ربيع الإنحلال الأهلي … بقلم :عناية جابر

2013/02/08
Updated 2013/02/08 at 10:47 مساءً

 

07qpt990كلما تقدمنا في الوقت الثوري الحالي كلما ظهرت أمور لم تكن في حسباننا وفي أمانينا بالحرية والتحرر. جاء الربيع العربي ليفجر فينا أحلاماً كنا تعودنا طويلا ليس فقط على نسيانها بل على الإعتقاد بأنها صالحة لكل زمان ومكان إلا لبلادنا الجميلة. عدنا للأسف الى التعود على الحلم من جديد. أعادنا الربيع العربي ومشهد الشباب الذي يملأ الساحات والميادين الى كسر الإنكسار النفسي والإستعداد لتقبل التاريخ الذي كان نسي منذ زمن طويل أن يمر بنا كغيرنا من الأمم.
ومنذ اللحظة الأولى غضينا الطرف، عن قصد، عن الكثير مما تقوله تجارب الشعوب الأخرى في هذا المجال. لم نرد أن نعكر صفو اللحظة بمجموعة الاسئلة التي كانت تكدرنا. أقنعنا أنفسنا بأنفسنا بضرورة الاستثناء العربي في المجال الثوري. فالثورات ليست متشابهة أبداً همسنا في داخلنا. والأفكار الثورية التي تسبق الانتفاضات الشعبية وتمهد لها ليست بالضرورة ضرورة عربية. الرؤى المستقبلية سوف تأتي تباعا كما أقنعنا بنات أفكارنا. اكتفينا بشعار االشعب يريدب لا بناء الشيء العام بل اإسقاطب النظام. سامحنا الشعب سلفاً على ما يمكن أن تقترف يداه من إثم أثناء قيامه بالثورة، ذلك أن الثورات لا تولد إلا في االوحل والدمب وعلى أيد غير نظيفة كما رددنا في المساء في حجرات نومنا لكي ننسى أحياناً مجزرة هنا أو هناك.
قمنا وعن سابق تصور وتصميم بتجميع كافة اسئلتنا النقدية ورميناها في اول سلة مهملات حتى لا تعيق انفتاحنا الأعمى على هذه الثورات البكر في بلادنا العطشى للثورات والتغيير والتقدم. وكنا كلما واجهنا تدخلا أجنبياً ما في انتفاضاتنا بررناه بالطبيعي لقوى لها مصالحها لكن لا يمكن أن تؤثر من الآن فصاعداً على تحركنا الداخلي النازع الى التحرر. تناسينا عمداً سؤال أنفسنا والثورة عن محتوى التحرر الذي ننشده. ممن يريد االشعبب أن يتحرر ؟
ضمر كل منا، وعلى نحو غامض وغير واع، عدواً خاصاً به يريد أن يسقطه بواسطة االشعبب. وراح كل منا فيما بعد يسقط ما يتمنى على حركة االشعبب هذا دون أن يكلف نفسه عناء معرفة تكوين هذا الشعب الذي ايريدب. من فرط حاجتنا الى تحرك ما، أي تحرك، في مياهنا الراكدة رضخنا لمبدأ عدم التساؤل والغب من الأحداث كما تأتي. نبررها إذا انطوى ذلك على ضرورة معينة. ولاحظنا أن تبريراتنا أخذت منحى تصاعدياً كماً ونوعاً. فما كنا نعتبره خطأ أو حتى خطيئة صار واقعاً أو واقعياً أو تصرفاً سيئا ً لكنه مجرد رد فعل طبيعي. تصرفنا بخشوع شامل إزاء ما يجري وبكل احترام حتى كدنا نخشى على ثورتنا منا، من كلامنا الذي قد يحمل أحرفاً عالية أكثر من غيرها. الأحرف قد تقود الى خدش حياء الثورات فمحيناها.
وبعد انتصار بعض الثورات ونجاحها بإسقاط النظام واعتلاء السلطة اكتشفنا ما كنا نعرفه أن الشعب الذي ايريدب مؤلف من قوى وفئات متعددة وليس كلاً موحداً لا في بنيته ولا في أهدافه. وبعد الإنتصار وقعنا على قوى تريد أن تستأثر وحدها بالحكم ولا تقل استبداداً عما سبقها. لا بل رأينا أنها تشبه من سبقها كنقطتي ماء. فهي ليس فقط لا تريد اإسقاط النظامب بل تسعى بكل ما ملكت أيمانها الى تعزيزه وإعادة أنتاجه على نحو أكثر شمولية واقل خبرة وحيلة.
علينا ربما أن نعترف الآن بأن سكوتنا كان بدافع الحلم المستحيل. فالثورات عادة حركة تقدم المجتمعات وتغيير ما يعيق هذا التقدم الذي لا يمكن أن يتحقق بدون رؤية مستقبلية وإرادة واعية تسعى لتجسيد هذه الرؤية. والسعي هذا، لدى الأفراد كما الشعوب، بحاجة الى خطط وتنظيم وافكار ومشاريع تنسق الأدوات والإمكانيات المتوافرة الضامنة لنجاحه. لقد تبين مرة جديدة أن القوانين هذه قوانين كونية لا يمكن لثوراتنا ان تشذ عنها.
نعم قد تكون شعوبنا مختلفة وطرقنا ومناهجنا مختلفة للوصول الى الهدف، لكنها لا يمكن ان تتقدم بدونها تماماً. لا يمكن شعوبنا ان تنجح بواسطة التكتم وعدم الإعداد التنظيمي والرؤيوي وغياب تحديد الأهداف والأعداء والأصدقاء سلفاً. لا يمكن التقدم بالسلب فقط وبـبالإسقاطب بل علينا معرفة ما نريد بناءه سلفاً وقبل الإسقاط.
اليوم وصلنا الى دول ثورية شبه فاشلة تلملم أذيال الخيبة وأعراض الضياع وضلال الطريق وامحاء الأهداف، ودول أخرى تغرق في احروب صغيرةب بين القرى والبلدات التي تتحول الى إمارات وجزر. دولٌ تعود الى الثورات من جديد لأن شبابها خابت آماله مما جرى، ودولٌ عربية اخرى تجرجر الإنحلال الى عناصر المجتمع الأولى من أهلية وما قبل دولتية. صرنا في مرحلة تحولت فيه كل جماعة قبلية الى دولة شبه مستقلة، من ليبيا الى اليمن مروراً بلبنان ووصولا الى العراق وسوريا.
علينا ربما اليوم أن نقف جميعاً وقفة تساؤل حول اسباب ما آل اليه الوضع من تفكك وانحلال. لم يعد يمكن السكوت والمتابعة بصمت. ليس من مصلحة اي ثورة أن نداهنها وأن نخفي أخطاءها وخطاياها. ليس من مصلحتنا أن نسكت عن صمت الثورة وتقدمها الأعمى. ليس من مصلحة الثورة الحقة ولا من مصلحة الثوار ولا من مصلحة المواطنين أن يُتركوا بلا أفق واضح وبلا أهداف ملموسة وبلا ترسيمة مستقبلية تعبيء العامة، لمصلحة لهم فيها، من اجل تحقيقها والنضال من اجلها.
المستقبل يصنع اليوم وكل ما أرجوه ألا يكون ما تقع عيناي عليه اليوم هو صورته. كل ما أرجوه هو أن يكون ما أرى خطأ فيّ وفي ناظري.

القدس العربي.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً