حكومة البرنامج الوطني بقلم :رجب أبو سرية

2019/02/05
Updated 2019/02/05 at 10:17 صباحًا


بعض من «المستوزرين» ما أن بدأت المشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة، حتى بدؤوا في بث «الإشاعات» حول أسمائهم المرشحة للتشكيل الحكومي، في حين إن معيار اختيار الأسماء مختلف هذه المرة عن المرات السابقة، حيث إن الحكومة القادمة ستكون أشبه باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبتقديرنا أيضا، فإن قرار تشكيل حكومة (م ت ف) سيكون حقيقياً وسيأخذ طريقه إلى الواقع، في حين إن قرار إجراء الانتخابات العامة، بعد إعلان حل المجلس التشريعي الثاني، لن يجد _على الأقل في المدى المنظور_ طريقاً معبداً أو مساراً سهلاً أو حتى ممكناً لتحقيقه.
وحتى يمكن لنا أن نقترب من طبيعة التشكيلة الحكومية المقبلة، فإنه لا بد لنا أن نتابع مشاورات حركة فتح مع فصائل (م ت ف) لنقف عند الفصائل التي ستوافق على المشاركة، والتي ستكون في معظمها ممثلة بعضو لكل فصيل، إلا ما ندر، في حين ستتولى حركة فتح أغلب المقاعد الوزارية، وهذا تشكيل يعيد إلى الأذهان ما كان الراحل ياسر عرفات قد بدأ به عهده مع السلطة في عام 1994، ثم أخذ بعين الاعتبار لاحقاً نتائج انتخابات المجلس التشريعي الأول الذي تشكل عام 1996.
وبتقديرنا أن موقف فصائل (م ت ف) لن يختلف إزاء التشكيل الحكومي عما كان عليه إزاء انعقاد المجلس المركزي قبل عدة أشهر، فالفصائل التي شاركت في المجلس الوطني ثم المركزي، من الطبيعي أن تشارك في هذه الحكومة، فيما الفصائل التي لم تشارك في المجلس المركزي لن تشارك على الأرجح في التشكيل الحكومي القادم.
حتى الآن، أعلنت كل من جبهة التحرير العربية وجبهة النضال، وجبهة التحرير الفلسطينية مشاركتها، فيما أعلنت كل من الشعبية والديمقراطية عدم المشاركة، فيما يتبقى كل من حزب الشعب وفدا، يقلّبان الأمر، وهذا يعني بأن مربع اليسار منقسم على ذاته، وإن كان رفض مشاركة الجبهتين، الشعبية والديمقراطية يعتبر تقليلا من الوزن السياسي للتشكيل الحكومي، فإن مشاركة فدا وحزب الشعب تضيف إليه مكانة مهمة ووزنا لا بأس به.
بعد ذلك ستقوم الفصائل المشاركة بتحديد ممثليها في الحكومة، في حين يبقى الأهم هو ما ستتوافق عليه حركة فتح حول ممثليها في التشكيل الحكومي، وهكذا فإن الطريق إلى تشكيل حكومة (م ت ف) يعتبر إلى حد كبير طريقاً سالكاً وممكناً، ومن المتوقع جدا أن يجد نهايته السعيدة.
طبعا السؤال المهم هنا، هو هل ستبقي حركة فتح على موقفها من عدم تولي أعضاء مركزيتها المناصب الأولى في حكومة السلطة، أم أنها ستضع من لم يتولّ مناصب في اللجنة التنفيذية، أو من تولى مهمات قيادية في الحركة في المجلس الوزاري، وبتقديرنا، فإن الحركة ستذهب في هذا الاتجاه، أي أن يتولى أعضاء في مركزيتها، مناصب وزارية، ما دام الأمناء العامون للفصائل، يجلسون على تلك المقاعد.
كذلك، لا أحد يعرف بالضبط من سيتولى منصب رئيس الحكومة، خاصة وان الاعتبار الأساسي هنا، لن تكون له علاقة بمن هم خارج الدائرة الوطنية، أي لن تؤخذ بعين الاعتبار ردود فعل الآخرين عرباً كانوا أو غيرهم، وهل بهذا المعنى سيكون من الأنسب أن يتولى مستقلٌ المنصب الرفيع، أم أنه من أجل استكمال الصورة والطابع والمهمة السياسية الملقاة على عاتق الحكومة، إلى جانب الرئيس بالطبع _حيث من المستبعد أن يفكر الرئيس بتولي المنصب بنفسه_ من الأفضل أن يتولى المهمة قائد وطني أو مناضل بارز . لذا فإننا نرجح أن يتولى المهمة قائد فتحاوي، مشهود له بالخبرة السياسية وكذلك القدرة على توجيه الحكومة بالوجهة السياسية، لأن مهمتها ستكون سياسية أكثر منها خدمية، لذا لن يكون هناك حديث هذه المرة عن التكنوقراط أو المستقلين، وفي أقل التقديرات يمكن أن يكون مستقلاً، لكن بسجل شخصي كفاحي.
المهم أيضا هنا، بأن تشكيل الحكومة أنما هو موجه لكل من إسرائيل والولايات المتحدة، والهدف منها هو التصدي لصفقة العصر، ولما يمكن أن يحل مكانها من حلول إسرائيلية أحادية الجانب، ولا يعتبر تشكيلها ولا بأي حال من الأحوال مساسا أو تعطيلا لملف المصالحة، ذلك أن موقف حماس من حكومة التوافق لم يتغير عن موقفها من الحكومات التي سبقتها، ولم تقم بتمكين الحكومة التي تشكلت بالتوافق معها في غزة، لذا فإن الأمر سيكون سيان مع هذه الحكومة، ولذا أيضا فإن تشكيل الحكومة يعني بأن من هم خارج إطار (م ت ف) ومن لا يقبلون بالبرنامج الوطني، لا يحق لهم أن يشاركوا من الأصل في الحكومة الفلسطينية، وهم بأنفسهم الذين يرفضون هذه المشاركة .
إن تشكيل حكومة للسلطة الفلسطينية من فصائل (م ت ف) من أجل تحقيق برنامج المنظمة، يعتبر حدثاً حاسماً وتاريخياً حتى، ذلك أنه في الوقت الذي لم تعلن فيه المنظمة عن إلغاء اتفاقات أوسلو، من أجل الحفاظ على المكتسبات التي تحققت بعد انتفاضة العام 1987، تجيء هذه الخطوة لتعديل المسار السياسي للحكومة، فحيث كانت الحكومات السابقة تتشكل على قاعدة أوسلو، بهدف الالتزام ببنود الاتفاقية، وكانت تعرض على مجلس تشريعي منتخب وفق أسس «أوسلو» فإن حكومة الفصائل ستكون ملتزمة ببرنامج المنظمة، وربما تعرض على المجلس المركزي من أجل نيل الثقة، بما يؤكد بأن القيادة الفلسطينية تذهب إلى أن يستمد الهيكل الحكومي شرعيته من البرنامج الوطني وليس من الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل .
وهكذا أيضا سيعني ذلك إعادة هيكلة وإعادة ترتيب وظائف كل الوزارات والمؤسسات الحكومية على أساس كفاحي وطني، بما في ذلك الأجهزة الأمنية، التي عبر هذه الحكومة ستتبدد بالتدريج مهمتها في التنسيق الأمني لصالح مهماتها الوطنية الأخرى المتمثلة، بحماية الشعب الفلسطيني من المؤامرات ومن التدخل وحتى من الاجتياح الإسرائيلي أو ملاحقات الشين بيت وغيره للمواطنين الفلسطينيين في مناطق ولاية السلطة.
هذا عملياً ترجمة فعلية وحقيقية للتحلل من التزامات أوسلو تجاه إسرائيل وتعزيز لمكتسبات الكفاح الوطني، حيث لن يمر وقت طويل حتى يدرك الجميع بأن حكومة وطنية قادمة ستقود الواقع الفلسطيني إلى مربع ترسيخ الواقع التحرري وإنشاء قاعدة الاستقلال على الأرض.

Share this Article