لتتردد فيها، لا أحد يسمع وما قيل لم يكن إلا قولاً والطريق إلى المشفى تطول، فقدان الجرحى وعذاباتهم قد يتكرر، وتشوه كرامة الشهداء مرةً أخرى قد يمرّ، ولا يزال أهل المدينة بلا مستشفى قادر على توفير الحد الأدنى من الرعاية الصحية لهم.
(غزّة)

السفير

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً