ليس بالأموال وحدها تقوم الأحزاب السياسية … بقلم :صالح القلاب

2016/02/29
Updated 2016/02/29 at 11:15 صباحًا

thumbgen5T3RN3YD

ضروري أنْ تُقَدَّم للأحزاب الأردنية الناشئة المساندة المالية التي نص عليها مشروع «النظام» الذي من المفترض أن يتم إقراره قريباً لكن يجب أن يكون معروفاً أنَّ الحزب وأي حزب هو بالأساس استجابة لحالة اجتماعية واستجابة أيضاً لمعطيات اقتصادية وثقافية فالمال وحده من غير الممكن أن يصنع حزباً وإلَّا لتمكَّن أحد الأغنياء الذي تتجاوز ثروته الملايين إلى المليارات من إنشاء أكبر حزب عرفته الكرة الأرضية .
ولذلك فإننا نجد أن حزب المحافظين في بريطانيا يختلف اجتماعياً «وطبقيّاً»  وبالتالي سياسيّاً عن حزب العمال البريطاني والحزب الليبرالي وهذا مع أن هناك إلى جانب هذه الأحزاب الرئيسية الثلاثة أحزاباً جهوية ومناطقية لا حصر لها من بينها أحزاب «راديكالية» كالحزب الاشتراكي الاسكتلندي الذي يتمسك بانفصال سكوتلاندا عن المملكة المتحدة وكأحزاب بريطانية أخرى تدعو إلى خروج بريطانيا من إطار الاتحاد الأوروبي الذي يواجه الآن أزمة طاحنة بعد تفاقم مشكلة اللاجئين السوريين وغير السوريين التي داهمت الدول الأوروبية الكبرى الغنية والمقتدرة .
والحقيقة أن هناك فروقاً أساسية بين أحزاب أوروبا وأحزاب الولايات المتحدة وأهمها الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي وبين الأحزاب الأوروبية وهذه الفروق لا تقتصر على القضايا الداخلية المتعلقة بالاقتصاد وبالأمور الاجتماعية والسياسية بل تتعداها إلى السياسات والقضايا الدولية وحيث, على سبيل المثال لا الحصر, يختلف موقف فرنسا عن موقف بريطانيا بالنسبة للقضية الفلسطينية وفقاً للحزب الحاكم إذْ أن سياسات الحزب الاشتراكي الفرنسي تختلف بالنسبة لهذه القضية عن سياسات حزب المحافظين الحاكم البريطاني وهذا ينطبق على أحزاب إيطاليا وألمانيا وأحزاب الدول الاسكندنافية كلها .
نحن في الوطن العربي لا نعرف أحزاباً كهذه الأحزاب حتى الآن فأحزاب لبنان العريقة الفاعلة, حيث اختفت الأحزاب اليسارية (الأممية) واختفت الأحزاب القومية, كلها أحزاب مذهبية وطائفية وأحزاب مصر لا تزال بدون أي ملامح واضحة وكذلك أحزاب العراق, التي بالإضافة إلى طائفية معظمها, إن ليس كلها, هي بدورها لا تزال بدون أي ملامح نهائية, أما بالنسبة للمغرب العربي فإن التجربة الحزبية أكثر نضوجاً ووضوحاً في المملكة المغربية وفي تونس وفي الجزائر وأيضاً حتى في موريتانيا التي شهدت وتشهد تعثرات كثيرة في هذا المجال .
أما في ما يتعلق بنا بالنسبة إلينا في المملكة الأردنية الهاشمية فإن قول الحقيقة يدفعنا إلى الاعتراف بأن التجربة المرة, منذ استئناف المسيرة الديموقراطية في عام 1989 وحتى الآن, تشعرنا بالإحباط ويجب ألَّا تشعرنا باليأس إذْ التخبط العشوائي ورغم كل هذه الأعوام الطويلة لا يزال مستمراً وإذْ أنَّ كل المحاولات السابقة واللاحقة قد أوصلت الشباب الأردنيين, وهذا هو الأهم, إلى القناعة بأنه لا أمل بكل هذه التشكيلات والتنظيمات «المايكروسكوبية».. وأنَّ المشكلة ربما تكمن في أنَّ المجتمع الأردني يرفض كل الصيغ الحزبية !!
وبالطبع فإنني لا أوافق لا على هذا الحكم ولا على هذا الاستنتاج والسبب هو أولاً أن الإنسان الأردني إنْ كان في المدينة أو القرية أو البادية «منغمسٌ» في الحياة السياسية من أسفل قدميه وحتى ذروة رأسه لكنه, أي هذا الإنسان لا يزال تراوده مخاوف كثيرة من الاقتراب من الأحزاب والحزبية بينما في المقابل أن معظم الذين يتصدرون المسيرة الحزبية المتعثرة يبحثون عن أتباعٍ لا عن حزبيين ويحاولون الاستجابة لنزعاتهم الزعامية وذلك في حين أن تَشكُّلُ الأحزاب وتشكيلها من المفترض أنْ يكون استجابة لحالات اجتماعية وطبقية واقتصادية وبالتالي سياسية تختلف عن بعضها بعضاً وواضحة كل الوضوح.. فالمال وحده لا «يصنع» أحزاباً سياسية فعلية .

عن الرأي الاردنية

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً