العودة الى فكرة المناطق المدارة …مركز دراسات الأمن القومي الاسرائيلي

2014/11/02
Updated 2014/11/02 at 10:11 صباحًا

thumb

يصعب القول ان الحكومات الاسرائيلية الأخيرة كان لها سياسة طليقة واضحة بشأن الصراع مع الفلسطينيين، وخصوصاً في بعده الديموغرافي، سواء على المستوى الاعلامي أو على مستوى الاجراءات التي تتسم بعدم التناسق، لذلك فإن من الصعب حتى تنفيذ “هندسة مقلوبة” تحرر السياسة من العنقود الاعلامي والعملاني.

التدحرج من غير تحديد أهداف واضحة ممكنة على مدى زمني محدد ربما على أساس إدارة الصراع وليس حل الصراع، ولكن من غير الواضح إذا كان من الممكن المواصلة على هذا النحو لمدة طويلة، فإن أحداث مثل عملية “الجرف الصامد” تستدعي تحديد هدف نهائي فيما يخص السلطة الفلسطينية؛ هدف نهائي يكون بمثابة المنارة التي على ضوئها تقوم بعمليات مثل “الجرف الصامد” خطوات الفلسطينيين وجهات أخرى في المجتمع الدولي لتدويل الصراع قد تضطر إسرائيل الى الحسم بشأن سياستها، وبناءً عليه فربما اقترب موعد اضطرار اسرائيل الاعلان عن سياسة واضحة في الشأن الفلسطيني.

 في هذا المقال نقترح مثل هذه السياسة، والتي تنبع منطقيتها من محدودية فرص التحرك العملي وجدواه، وليس انطلاقاً من أيديولوجيا أي كانت، وفي الواقع فإن القيد الدبلوماسي الدولي من ناحية والقيود الامنية الاستراتيجية من ناحية أخرى تجعل الافق أمام السياسة الإسرائيلية ضيقاً جداً.

القيد الدبلوماسي الدولي

مطالبة المجتمع الدولي بإقامة الدولة الفلسطينية تسير باتجاه الحسم، والثمن الذي تدفعه اسرائيل بسبب انعدام الترتيب نحو إقامة الدولة الفلسطينية يزداد ضراوة، ومن بين جميع السياسات الاسرائيلية تجاه الصراع وطريقة حله فإن الأصعب هو الاستنكار الذي يُظهر المعارضة الدولية الشديدة الغير مسبوقة، والذي سببه مواصلة الاستيطان بمستوياته الحالية، أصدقاء اسرائيل في العالم يمكنهم التسليم بأعمال اسرائيل التي تتعارض مع نظرتهم (مثل عمليات الردع العسكرية أو الأضرار الجانبية الناتجة عن العمليات العسكرية) طالما بدى لهم ان اسرائيل تُقدر ان الأمر ضروري لأمنها، غير ان أصدقاء اسرائيل المقربين أيضاً لا يمكنهم التسليم  بتوسيع الاستيطان الذي يحبط امكانية ترتيب سياسي مستقبلي مع الفلسطينيين، والذي يُفسر أيضاً على انه جزء من أسباب كون النزاع السياسي بين اسرائيل والفلسطينيين يتحول الى المواجهات العنيفة المتبادلة.

أحد العناصر الأساسية لفشل السياسة الاسرائيلية هو العنف الزائد، تجربة الدفاع عن المصالح الاقليمية أو المواقع، ورغم الثمن المرتفع الذي ندفعه في سبيل ذلك، المصنع الاستيطاني أو على الأقل الجزء العقائدي منه من شأنه ان يصبح عائق العنف الزائد الإسرائيلي، وقد تضطر اسرائيل بسببه دفع ثمناً باهظاً في علاقاتها مع شركائها في العالم، قد نجد تبريراً فيما يتعلق بالدفاع عن المصالح الأمنية الضرورية، ولكن ليس تبريراً للدفاع عن نظرة عقائدية تعاني من مشكلة عدم الشرعية.

من هنا يأتي الزعم المتعلق بسياسة اسرائيل تجاه الفلسطينيين؛ الترتيب النهائي للصراع يجب تنفيذه على مستوى ثنائي مع الفلسطينيين طبعاً، ولكن وفي هذه المرحلة على اسرائيل ان تتصرف بالشأن الفلسطيني على نحو يزيل العوائق من وجه العلاقات مع شركائها الاستراتيجيين والاقتصاديين في العالم، وفي حال وجود صعوبة في التوصل الى حل عملي مع الفلسطينيين فإن من المؤكد ان السياسات الاسرائيلية يجب ان تبدو منطقية وصادقة على الأقل في عيون شركائها الدوليين، ان مبادرة اسرائيلية لترتيب مرحلي أو نهائي توضع على جدول الاعمال لا تغير بالضرورة الواقع الثنائي على مستوى الصراع، ولكنه يمنح اسرائيل المزيد من الوقت وفرصة لتحسين علاقاتها مع شركائها في العالم.

القيد الامني الاستراتيجي

شبكة القيود المضادة تنبع من عالم الامن الاستراتيجي، وهو المكون الأساس للساحة الإقليمية، وهو التحدي أمام الرأي القائل بالدولة العربية القومية من قبل قوى تحت أرضية معادية للدبلوماسية، وغالبية دول الجامعة العربية (مع التركيز على تلك الدول التي أقيمت نتيجة لاتفاقية سايكس وبيكو) تنهار أو على الأقل تواجه هذا التحدي.

الساحة الفلسطينية المتمثلة بسلطة فلسطينية تقودها فتح تعاني من مسالة الشرعية الآخذة بالتصاعد بسبب كونها فاسدة من بين أسباب أخرى كثيرة، إذا أنهت اسرائيل تواجدها العسكري في الضفة الغربية فإن النتيجة قد تكون سيطرة حماس على السلطة المتفوقة عسكرياً على فتح (والأكثر سخرية ان سلطة فتح في الضفة الغربية ولحد كبير تقوم بمساعدة الجيش الإسرائيلي) والاعتقاد ان بالإمكان تخطي عواصف الخريف العربي التي تفكك دول القومية  في المساحة ما بين العراق وليبيا، وما بين اليمن وحتى سوريا، ورزم فتح وحماس والجهاد الاسلامي الفلسطيني في إطار دولة جديدة مستقرة تؤمن بالسلام تبدو عملية عاطفية، وليس نتيجة تفكير سياسي استراتيجي عملي من أي نوع.

وأكثر من ذلك فإن التجربة المكتسبة تؤسس للزعم بأنه وفي وقت السلام فإن على اسرائيل ان تحتفظ لنفسها بالقدرة على الدفاع عن نفسها والعمل على زيادة التواجد العسكري في غور الأردن وحرية القيام بإحباط العمليات العسكرية في الضفة الغربية، تجربة “الجرف الصامد” (في مجالات مثل الأنفاق والسلاح الصاروخي) ينضم الى تجربات سابقة، والذي يؤسس للزعم بأنه هناك تهديدات عسكرية منذ ان نشأت لم يتمكن أحد من انتزاعها بثمن معقول، ولذلك فإن فقدان التواجد الاسرائيلي العسكري القادر على إحباط العمليات العسكرية في غزة أتاحت خلق تهديد عسكري يتعارض مع  مفهوم الأمن التقليدي لإسرائيل (التواجد العسكري التهديدي بين البحر ونهر الأردن)، في العمليات العسكرية الثلاثة التي نفذت في غزة ما بين الاعوام 2009-2014 تنازلت اسرائيل عن ازالة التهديد لحسابات متعلقة بثمن ذلك، وفي الواقع فإنها سلمت بالتعامل تحت ظله.

ومن هنا فإن الاستراتيجية الاسرائيلية المستقبلية يجب ان ترتكز على المنع (في حال الحاجة للعمل بشكل أحادي) من تشكل تهديدات بين البحر ونهر الأردن، وليس بالمخاطرة الى حين تشكل تلك التهديدات العسكرية، ومن ثم مواجهتها، والرأي القائل بالتنازل عن التواجد العسكري في البقاع وعن حرية إحباط العمليات في الضفة، وإذا نشأ تهديد عسكري آني فإن لإسرائيل الحق بإزالته وبثمن معقول يبدو رأياً عاطفياً أكثر منه ناتج تحليل مبني على تجربة واقعية.

منذ بدء عملية أوسلو قبل 21 عام حمت اسرائيل حكومات تحمل وجهات نظر مختلفة (برئاسة شمعون بيريس واسحاق رابين وايهود اولمرت وايهود باراك وأريئيل شارون وبنيامين نتنياهو)، ولكن سواء الأربعة عمليات العسكرية الكبرى (السور الواقي وحتى الجرف الصامد) أو اقتراحات السلام طويلة الأمد (كامب ديفيد وطابا وانابوليس) جميع ذلك لم يقترب من خلق ظروف مواتية لخلق وضع نهائي مستقر.

من الصعب تجاهل التجارب المتراكمة، لذلك من الصعب الركون الى الزعم بأن العملية السياسية المقبلة مهما كانت هي التي ستأتي بالاستقرار للمنظومة السياسية مع الفلسطينيين والدفاع عن المصالح الحيوية لإسرائيل على المدى البعيد.

السياسات المقترحة

بناءً على كل ما سبق؛ تقرر بأن السياسة الاسرائيلية العملانية الى الآن يجب ان تتضمن المركبات الخمسة الآتية:

1. تحديد هدف سياسي طويل الأمد لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة على جزء معتبر من مناطق الضفة الغربية وجميع مناطق القطاع.

2. توفير المصداقية لتحقيق الهدف السياسي المرتجى عن طريق وقف أحادي الجانب للنشاطات الاستيطانية الأيديولوجية التي من شأنها ان تفشل إمكانية تحقيق هذا الهدف.

3.  الاعتراف أن هدف السياسة البعيدة الأمد غير قابل للتحقق الفوري في الواقع القائم على الساحة الفلسطينية والإقليمية.

4. الاصرار على أنه وفي وقت يتحقق السلام أيضاً فإن على اسرائيل ان تواصل تواجدها العسكري في غور الأردن، وبحرية التدخل العسكري على مدى المساحة ما بين البحر الى نهر الأردن ولمدة طويلة (عشرات السنين).

5. محاولة بلورة المجتمع الدولي، وبالتعاون مع إسرائيل، حلولاً مؤقتة مختلفة مهما كانت فرص نجاحها ضئيلة أو لا شريطة ان يكون ثمن المبادرة ونتائج فشلها معقولاً.

والى حد كبير فإن السياسة المقترحة التي ترتكز على الرأي القائل بالاحتلال العسكري مؤقت ولكن طويل الأمد الى حين ان يمكن الواقع الأمن السياسي من التصرف بطريقة أخرى ودون استخدامهما بطريقة أيديولوجية أو أي شيء آخر من شأنه ان يفشل الترتيبات المستقبلية.

 

أطلس للدراسات / ترجمة خاصة

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً