نابلس- الحياة الاقتصادية- ميساء بشارات- في الوقت الذي تواصل فيه قوات الاحتلال حربًا عدوانية غير مسبوقة على قطاع غزة، يستمر عدوان بدأ منذ عامين على الضفة الغربية بطرق ووسائل عديدة منها خنق المحافظات والمدن وإغلاق الطريق الرئيسية، عبر الحواجز العسكرية الثابتة والمؤقتة. وبات المواطنون، يقصرون تنقلهم بين المدن الرئيسية نفسها، ومع قراهم، إلى أقصى حد خوفًا على حياتهم واختصارا للوقت والجهد الذي يحتاجونه أثناء التنقل، ما شكل أزمة جوهرية للسائقين العموميين الذين يعتمدون بشكل أساسي على تنقل الموظفين والطلبة. مجمع نابلس رام الله، يفتقد الركاب الذين اعتاد على أزمتهم وحركتهم السريعة داخله، ليصبح اليوم مليئا بالمركبات دون راكبيها. الشابة روان علي (31 عاما) من مدينة نابلس، تعمل بإحدى المؤسسات الحكومية في مدينة رام الله، تخرج من منزلها صباح كل يوم في حدود الساعة السادسة إلا ربعا، لتكون على رأس عملها في تمام الثامنة صباحا، لكن في أغلب الأحيان لا يحالفها الحظ للوصول على الموعد بسبب الطرق الالتفافية التي يسلكها سائق التاكسي، أو التشديد والتأخير على الحواجز التي تمر عبرها للوصول إلى رام الله. ولدى عودتها الساعة الثالثة عصرا من رام الله إلى نابلس تصل في أغلب الأحيان بعد الساعة السادسة وربما أوقات متأخرة لأبعد من ذلك. تقول علي: “أخسر أكثر من خمس ساعات يوميا من عمري فقط في المواصلات بين المدينتين بسبب الحواجز العسكرية الإسرائيلية، والتشديدات والأزمات المرورية التي تخلقها”. وتضيف: “الطريق التي كانت تستغرق ساعة أصبحت بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر تستغرق الساعتين والثلاث، ناهيك عن الزيادة في تسعيرة المواصلات اليومية، فقد كنت أدفع 19 شيقلا في الذهاب أو الإياب، والآن تصل الأجرة إلى 25 شيقلا، بفارق 6 شواقل في التوصيلة الواحدة أي 12 شيقلا إضافية يوميا، وهذا يكبدني معاناة أخرى تضاف إلى الوقت والجهد والتعب”. وبحسب معهد الأبحاث التطبيقية- أريج، فإن عدد الحواجز العسكرية بمختلفة أنواعها وأشكالها في الضفة الغربية بلغت لغاية 6 تشرين الأول/أكتوبر 567 حاجزا منها 77 حاجزا رئيسيا و490 حاجز آخر تشمل (سواتر ترابية، مكعبات اسمنتية وبوابات حديدية). وبعد بدء العداون على غزة زادت هذه الحواجز وتم إضافة أكثر من 140 حاجزا وعائقا جديدا كان الهدف منها عزل واغلاق مداخل المدن والقرى والبلدات الفلسطينية ومنع التواصل بينها من جهة ومن جهة أخرى تقيد حركة المواطنين ومنعهم من استخدام الطرق الالتفافية التي أصبحت بعد هذه الإجراءات التعسفية لاستخدام المستوطنين فقط. الشاب شاكر جبارة (42 عاما) أب لأسرة مكونة من خمسة أفراد، يقول إن المواصلات أصبحت تحتاج إلى ميزانية أكبر من السابق، نتيجة الطرق الالتفافية الأبعد التي يسلكها السائقون، والتي تحتاج إلى وقت أكثر ومحروقات أكثر، وزيادة في الأجرة اليومية. ويضيف: أن الراتب كان لا يكفي للمسؤوليات والاحتياجات الأساسية والآن نتكبد مخاسر إضافية تتمثل في المواصلات اليومية. ويشير إلى تخوف المواطنين في الآونة الأخيرة من التنقل بين المدن، للإجراءات التعسفية التي ينتهجها الاحتلال، من تفتيش للركاب والسائق والسيارة وحتى في أجهزة الهاتف المحمولة، والبحث في خصوصيات الناس، والتنكيل بالبعض. وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء، ارتفعت سلة النقل والمواصلات في المؤشر العام لغلاء المعيشة إلى ما نسبة 5.61 % خلال الشهور الستة الأولى من العام الجاري، فيما لم ترتفع سوى 0.27 % خلال آخر 10 سنوات، ما يعني أن الزيادة خلال النصف الأول من العام أعلى بكثير من الزيادة التراكمية خلال السنوات العشر السابقة. وتبلغ وزن مجموعة النقل والمواصلات في المؤشر العام لأسعار المستهلك نسبته 14.26 %. السائق جمال يوسف (53 عاما) يعمل على خط نابلس-رام الله، يشير إلى أن الحركة على الخط ما بين المحافظتين قل كثيرا، وبتنا اليوم نعمل بـ40 % فقط من عملنا سابقا. ويضيف أن المواطنين أصبحوا يخشون التنقل بين المدن للمخاطر التي يتعرضون لها من قبل المستوطنين واعتداءاتهم، كما أن الجامعات تحولت إلى التعليم الالكتروني ما خفف من حركة الطلبة، وتحول دوام معظم الموظفين الحكوميين كل في محافظته. وباتت المركبات العمومية في مجمع نابلس رام الله تتكدس منتظرة دورها لتمتلئ بالركاب إن كان حظ السائق جيدا. يتابع يوسف: قبل التشديدات على الحواجز وسلك طرق التفافية، كنت أقوم بنقل الركاب ذهابا وايابا بين المدينتين 4-5 مرات يوميا، أما الآن فلا أحصل سوى على نقلة واحدة خلال النهار بكامله، ما أضطر في كثير من الاحيان إلى المبيت بالمدينة التي أتوقف فيها. ويشير إلى أن ضعف الحركة أثر على حياة السائقين ماديا، فلم يعودوا يستطيعون توفير احتياجاتهم ومستلزماتهم، ما أثر على حياتهم اقتصاديا ومعنويا ونفسيا، كما أن السائقين ومركباتهم يتعرضون إلى مخاطرة كبيرة أثناء التنقل من قبل المستوطنين. وتعرضت العشرات من المركبات العمومية لاعتداءات المستوطنين، كان آخرها مركبة يوسف التي تضررت بفعل رمي الحجارة على زجاجها الأمامي الاسبوع الماضي، أثناء عودته ليلا من مدينة رام الله إلى نابلس، ما أصاب أيضا وجهه بجروح. من جانبه، يؤكد الناطق باسم وزارة النقل والمواصلات موسى رحال أن الحواجز والاغلاقات أثرت على حركة النقل بالضفة، وزادت تكلفة النقل بسبب الوقت والجهد الذي يبذله السائق للوصول إلى المدن. ويوضح أن حاجزا طيارا مثلا يستغرق منه ساعتين للمرور، بسبب التشديدات والتأخير والتفتيش ما يخلق أزمة كبيرة أيضا على الحاجز، وفي بعض الأحيان يضطر السائق لتغيير الطريق تجنبا للأزمة. ويتعرض السائقون للتفتيش والاعتداءات والحجز وتكسير مركباتهم، فهم يرون الأمرين على الطريق وخاصة الطرق الخارجية، ويعيشون الرعب والخوف يوميا. ويتابع أنه لذلك سمحت وزارة النقل والمواصلات للسائقين برفع الأجرة حسب الطرق التي يسلكها والمسافة التي يقطعونها للوصول، ووضعت تعرفة في داخل المجمعات لبعض الخطوط التي تم تغييرها لمعرفة المواطنين بها، وليس تركها على مزاج السائق، بل ضمن تعليمات صادرة من الوزارة. ويؤكد أن الرفع في التسعيرة هي ليست استغلالا من قبل السائقين بل حق لهم، مشيرا إلى أن قطاع النقل والمواصلات تدمر وتراجع إلى نحو 80 %، واصفا الحركة بالضعيفة نتيجة اغلاق بعض الطرق بشكل كامل. ويضيف تقرير معهد أريج، أنه في ظل إجراءات الفصل العنصري والعقوبات التعسفية الجماعية التي يفرضها الاحتلال على المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية أصبح أكثر من 3 مليون فلسطيني عالقين محاصرين بل رهائن لهذه الإجراءات التي جعلت تنقل المواطنين والبضائع صعبا بل مستحيلا بين المدن والبلدات الفلسطينية، ومن جهة وصعوبة السفر الى العالم الخارجي، من جهة أخرى الأمر الذي سيوثر سلبيا على الأمن الغذائي ومخزون السلع الأساسية والمواد الغذائية والإمدادات الطبية والتعليم والصحة وإضعاف القطاع الاقتصادي الذي هو متضرر بدون زيادة هذه الاجراءات.





