“المستعربون”… كيّ الوعي في “بيرزيت”!! بقلم: الدكتور أحمد جميل عزم

2018/03/11
Updated 2018/03/11 at 9:31 صباحًا


عندما زرت نابلس أول مرة، عام 1995، كنت تواقاً لرؤية حارة الياسمينة، التي قرأت عنها في رواية سحر خليفة. كان دليلي صديق أعرفه من الجامعة الأردنية. ولكن بدل الياسمينة، بدأ الجولة من صالون شعر، عليه يافطة حديدية صغيرة، لا تزيد مساحتها عن 60*50 سم، تحمل رسم فهد واسم الصالون (الفهد الأسود).
قال صديقي، هنا كان الشباب في يوم جمعة، بعضهم دخل للحلاقة في الصالون (الذي لم يكن هذا اسمه)، وبعضهم ظل في الخارج يراقبون الطرق، وأحدهم يقف على درج قريب. وكانت مجموعة نسوة ينزلن الدرج؛ منهن منقبة، تحمل طفلا، ولعبة، وسقطت لعبة الطفل، فانحنى الشاب يلتقطها ليعيدها لها، عندما انفتحت ملابس المتنكرين، وبدأ إطلاق النار. واستشهد شاب وأصيب آخر بالشلل.
كانت هذه القصة لنهاية الثمانينيات أو العام 1990 هي المرة الأولى التي سمع العالم فيها بوحدة المستعربين بشكل واسع.
ذات الوحدة، ضربت، يوم الثلاثاء الفائت في قلب جامعة بيرزيت الفلسطينية، في رام الله.
لا يبعد مقر مجلس طلبة الجامعة عن الباب الخارجي سوى عشرات الأمتار. وهناك يجلس عادة طلبة من الكتل الطلابية، الذين قرروا منذ سنوات عدم انفراد قوة بقيادة المجلس والطلاب، فالكتلة الفائزة بأكبر عدد مقاعد يكون منها الرئيس، وأكبر عدد في المجلس، ولكن الكتل الأخرى تُمثَل أيضاً، والكل يعمل معاً، ويتنافسون، في استقطاب وخدمة الطلاب.
دخلَ ما يبدو أنّهم ستة، تنكروا في زي طلبة أو صحفيين اختطفوا رئيس المجلس عمر الكسواني، بغطاء وحماية جنود مسلحين ظهروا في مدخل الجامعة.
نُفّذَت العملية في اليوم السابق ليوم المرأة الذي تحتفل وتعطل الجامعة به عادة.
بات مخيفاً التَعرُف على رئيس مجلس طلبة بيرزيت، ففي كل عام ترى شاباً مبتسماً ودوداً حيوياً، يَركض للدفاع عن حقوق الطلبة، ثم يختفي مُعتقَلاً.
أطلق في العام 2016 مسلسل تلفزيوني يسمى FAUDA، (فوضى). والمسلسل الإسرائيلي فاز بجوائز عدة إسرائيلياً، ونال تغطيات صحف عالمية. وموضوعه وحدة المستعربين هذه، وقد كتب جزأه الأول أحد أفراد المجموعة السابقين، ويدور هذا الجزء حول فلسطيني من قرية سلواد قرب رام الله، تطارده المجموعة، ومسؤول بحسب قصة المسلسل عن قتل 116 إسرائيليا.
في المسلسل تصوير للفلسطينيين كدمويين، ينقلب الفدائي فيهم إلى عميل، ثم يقتله من كانوا معه، دون أن يخلو العمل طبعاً من محاولة تقديم رسالة تبدو متوازنة بأنّ الفساد والخيانة والضعف والقوة موجودة في الطرفين. ولكن الأهم أنّ وحدة المستعربين لا تظهر وهي تدخل مخيماً لاعتقال أطفال أو جامعة لاعتقال ناشط طلابي، أو مظاهرة لقتل أو اعتقال شاب يرمي حجرا، مع أنّ هذه هي مهمة الوحدة في الأعوام الأخيرة. بل يظهر للعالم الخارجي أن هدفهم مطاردا قتل 116 شخصاً.
في مخيم عايدة، في بيت لحم، استفز الجنود الأطفال فرد هؤلاء برمي حجارة، ليجدوا مستعربين بلباس مدني يحملونهم للمعتقل. وفي مظاهرات وجد الشبان أشخاصا ممن يتظاهرون معهم يرفعون مسدساً ويعتقلونهم. تماماً مثلما فوجئت طالبات وطلاب عُزل بمسدسات تظهر فجأة ممن يبدون طلاباً أو شباناً يافعين وجنوداً بكامل عتادهم يأتون للتغطية عليهم.
تقول طالبة في الجامعة، ليس عمر الكسواني وحده المستهدف، بل “الكل، خرق فكرة الحرم الجامعي، ضرب صورة الحركة الطلابية، إظهار أن هناك اختراقا هائلا”.
عندما حاول قائد الجيش الإسرائيلي موشيه يعالون تنفيذ خطته “كي الوعي” في انتفاضة الأقصى، كان يريد القول إنّ كم العنف والقسوة التي سيواجهها الفلسطينيون ستردعهم عن التفكير بالمقاومة سبيلاً. وفشلت خطته وظلت موجات المقاومة تظهر، خصوصاً عبر الشباب، والآن هذا الاستهداف المكثف للمدنيين اليافعين على يد وحدات المستعربين، هدفه كي الوعي بطريقة أخرى. أن يشكّ المتظاهر بمن بجانبه، وتشك الطالبة بالطالب الجالس أو السائر في الحرم الجامعي، وأن يضع الطالب عينه بالأرض ذليلاً بعد اتهام البعض له بأنه لم يدافع عن نفسه، وأنّه “ليس رجلاً”. وأن يعيش الطفل كوابيس أنّ الرجل السائر بجانبه سيتحول لوحش ينتشله ويرسله للمجهول. وأن يسألوا أكثر: لماذا لا تحميني الشرطة الفلسطينية؟!

Share this Article