أزمات بلا حدود، مفسدون متهورون، وأوصياء عاجزون

2016/02/16
Updated 2016/02/16 at 10:17 صباحًا

index
ميونخ- من الممكن أن النظام العالمي يعيش الآن أسوأ أحواله منذ نهاية الحرب الباردة. ويشعر أولئك الذين يحاولون حفظ السلام بالارتباك وانعدام الأمل في وجه الأزمات التي لا تنتهي وفي وجه مفسدين متهورين. وقد أمل اجتماع قادة العالم في ألمانيا لحضور مؤتمر ميونخ الثاني والخمسين للأمن العثور على طرق لحل بعض المسائل الخطيرة للغاية.
في واقع الأمر، حملت السنة الماضية بعض الأخبار الطيبة. فقد أدت الجهود الدبلوماسية الحثيثة إلى حصول اختراقين يمكن أن يقودا إلى أبعاد إيجابية بعيدة المدى: الصفقة المتعلقة ببرنامج إيران النووي؛ واتفاقية باريس للمناخ. ولكن بقية الصورة ظلت تبعث على الكآبة.
لقد أصبحت الأزمات الكبيرة اليوم تتجاوز، بل حتى أنها تشكك بالحدود الدولية. ولم تفضِ الحروب الجارية في سورية والعراق إلى تفكك النظام السياسي للشرق الأوسط فحسب، بل أدت كذلك إلى جعل أوروبا تصارع من أجل إيجاد حل مشترك لتدفق اللاجئين. ولم يحدث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أن تم تشريد هذا العدد الكبير من الناس من ديارهم.
يلخص الوضع في الشرق الأوسط كيف يمكن أن يمتد تأثير الصراع إلى مناطق بعيدة عن أرض المعركة. ولم يعد الصراع الدائر في سورية منذ فترة طويلة مجرد حرب أهلية، وإنما أصبح أزمة إقليمية كاملة. وقد أثبت تنظيم “الدولة الإسلامية” -بقاعدته الإقليمية وحضوره العدواني على الإنترنت، وشبكته الدولية من المقاتلين، بما في ذلك أتباعه في أوروبا- أنه تنظيم عالمي بحق.
وليست التوقعات المستقبلية في أماكن أخرى أكثر إشراقاً. فقد انهارت الدولة في ليبيا ومالي وأفغانستان، أو أنها أصبحت عرضة لخطر الانهيار. ولا يمكن أن تكون العلاقات بين إيران والسعودية أسوأ مما هي الآن -باستثناء غياب المواجهة العسكرية المباشرة. كما زادت التوترات بين تركيا وروسيا بدرجة كبيرة. وبالنسبة للإنترنت، تقوم الحكومات والجهات الخاصة على حد سواء باستغلال ترابط العالم الحديث على نحو يهدد المعلومات الحساسة والبنية التحتية الحيوية في جميع أرجاء العالم.
بالإضافة إلى ذلك، وعوضاً عن “حلقة البلدان التي تحكم بشكل جيد” والتي تصورها الاتحاد الأوروبي ضمنا الأمنية لسنة 2003، أصبحت القارة محاطة بـ”حلقة من النار”. ويتعرض الأمن الأوروبي للتهديد مجدداً الآن؛ حيث زادت وتيرة النشاطات العسكرية، فيما ما تزال أزمة أوكرانيا من دون حل.
مع ذلك، يبدو أن الشخصيات السياسية الرئيسية تعتقد أنه يمكنها التعامل مع التحديات الانتقالية بقصر النظر على مستوى الأوطان. وسوف يؤدي هذا النهج غير المجدي فقط إلى أنصاف حلول أو ما هو أسوأ من ذلك. وقد استجابت بعض الحكومات لأزمة اللاجئين عن طريق انتهاج سياسات تؤثر سلباً على جاراتها، مما يجبر الدول المجاورة على تحمل معظم العبء. ونتيجة لذلك، أصبح العنصر الأساسي للتكامل الأوروبي -منطقة الشنغن بلا حدود- معرضاً للتهديد.
الآن، أصبح حتى المناصرين التقليديين لنظام عالمي ليبرالي مبني على أساس التعددية والقانون الدولي يشككون بقدرتهم على صنع الأحداث. ومع أن الادعاءات بتراجع الولايات المتحدة الأميركية على الساحة الدولية مبالغ بها على الأرجح، فإن هناك صراعين مهمين في السنوات الأخيرة –أوكرانيا وسورية- لم تلعب الولايات المتحدة الأميركية فيهما الدور الدبلوماسي البارز الذي كانت تلعبه بالماضي.
لقد أصيبت أوروبا بالشلل بسبب مشاكل رئيسية عدة: إجماع مهزوز على العقوبات ضد روسيا؛ واستمرار الأسئلة حول اليورو؛ وخطر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ وعودة بروز القومية غير الليبرالية والشعوبية. وإذا ظلت أوروبا تميل نحو الخلل الوظيفي، فإنها لن تتمكن من لعب دور مهم في المستقبل.
بينما تفشل الدول وتنهار الحكومات، يقوم الزعماء المارقون بملء فراغ السلطة. وفي أفغانستان، يقوض بروز طالبان مجدداً منجزات أكثر من عقد من التقدم. وفي أفريقيا والشرق الأوسط، يعيق الرجال الأقوياء محليا والمتطرفون الإسلاميون إقليمياً فرص التقدم نحو السلام، أو يطلقون العنان لمزيد من الصراعات.
في غضون ذلك، بدأت التوترات بين بعض أقوى بلدان العالم بالتصاعد. وتبدو روسيا تحت حكم الرئيس فلاديمير بوتين حريصة على أن تقدم نفسها كلاعب عالمي، حتى لو كان اقتصادها يعاني من عقوبات دولية ومن تراجع أسعار النفط ونقص التحديث. وكانت هناك إشارات قليلة على حدوث تقارب بين روسيا والغرب، ولكن الخلافات حول سورية أصبحت كبيرة، وخاصة بعد أن دعمت روسيا هجوم الحكومة السورية على أجزاء حلب التي يسيطر عليها الثوار، مما أدى إلى نهاية سريعة لجولة محادثات السلام الأخيرة في جنيف. كما أن فشل روسيا في تطبيق أجزاء كبيرة من اتفاقية مينسك في أوكرانيا يشكل نقطة خلاف جوهرية أخرى.
لقد بدأت الصين مؤخراً بالانخراط بشكل أكبر في القضايا الدولية. ولكن، وبدل أن تصبح مساهماً مسؤولاً في النظام العالمي الليبرالي، يبدو أنها اختارت التركيز على خلق هياكل حكم موازية يمكن أن تشكلها طبقاً لرغباتها. كما أن قيام الصين بتعزيز حضورها -خاصة في بحور الصين الشرقية والجنوبية- ما يزال يشكل مصدر قلق لجاراتها من الدول الصغيرة التي ترغب في حضور أميركي أقوى في المنطقة.
من المرجح أن ندخل الآن في مرحلة من تصاعد المخاطر والغموض والتحولات الأساسية -الدخول في حقبة عالمية أقل استقرارا. ويتوجب على القادة العالميين العمل معاً من أجل إعادة بناء النظام العالمي وتقوية الترتيبات المؤسساتية والحد من انتشار الفوضى.
ما يزال خطر وقوع حرب كبيرة بين الدول احتمالا بعيداً. ولكن، ولأول مرة منذ نهاية الحرب الباردة، لم يعد يمكن النظر إلى تصاعد العنف بين القوى الكبرى على أنه كابوس غير واقعي. ولو حصل ذلك، فإن التحديات التي تواجه العالم اليوم سوف تتضاءل مقارنة بما قد يحدث في تلك الحالة.
وولفغانغ إتشنغر.

*يعتمد من هذه المقالة على أساس مقال في تقرير أمن ميونخ لسنة 2016، والذي تم نشره بمناسبة مؤتمر ميونخ الثاني والخمسين للأمن.
*سفير ألمانيا السابق إلى الولايات المتحدة، وهو رئيس مؤتمر ميونخ للأمن وأستاذ سياسة الأمن والممارسة الدبلوماسية في كلية هيرتي للحكم في برلين.
*خاص بـ”الغد”، بالتعاون مع “بروجيكت سنديكيت”.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً