آخر المستجدات «الأردنية» في جنوب سوريا: الجنرال سليماني «يتغلغل» ومظاهر «التشيع» تتنامى

2017/12/17
Updated 2017/12/17 at 8:41 صباحًا


عمان ـ «القدس العربي»: لا يُبدّل وزير الخارجية الأردني بالوقائع على الأرض وهو يكرّر التحذير من أن بلاده لا تريد اقتراب ما يصفه بالميليشيات الطائفية جنوب سوريا من حدود الأردن.
الوقائع على الأرض فيما يبدو لا تتغير رغم صراخ الوزير الصفدي عدة مرات دبلوماسيًا، محذرًا، حيث باتت مؤسسات أردنية معنية بالأمن السياسي والحدودي مع سوريا، على قناعة اليوم أن الطرف المقابل لها جنوب سوريا، الذي يتحكم بالواقع الجغرافي لم يعد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولا حتى الصديق الروسي الضامن، بل هو حصريًا الجنرال الإيراني قاسم سليماني الذي يعزز نفوذه بالقرب من حدود الأردن الشمالية بشكل مُقلق ولافت جدا للنظر.
تُدرك غرفة القرار الأردني هذه الأيام عبثية الرهانات على مناطق آمنة عازلة في جنوب سوريا، وأيضا على وجود شركاء حقيقيين للطرف المقابل، بعيدًا عن الأجندة الإيرانية التي يُحاول الأردن عبثًا الابتعاد عنها، وقدر الإمكان مرة لمصلحة التزام معايير الحليف السعودي، ومرة أخرى لمصلحة تجنب شروط أو المزيد من شروط الجار الإسرائيلي الساعي بدوره إلى تأزيم عسكري في المنطقة.
خلافا لما يفعله السعوديون والإماراتيون، بدفع مليارات الدولارات للحد من النفوذ الإيراني في لبنان والبحرين واليمن، لا تجد عمّان فرصة مُنصفة لها مع هذه الأطراف الثرية حتى وهي تلعب دورا متقدما في اتهام إيران بالسعي للهيمنة والتدخل في شؤون الدول العربية.
قالها العام الماضي في وقت مبكر السياسي الأردني المخضرم رئيس الوزراء الأسبق عبد الكريم الكباريتي، عندما حذّر في لقاء مغلق من اتجاهات البوصلة الخليجية والسعودية، لافتا النظر إلى أن حدود بلاده اليوم مع بلدين مهمين في الجوار؛ هما سوريا والعراق في أيدي الإيرانيين.
الكباريتي كان يَلفت النظر آنذاك إلى ضرورة الانفتاح ولو قليلًا على إيران التي تتحكم عمليًا بمصالح بلاده التجارية والحدودية مع سوريا والعراق.
بوضوح شديد تجاهلت المؤسسات العميقة آنذاك ملحوظة رجل سياسي مخضرم من وزن الكباريتي، فقد كان الاجتهاد الأمني على الأقل في عهد الجنرال فيصل الشوبكي يبالغ في تصورات التحكم والسيطرة على الإيقاع جنوب سوريا. اليوم لا يُخفي كبار المسؤولين ــ في الأردن شعورهم ــ بتحرج الأزمة في الواقع الموضوعي عند خاصرتهم الشمالية.
معطيات ومعلومات مثيرة في هذا الصدد تمكنت «القدس العربي» من الاطلاع عليها خصوصًا وقد ألمح رئيس الديوان الملِكِي الدكتور فايز الطراونة إلى وجود ارتباك في التعاطي مع تداعيات المسألة السورية في أحد اجتماعاته، مظهرا الانزعاج من التعامل الروسي بنظام القطعة مع المصالح الحيوية الأردنية.
في الوقت نفسه، تزور رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي عمّان مرتين في غضون أشهر قليلة، لتبحث عن حصة بلادها في كعكة إعادة الإعمار في سوريا في منطقة درعا والجنوب، الأمر الذي يدفعها للتفاهم مع الأردنيين قدر الإمكان أملًا في استثمار المساحة اللوجستية والخبرة الأردنية مقابل نقلة نوعية في مستوى التنسيق والتواصل الاستراتيجي والأمني حصلت بين عمّان ولندن في الأسابيع القليلة الماضية.
الوقائع تتغير بسرعة على الأرض، في جنوب سوريا، مقابل شمال الأردن، فقوات الحشد الشيعي وحزب الله تتقدم وتزحف وتتغلغل ببطء شديد وبعمق في القرى والنواحي في منطقة درعا وبعض أطراف بادية الشام الجنوبية، ومع الإمكانات العسكرية التي بين يديها ووجود مال كثير أصبح الجنرال سليماني هو المتحكم الأكبر في المنطقة من الناحية العملية.
حصل ذلك بعدما ترك الأمريكيون ومعهم دول الخليج وعلى رأسها السعودية الأردن وحيدا في المسألة الحدودية.
شعور الأردنيين بالوحدة زاد الأعباء الأمنية، ودفعهم للتمسك بسيناريو خفض التوتر المبرمج مع موسكو وهو سيناريو يرى خبراء أردنيون أنه أصبح في بعض تفصيلاته يشكل عبئا على المصالح الأردنية الواقعية.
رئيس مجلس النواب السابق الخبير في ملف سوريا سعد هايل السرور، أحد الذين يتمترسون في منطقة التحذير الدائم، مما يحصل من وقائع على الأرض، وعلى هامش نقاش مع «القدس العربي» يجدد القناعة بأن التفاهمات مع الضامن الروسي قد لا تكون كافية، لأن البوصلة الاجتماعية والأمنية متحركة وحمالة أوجه، ولا تحتمل الثبات عند تكتيك محدد، الأمر الذي يستوجب الاستمرار في الحذر والمراقبة بشكل أكثر صرامة.
في هذا الاتجاه ثمة معطيات على الأرض تبدّلت ولا يمكن اسقاطها من المشهد أو تحليل المعطيات.
وهي معطيات تتحدث عنها تقارير معمقة واستخبارية تقدمها لجان المتابعة للملف السوري في مركز عمليات يتبع السفارة الأمريكية في عمّان، كما تقدمها جهات صديقة للأردنيين، ولمصالحهم ترى أن واشنطن وموسكو أخرجتاها من لعبة المصالح خصوصّا في مشروعات إعادة الإعمار مثل بريطانيا وألمانيا وهولندا وبدرجة أقل فرنسا.
التقارير عميقة الخلفية تتحدث اليوم عن تغلغل لا يمكن إنكاره للجنرال سليماني وقوات الحشد الشيعي في عمق المعادلة الاجتماعية في أطراف محافظة درعا التي كانت شخصيات أردنية قد احترفت ترويج الوهم عبر المبالغة في الحديث عن خبرات وقدرات الأردن في منطقة درعا تحديدا.
وهي خبرات تقول التقارير اليوم إنها تراجعت لعدة أسباب، حيث تقلص النفوذ الأردني مع الشرائح والعشائر في جنوب سوريا، كما لم يحصل في أي وقت في الماضي، إما بسبب اجتهادات أمنية خطأ، أو بسبب صراع سابق بين المؤسسات الأردنية نفسها، أو لخلاف في وجهات النظر أو بسبب الغياب التام للوجود الأمريكي والمال السعودي عن الواجهة والمنطقة.
في التقويم الأردني، ثمة مؤشرات حيوية على كمون تكتيكي مريب جدا لجبهة النصرة المتوارية تماما عن الأنظار، وعلى حالة تشتت غير مسبوقة دخل فيها حليف الأردن الأهم سابقًا في مؤسسات ما سمي منذ عام 2011 بالجيش السوري الحر.
الجيش السوري الحر انقسم إلى ثلاث مجموعات اليوم، الأولى؛ تحولت عبر بعض قادته إلى مجموعات مسلحة منفلتة تتاجر بالحرب وتبيع وتشتري كل شيء بما فيه السلاح والمخدرات.
والمجموعة الثانية؛ بدأت تتفاعل بالقطعة مع نفوذ الجنرال سليماني في المنطقة، أما المجموعة الثالثة؛ تضم محترفين عسكريين ما زالت ملتزمة بخطابها لكن أعدادها تقل ونفوذها ينحصر، وهو الأمر المخيف جدا للأردنيين في خلفية المشهد.
بعض قادة الجيش الحر تحولوا فعلًا إلى أمراء حرب، والعديد من العناصر ضبطوا في حالات خطف وابتزاز مالي، وثمة ظاهرة جديدة غير مسبوقة برزت مؤخرا، حيث ازداد عدد المتشيعين دينيا من المواطنين أو حتى العناصر في الجيش الحر، بمن في ذلك العشرات من الدروز المنقسمين بدورهم بعد تراخي التواصل الأردني والعربي معهم، بين أجندة إسرائيلية وأخرى لبنانية وثالثة تغازل النظام السوري.
هذا الوضع ينطوي على مستجدات حساسة ويتدحرج اليوم في عمق خاصرة الحدود الأردنية السورية، ويشكل انتكاسة كبيرة على شكل مخاوف مربكة وذات بعد أمني وسياسي.

Share this Article