تحاشى فرض عقوبات: تنديد دولي لفظي يدين انتهاك إسرائيل الصارخ لاتفاقية الامتيازات والحصانات الخاصة بالأمم المتحدة
تقرير – نائل موسى /في استخفاف سافر بالمجتمع الدولي، وانتهاك لاتفاقات والالتزامات حكومة الاحتلال الاسرائيلي إزاء المنظمة الأممية، أقدمت حكومة نتنياهو على اقتحام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” في حي الشيخ جراح بمدينة القدس المحتلة، وازالت علم الامم المتحدة عنه ورفعت علم الاحتلال مكانه في خطوة رمزية خطيرة غير المسبوقة قوبلت برفض عالمي اقتصر حتى الان على نديد لفظي تحشى اتخاذ إجراءات عقابية.
وجاء الاقتحام، بعد يومين من تمديد الجمعية العامة للأمم المتحدة تفويض الأونروا، التي تأسست عام 1949، لثلاث سنوات أخرى بأغلبية ساحقة في هزيمة جديدة للاحتلال ومخططاته، ما يمثل تحديا جديدا للمنظومة الدولية برمتها.
فقد اقدمت شرطة الاحتلال على اقتحام المقر المغلق في القدس الشرقية، وصادرت معدات وأجهزة من داخله بعد العبث بمحتوياته واحتجاز حراس الامن ومصادرة هواتفهم المحمولة لقطع الاتصالات معهم.
واعتبر الناطق باسم الوكالة عدنان أبو حسنة رفع العلم الإسرائيلي فوق المقر الرئيسي للوكالة في القدس الشرقية “خطوة تاريخية غير مسبوقة” في تاريخ الأمم المتحدة، مؤكدا أن ما جرى يمثل انتهاكا خطيرا للحصانة التي تكفلها الاتفاقيات الدولية لعمل الوكالة وموظفيها.
ووصف أبو حسنة هذا الفعل بأنه تطور “لم يحدث منذ إنشاء الأمم المتحدة”، وأنه تجاوز خطير لاتفاقية 15 يونيو/حزيران 1967 التي تُلزم إسرائيل باحترام منشآت الأونروا وعملياتها في الضفة الغربية وغزة والقدس. مشيرا الى إن إسرائيل “لا ترغب في تحسين الأحوال الإنسانية في قطاع غزة“، ولذلك تعرقل عمل الأونروا وجميع مؤسسات الإغاثة، ما يفاقم الكارثة الإنسانية.
وتنفذ حكومة الاحتلال الإسرائيلي حملة تضليل مستمرة ضد الأونروا، في محاولة لإلغائها ونقل مسؤولياتها إلى هيئات أخرى تابعة للأمم المتحدة مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين للتخلص من رمزيتها.
واستغلت حكومة نتنياهو السابع من أكتوبر 2023 للتحريض على الوكالة التي تسعى الى تقويضها، زاعمه ان عدد من الموظفين العاملين فيها شاركوا في الهجوم وتتهمها بالتحيز، وطالبت من حلفائها بوقف تمويل الوكالة التي تعيش ازمة مالية غير مسبوقة. فيما أقر الكنيست قانونا في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 يحظر عمل الوكالة في إسرائيل ويمنع المسؤولين من التواصل معها.
وفي محاولة لتبرير جريمتها، زعمت إسرائيل ان المداهمة جاءت تنفيذا لأمر صدر بسبب عدم دفع ضرائب ؟! دون تبرير رفع علم الاحتلال فوقها.
وقال المتحدث باسم شرطة الاحتلال دين إلسدون، إن عناصره كانت ترافق موظفي بلدية القدس الذين كانوا يحصلون ديونا في المقر. فيما رفضت بلدية الاحتلال في القدس التعقيب على المداهمة.
ولم تستخدم الأونروا، المبنى منذ بداية العام الحالي بعد أن أمرتها إسرائيل بإخلاء جميع مقراتها ووقف عملياتها.
وقال المتحدث باسم «الأونروا» جوناثان فاولر، إن مقر الوكالة بالقدس الشرقية لا يزال يعد مقرا تابعا للأمم المتحدة رغم الحظر الإسرائيلي على عمليات الأونروا، وأن الوكالة «ليست مديونة للبلدية. مطلقا».
ويربط الفلسطينيون وجود الأونروا وثيقا بالحفاظ على حقوقهم كلاجئين، ولا سيما حق العودة إلى بيوتهم التي طُردوا منها على يد العصابات الصهيونية ابات النكبة عام 1948.
وتعمل «الأونروا» في القدس الشرقية، التي ضمتها إسرائيل رسميا في عام 1980 بعد أن احتلتها في حرب عام 1967. في خطوة ترفضها الأمم المتحدة واغلب دول العالم التي تعتبر القدس الشرقية جزء من الضفة المحتلة وعاصمة دولة فلسطين.
وتعمل «الأونروا» أيضا في غزة والضفة الغربية ومناطق أخرى من الشرق الأوسط، وتوفر خدمات، مثل التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والمأوى، لملايين اللاجئين الفلسطينيين.
وقالت محافظة القدس، أن اقتحام قوات الاحتلال مقر (الأونروا) انتهاكا صارخا للقانون الدولي وتعدّيا خطيرا على حصانة ورفعة مؤسسات الأمم المتحدة، ومخالفة واضحة لميثاق المنظمة الدولية وشروط عضويتها وقراراتها، ولا سيما قرار مجلس الأمن رقم 2730 (24 أيار/مايو 2024) الذي يُلزم الدول باحترام وحماية مؤسسات الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني، وهو ما ينطبق بشكل مباشر على الأونروا ومؤسساتها وموظفيها.
وأوضحت أن هذا الاقتحام يأتي في سياق سلسلة من الاعتداءات التي نفّذها مستعمرون ونواب في الكنيست الإسرائيلية، عقب دخول قرار حكومة الاحتلال حظر عمل الأونروا في القدس الشرقية حيّز التنفيذ بتاريخ 30 يناير الماضي، وهو القرار الذي أدى إلى مغادرة الموظفين الدوليين للمدينة لانتهاء تصاريحهم الإسرائيلية، بينما لم يتواجد الموظفون المحليون في مقار الوكالة خلال الاقتحام.
وأكدت المحافظة أن القدس الشرقية أرض محتلة بموجب القانون الدولي، ولا يُعترف بضمها للاحتلال، مشددة على أن استهداف وكالة أممية تُعنى بخدمة اللاجئين يشكل مساسا خطيرا بالمنظومة الدولية وبصلاحيات الأمم المتحدة. وأن هذا الاقتحام يمثّل تحديا مباشرا لاعتماد الجمعية العامة بأغلبية ساحقة، تجديد ولاية الأونروا.
وجددت المحافظة تأكيدها على فتوى محكمة العدل الدولية التي شددت على عدم وجود أي سيادة لإسرائيل على الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس، وأنها جزء لا يتجزأ من مناطق عمليات الأونروا، داعية المجتمع الدولي إلى الانضمام إلى الموقف الفلسطيني الرافض للقرارات الإسرائيلية الأخيرة باعتبارها أدوات لترسيخ الاحتلال والاضطهاد ضد الشعب الفلسطيني.
وفي غضون ذلك تواصل التنديد العالمي الشديد بالاقتحام
امميا، وصف المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني، إنزال الشرطة الإسرائيلية أنزلت علم الأمم المتحدة عن مقر الوكالة في القدس الشرقية ورفع مكانه علم إسرائيل، وبأنه “تحدٍّ جديد للقانون الدولي”.
واعتبر لازاريني، ما جرى يشكّل “تجاهلاً صارخاً” لالتزامات إسرائيل بصفتها دولة عضو في الأمم المتحدة، وواجبها حماية حرمة مقار المنظمة الدولية. مذكرابأن موظفي الوكالة أُجبروا على إخلاء المقر مطلع العام الجاري، بعد أشهر من المضايقات المتصاعدة، التي شملت هجمات حرق متعمد في 2024، واحتجاجات “محرضة” مدعومة بحملات تضليل إعلامي، إضافة إلى تشريعات مناهضة للأونروا صادق عليها الكنيست الإسرائيلي.
واستدرك: “ومع ذلك، وبغض النظر عن الإجراءات المتخذة على الصعيد المحلي، يحتفظ المقر بوضعه كمقر للأمم المتحدة، ويتمتّع بحصانة كاملة من أي شكل من أشكال التدخّل”.
وذكر لازاريني أن إسرائيل طرف في اتفاقية “امتيازات وحصانات الأمم المتحدة. تصون هذه الاتفاقية حرمة مباني الأمم المتحدة، أي أنها محصنة من التفتيش أو المصادرة، كما تحصن ممتلكات الأمم المتحدة وأصولها من الإجراءات القانونية”.
وقال: “كما أكدت محكمة العدل الدولية على أن إسرائيل مُلزمة بالتعاون مع الأونروا ووكالات الأمم المتحدة الأخرى. لا يمكن أن يكون هناك أي استثناءات”.
واعتبر لازاريني أن السماح بمثل هذا الانتهاك يمثل “تحديا جديدا للقانون الدولي، ويشكل سابقة خطيرة في أي مكان آخر تتواجد فيه الأمم المتحدة حول العالم”.
بدوره، أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بشدة الاقتحام، وقال: “أدين بشدة الدخول غير المصرح به الذي قامت به السلطات الإسرائيلية لمقر الأونروا التابع للأمم المتحدة في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية المحتلة. هذا المقر ما يزال مبنى تابعا للأمم المتحدة، ويتمتع بالحصانة ومصان من أي تدخل“.
ولفت غوتيريش إلى أن أي إجراء تنفيذي أو إداري أو قضائي أو تشريعي يستهدف ممتلكات الأمم المتحدة أو أصولها محظور بموجب الاتفاقات الدولية. داعيا إسرائيل إلى اعادة فرض حرمة منشآت “الأونروا” وحمايتها، والامتناع عن أي إجراءات إضافية تتعلق بمقراتها.
عالميا، قالت بعثات دبلوماسية في القدس ورام الله تابعة للاتحاد الأوروبي، إن المداهمة القسرية لمقار الأونروا في القدس الشرقية، والتي نتج عنها الاستيلاء على ممتلكات، وقطع الاتصالات، واستبدال علم الأمم المتحدة بالعلم الإسرائيلي، تُعدّ انتهاكًا صارخًا لاتفاقية الامتيازات والحصانات الخاصة بالأمم المتحدة.
وتابع البيان المشترك الصادر عن البعثات الدبلوماسية في القدس ورام الله التابعة للاتحاد الأوروبي وبلدان: فرنسا، ألمانيا، فنلندا، الدنمارك، هولندا، ليتوانيا، بولندا، سلوفينيا، اليونان، قبرص، النمسا، السويد، سويسرا، بلجيكا، إيرلندا، البرتغال، وإسبانيا، إن مثل هذه الإجراءات تخلق سابقة خطيرة لتجاهل القانون الدولي بشكل كامل، بما في ذلك اتفاقيات جنيف، التي تمنح الحماية القانونية للمنظمات التي تؤدي مهامّا حيوية وفقًا للقانون الإنساني الدولي.
وتابعت: يجب على إسرائيل أن تفي بالتزاماتها بموجب اتفاقية الامتيازات والحصانات الخاصة بالأمم المتحدة، والتي تضمن حرمة مقارّ الأمم المتحدة وعدم انتهاكها.
كما استنكر وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، هيمش فولكنر، “دخول السلطات الإسرائيلية إلى مجمع وكالة الأونروا في القدس الشرقية”.
واعتبر ذلك “خرقاً صارخاً” لالتزامات إسرائيل تجاه حماية واحترام مقرات الأمم المتحدة. مؤكدا وجوب أن تتمكن الأونروا من مواصلة عملها المهم لدعم ملايين الفلسطينيين.
عربيا، أدان الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، اقتحام المقر، واصفًا الحادث بأنه حلقة في سلسلة متواصلة من الحملات الإسرائيلية التي تهدف إلى تقويض دور الوكالة والقضاء على ما تمثله من حماية لحقوق اللاجئين الفلسطينيين.
وأضاف: أن الحجج التي قدمها الاحتلال لتنفيذ هذا الاقتحام غير قانونية وبدون أي سند منطقي أو شرعي، مؤكدًا أن ما يحدث هو جزء من خطة متواصلة لإنهاء وجود الأونروا وعملها في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وطالب الأمين العام المجتمع الدولي بالتدخل الفوري والفعال لوضع حد لهذه الحملة، التي تستهدف وكالة تقدم خدمات الصحة والتعليم والعمل لملايين اللاجئين في مناطق عملياتها الخمس، مشيرًا إلى التصويت الأخير في الأمم المتحدة على تمديد تفويض الأونروا لثلاث سنوات إضافية.
كما أدانت منظمة التعاون الإسلامي بأشد العبارات الاقتحام مقر وإنزال علم الأمم المتحدة عن أحد ممتلكاتها.
وأكدت المنظمة في بيان، أن ذلك يشكّل انتهاكاً جسيماً لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة، وللفتاوى القانونية الصادرة عن محكمة العدل الدولية بشأن الوكالة، وامتدادا لسلسلة الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة لاتفاقية حصانات وامتيازات الأمم المتحدة، التي تكفل الحماية لأجهزة الأمم المتحدة وموظفيها وأصولها ومنشآتها بموجب الاتفاقات الدولية.
وأدان رئيس البرلمان العربي محمد اليماحي، الجريمة النكراء واعتبر هذا الاقتحام اعتداءً سافرا ومباشرا على الأمم المتحدة وشرعيتها الدولية، وانتهاكا فاضحًا لكل القوانين والمواثيق الدولية دون أي رادع، أو احترام للمجتمع الدولي.
وأكد أن هذه الممارسات العدوانية تأتي في إطار حرب ممنهجة يشنّها الاحتلال لتجفيف مصادر “الأونروا”، واستهداف مباشر لمهمتها الإنسانية في تقديم الخدمات لملايين اللاجئين الفلسطينيين، ومحاولة جديدة لتقويض دورها الدولي وإنهاء عملها وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساسية. وشدد على أن اقتحام مقر منظمة أممية تعمل تحت علم الأمم المتحدة هي جريمة دولية مكتملة الأركان، وعلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة التحرك الفوري لوقف انفلات الاحتلال الذي بات يهدد كل قواعد النظام الدولي.
وطالب اليماحي باتخاذ إجراءات دولية رادعة ضد الاحتلال، وضمان حماية فورية وكاملة لمقار المنظمات الدولية والعاملين فيها، محمّلًا إياه المسؤولية الكاملة عن هذا التصعيد الخطير وتبعاته على الاستقرار الإقليمي والأمن الدولي. مؤكدا أنه سيواصل حراكه السياسي والدبلوماسي لفضح هذه الانتهاكات، ومحاسبة مرتكبيها على المستوى الدولي.
وفي تعقيبه على جريمة الاحتلال، اعتبر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الأمين العام لجبهة النضال الشعبي د. أحمد مجدلاني، الاقتحام تمادي واضح واستهتار بالمكانة الدولية والقانون الدولي.
وقال إن هذا التمادي ما كان ليتم لولا حالة (اللامبالاة)، والغطاء السياسي والدبلوماسي من قبل الإدارة الامريكية وتراخي المجتمع الدولي الذي بات يكتفي ببيانات الشجب والإدانة بدلاً من المساءلة والمحاسبة، وأن اقتحام المقر وإجراء عمليات تفتيش واسعة داخله، واحتجاز حراس الأمن، والاستيلاء على هواتفهم، ومنع التواصل معهم، وإغلاق المنطقة بالكامل، بمثابة اعتداء على الحصانة القانونية للاونروا، وهذا العمل مخالفة للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن.
وأكد مجدلاني أن “الأونروا” هي العنوان السياسي الأساس لحق العودة للاجئين الفلسطينيين، وأن هذا الاستهداف الواضح يهدف إلى تمرير مخططات الاحتلال لتصفية الوكالة.
وشدد مجدلاني على أن استهداف “الأونروا” المتكرر يمثل تعدياً واضحاً على حصانة المؤسسات الأممية، وانتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، بما في ذلك القرار رقم 2730 الذي يلزم بحماية مؤسسات الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني.





