محزن هو الحال الذي وصلت اليه الحالة الاردنية فيما يتعلق بموضوع قدرة الدولة على التواصل مع الداخل او حتى مخاطبة جمهور المواطنين. بالنسبة للكثيرين القاعدة الجديدة في التعامل مع الدولة اصبحت مبنية على الانقلاب التام في المفاهيم، فالنفي يعني التأكيد، والتأكيد يعني النفي.
لسنا بصدد الحديث عن المصداقية المفقودة ولا عن الثقة المعدومة التي باتت – وفقا للكثيرين- واحدة من اهم السمات الواضحة للعلاقة ما بين الدولة والمواطن. لكننا بصدد طرح هذه القضية من باب التساؤل ان كان من الممكن ادارة الدولة مستقبلا ضمن مناخات غياب الثقة و المصداقية وسيادة العلاقة التضادية بين المواطن ودولته. ممثلو الطرف الاول مقتنعون بانتمائهم لطبقة “العباقرة” القادرة على تمرير اي شيء وقتما ارادوا والطرف الاخر يشعر بانه ضحية ومستهدف في كل تفاصيل حياته صغيرها وكبيرها.
الجانب الاخر من الخطر هو استمرار حالة البعد و الانفصال بين الدولة وادواتها من جهة والمجتمع وكافة طبقاته من جهة أخرى. طريقة ادارة الدولة باتت مصدر تندر للاردنيين، لا بل ان الحس الفكاهي للمجتمع بات يعيش حالة من التطور اللافت من جراء ضعف الاداء الحكومي وسقوطه الاعلامي المتواصل. كثير من المسؤولين باتوا مصدر ترفيه للاردنيين ومادة للفكاهة خصوصا أولئك الذين يتصدرون يوميا الشاشات من اصحاب الصوت الجهوري المتصنع والابتسامات الزائفة الثابتة في زمن الشدة والرخاء.
بعيدا عن تفاصيل حكاية ذهب عجلون وما اظهرته من هشاشة في ادارة الدولة وانعدام لقدرة مخاطبة الجمهور، فهي حكاية كاي حكاية اخرى عايشناها في السنوات الاخيرة تنتهي بتعزيز فرضية الخصومة بين “نحن “الاردنيين” و اولئك “هم” المسؤولين.
الاسلوب البائس في ادارة المشهد تزامن مع اعلان الدولة الاردنية خوضها للحرب على داعش، واي راصد لشبكات التواصل الاجتماعي لمس بلاشك حجم التأييد للمؤسسة العسكرية الاردنية ليتفاجأ الجميع بعدها بان اسلوب التعامل مع الإشاعة كان كافيا بان يضع المؤسسة العسكرية الاردنية موضع شبهات واتهام، حيث وجدت هذه المؤسسة نفسها لاول مرة مضطرة للدفاع عن نفسها وتوضيح كافة الملابسات.
للاسف في مرحلة دقيقة مثل التي نمر بها اليوم التي تحتاج الدولة فيها لخلق منظومة مجتمعية متحدة تلتف حولها في قراراتها وتساندها في تحدياتها الحالية والقادمة، نكتشف ان الدولة الاردنية انتقلت الى مرحلة جديدة تحول فيها رجالاتها وادواتها الى عبء ثقيل عليها.
لا اعتقد انه من المجدي التنظير في موضوع شخصية المسؤول وشكله وحتى طريقة اختياره، فقد كتب الكثيرون و ناشد اكثر واعتقد بعضهم لوهلة ان الجهاز البيروقراطي الاردني قادر على تجديد نفسه والتخلص من اعباء الشخوص التي فرضت عليه لكن يبدو ان الامور مازالت متعثرة.
الاردن امام تحديات حقيقية جديدة، ليست فقط امنية بل هي تحديات مجتمعية وسياسية، انقاذ الاجيال القادمة من تدهور التعليم ومخرجاته وغياب الرؤى الاستراتيجية للتنمية المجتمعية وبناء المواطنة مع تجلي فشل سياسات الاندماج المجتمعي وعدم شعور الاردنيين باردنيتهم الحقيقية، عداك عن التحدي الاكبر وهو كيفية ضمان تعبير الاردنيين عن انفسهم سياسيا بعيدا عن كل السياسات والشخوص المفروضة عليهم.
عن العرب اليوم الاردنية




