خاص بـ”القدس” و”القدس” دوت كوم
أمجد الشلة: سيادة القانون تقاس بقدرة الدولة على بناء منظومة ردع مبكر تحُول دون وصول المسؤولين إلى مرحلة الاتهام أصلاً
صلاح موسى: احترام القانون تم من خلال قرار رئيس الحكومة.. واكتماله باحترام حق الجمهور في المعرفة لتبديد التأويلات والشائعات
د. عمر رحال: لو أصدرت الحكومة بياناً توضيحياً منذ اللحظة الأولى لقطعت الطريق على الشائعات ويجب التعهد بإعلان نتائج التحقيق
جهاد حرب: تردد الحكومة في إعلان مثل هذه القضايا يعود غالباً إلى خشيتها من أن تُتهَم بالفساد مع أن ذلك يُحسب لها لا عليها
فراس ياغي: الإجراءات الأخيرة يمكن أن تُقرأ كمحاولة لاستعادة الثقة وتحقيق قدر من المحاسبة داخل النظام السياسي
يثير قرار وقف وزير النقل والمواصلات طارق زعرب عن مهامه، وتكليف وزير الأشغال العامة عاهد بسيسو بمهامه، ارتياحاً واسعاً في الشارع الفلسطيني، إذ يُنظر إليه كخطوة جريئة تعكس توجهاً فعلياً نحو محاربة الفساد ومحاسبة المسؤولين مهما علت مناصبهم، لكن الأكثر جدلاً عدم إصدار الحكومة قراراً واضحاً بشأن تلك الخطوة.
ويرى مسؤولون وحقوقيون وكتاب ومحللون، في أحاديث منفصلة لـ”ے”، أن هذا الإجراء يعزز الثقة بقدرة الحكومة على التحرك عند الضرورة، ويُظهر أن القانون يمكن أن يُطبَّق على الجميع دون استثناء، ما يفتح نافذة أمل أمام المواطنين الذين طالما طالبوا بالإرادة السياسية في مكافحة التجاوزات. لكنهم في المقابل، يؤكدون أن غياب التوضيح الرسمي لأسباب القرار يثير تساؤلات لا تقل أهمية عن القرار نفسه، إذ يترك المجال مفتوحاً للتأويلات والشائعات بدل أن يُقطع الطريق عليها ببيان واضح وشفاف.
ضرورة إصدار توضيح رسمي لحقيقة ما جرى
يؤكد مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان “ديوان المظالم”، د.عمار دويك، أن ما يتردد من معلومات حول توقيف وزير النقل والمواصلات طارق زعرب عن العمل وإحالته إلى التحقيق، إلى جانب عدد من كبار موظفي الوزارة، خبر صحيح، ويعكس مؤشرات على تحرك رسمي تجاه محاربة الفساد، لكن دويك يشدّد في الوقت نفسه على ضرورة إصدار إعلان رسمي يوضح للرأي العام حقيقة ما جرى.
وبحسب دويك، فإن الهيئة تتابع باهتمام التطورات، وإن المعطيات الأولية التي وصلت إليها تشير إلى وجود إجراءات تحقيق قائمة بالفعل بحق الوزير وعدد من كبار المسؤولين في الوزارة.
ويعتبر أن الشارع الفلسطيني يبدي ارتياحاً واضحاً لأي خطوة تتخذها الحكومة في إطار مساءلة كل من يخالف القانون، بغضّ النظر عن موقعه أو صفته الرسمية، مشيراً إلى أن غياب التوضيح الرسمي يترك المجال واسعاً أمام الشائعات والتأويلات.
ويشدد دويك على أن إصدار موقف حكومي واضح وشفاف بشأن القضية من شأنه أن يعزز الثقة بين المواطنين والمؤسسات العامة، داعياً إلى أن تكون هذه الخطوة بداية مسار جدي ومستدام لاستعادة ثقة المجتمع، وترسيخ مبدأ سيادة القانون والمحاسبة على المال العام.
المرحلة الحالية تتطلب مصارحة الجمهور
من جانب آخر، يطالب دويك بأن تشمل الشفافية كافة الملفات التي يجري تداولها في الشارع الفلسطيني، ومن بينها ما يثار حول قضية مدير عام هيئة المعابر والحدود نظمي مهنا، داعياً إلى توضيح رسمي مماثل بشأن ما إذا كانت هناك إجراءات تحقيق تتعلق به أو بشخصيات أُخرى يُشتبه بتورطها في مخالفات مالية أو إدارية.
ويشدد على أن المرحلة الحالية تتطلب مصارحة للجمهور، وأن تكون إجراءات التحقيق واضحة وعلنية بالقدر الذي يسمح به القانون، بحيث تشمل كل من يثبت تورطه في إهدار المال العام أو استغلال المنصب.
مرحلة التحقيق تبقى حكراً على أطراف محددة
يؤكد أمين سر نقابة المحامين المحامي أمجد الشلة أن ما تم تداوله في وسائل الإعلام حول إقالة وزير النقل والمواصلات وإحالته إلى نيابة مكافحة جرائم الفساد لا يزال في إطار الرواية الإعلامية غير الموثقة رسمياً، مشيراً إلى أن النقابة لم تتلق حتى اللحظة أي تفاصيل دقيقة أو مشروحات رسمية تتعلق بطبيعة الاتهامات أو المسوغات القانونية للقرار.
ويوضح الشلة أن قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني رقم (3) لسنة 2001 يمنح المتهم ووكيله القانوني فقط الحق الكامل في الاطلاع على ملف القضية أو التحقيق قبل إحالته إلى المحكمة المختصة، ما يعني أن مرحلة التحقيق تبقى حكراً على أطراف محددة تشمل المتهم ومحاميه والنيابة العامة أو الجهة القضائية صاحبة الولاية، مشيراً إلى أن هذا القيد القانوني يفسر محدودية المعلومات المتاحة للرأي العام في مثل هذه القضايا.
ويشدد الشلة على أن الأصل في القانون، وفقاً للمادة (14) من القانون الأساسي الفلسطيني، أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي قطعي، مبيناً أن المنظومة القانونية كفلت للمتهم كافة الضمانات سواء أثناء التحقيق أو خلال جلسات المحاكمة، بما في ذلك حقه في توكيل أي محامٍ يختاره للدفاع عنه.
وفي رده على ما يُثار حول مغادرة الوزير المعني البلاد، يوضح الشلة أن المحاكمة الغيابية تبقى خياراً قائماً في حال أثبتت المحكمة المختصة، بعد اكتمال ملف التحقيق وإحالته إلى محكمة جرائم الفساد، أن المتهم فارّ من وجه العدالة ولا تُنتظر عودته إلى أرض الوطن، وفي هذه الحالة، تتم محاكمته بوصفه متهماً غيابياً، وفقاً للإجراءات المقررة قانوناً.
إجراءات قانونية ومنسجمة مع الأصول
أما بشأن الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة، فيؤكد الشلة أنها قانونية ومنسجمة مع الأصول، موضحاً أن مجلس الوزراء يمتلك الصلاحية لرفع الحصانة عن الوزير بناءً على طلب من النيابة العامة، باعتبارها الجهة القضائية المختصة بتحريك الدعوى.
ويشير الشلة إلى أن هذا المسار يُعد شفافاً من الناحية الإجرائية، لكنه في الوقت ذاته يثير تساؤلات أعمق تتعلق بغياب أدوات الوقاية المسبقة من الفساد.
ويتساءل الشلة: “إلى متى ستبقى الدولة في حالة ارتباك في التعاطي مع قضايا الفساد؟ ولماذا لا تُفعَّل آليات الرقابة والمساءلة قبل وقوع الجريمة –على فرض ثبوتها– بدلاً من انتظار انفجار القضية ثم التحرك تحت ضغط الرأي العام؟”.
ويؤكد الشلة أن سيادة القانون لا تُقاس فقط بسلامة الإجراءات اللاحقة، بل بقدرة الدولة على بناء منظومة ردع مبكر تحول دون وصول المسؤولين إلى مرحلة الاتهام أصلاً.
قرار يستند إلى أحكام القانون الأساسي
يؤكد الكاتب والمستشار القانوني صلاح موسى أن قرار رئيس الوزراء بنقل صلاحيات وزير النقل والمواصلات طارق زعرب إلى وزير الأشغال العامة عاهد بسيسو هو قرار يستند إلى أحكام القانون الأساسي الفلسطيني، وتحديداً إلى المادة 76 التي تنص على وقف الوزير المتهم عن مهامه فور صدور قرار الاتهام بحقه.
ويوضح أن فهم القرار الصادر عن رئيس الوزراء يتطلب قراءة ديباجته، إذ جاء في نصه أنه يستند إلى القرار رقم 15 الصادر بتاريخ 4 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، الذي بموجبه تم وقف الوزير عن عمله، ليتبعه القرار رقم 16 في التاريخ نفسه والقاضي بنقل صلاحياته.
ويشير صلاح إلى أن العودة إلى المادة 68 من الباب المتعلق باختصاصات رئيس الوزراء توضح أن من صلاحياته تشكيل الحكومة أو تعديلها أو إقالة أي من أعضائها أو قبول استقالتهم أو ملء الشاغر، غير أن القرار الصادر بحق زعرب لا يندرج ضمن هذه الحالات، إذ لم تتم إقالته أو قبول استقالته أو تعديل التشكيلة الوزارية، ما يعني أن التكييف القانوني للحالة يندرج ضمن “الوقف عن أداء مهامه” وليس الإقالة أو الاستبدال.
ويوضح موسى أن المادة 76 من القانون الأساسي واضحة في هذا الشأن، حيث تنص بصريح العبارة على أنه “يوقف من يُتهم من الوزراء عن مهام منصبه فور صدور قرار الاتهام، ولا يحول انتهاء خدمته دون الاستمرار في إجراءات التحقيق”.
وبحسب موسى، فإنه بناءً على ذلك، بمجرد أن تصدر النيابة العامة قرار اتهام يستند إلى بينة قانونية، يصبح من حق رئيس الوزراء –بل من واجبه– وقف الوزير المعني عن العمل لضمان سير الإجراءات القضائية دون تأثير على مجرياتها.
ويشدد موسى على أن قرار وقف زعرب ونقل صلاحياته يُعد قراراً صحيحاً من حيث الشكل القانوني، ما دام قد استند إلى المواد المذكورة، غير أن موسى في المقابل يدعو إلى تجسيد الشفافية في عمل الحكومة تجاه الرأي العام، مؤكداً أن الحكومة كان يفترض أن تصدر بياناً رسمياً يوضح أساس القرار وأسبابه، سواء تعلق الأمر بشبهة فساد أو بإجراء احترازي لحين انتهاء التحقيقات.
ويؤكد موسى أن احترام القانون تم من خلال قرار رئيس الحكومة، إلا أن القرار كي يكتملفلا بد من احترام حق الجمهور في المعرفة عن سبب وقف الوزير عن العمل، كما أن الحكومة مطالبة بنشر توضيح رسمي يبدد الجدل أمام التأويلات والشائعات.
غياب الشفافية يقوض الثقة بالمؤسسات الرسمية
يدعو الكاتب والمحلل السياسي ومدير مركز شمس لحقوق الإنسان، د.عمر رحال، الحكومة إلى إنهاء حالة الصمت المحيطة بقرار وقف وزير النقل والمواصلات طارق زعرب عن العمل، وإصدار بيان رسمي يوضح للرأي العام الأسباب والخلفيات الحقيقية وراء القرار، محذّراً من أن غياب الشفافية يعزز الشائعات والتكهنات ويقوض الثقة بالمؤسسات الرسمية، ما يستدعي ضرورة فتح الباب أمام نقاش مجتمعي حول مسودة قانون “الحق في الحصول على المعلومات”.
ويشير إلى أن ما تم تداوله في بعض وسائل الإعلام يفيد بوجود شبهات فساد تحيط بالوزير زعرب، ما دفع رئيس الوزراء، وبقرار صادر عن مجلس الوزراء قبل أيام، إلى وقفه عن العمل ونقل صلاحياته إلى وزير الأشغال العامة عاهد بسيسو.
غير أن القرار، وفقاً لما يوضحه رحال، صدر دون أي توضيح رسمي للرأي العام، ولم يتضمن قراراً رئيس الوزراء والأمانة العامة لمجلس الوزراء أي إشارة إلى أسباب الخطوة أو طبيعتها.
ويؤكد رحال أن بعض وسائل الإعلام تحدثت عن رفع الحصانة عن الوزير بسبب قضية تتعلق بتحويلات مالية إلى كندا، حيث يحمل الوزير الجنسية الكندية، إلا أن الحكومة لم تصدر أي توضيح يؤكد أو ينفي هذه الرواية، الأمر الذي ترك المواطنين أمام سيل من التأويلات، كما حدث سابقاً في قضية مدير عام هيئة المعابر والحدود نظمي مهنا، الذي أشيع هروبه إلى دولة أجنبية قبل أن يتم سحب الخبر ثم تداوله مجدداً.
وفي معرض تفسيره لأسباب امتناع الحكومة عن التصريح الرسمي، يوضح رحال أن “الحكومة تبرر ذلك بأن بعض القضايا التي تنطوي على شبهات فساد تخضع لإجراءات قانونية تتسم بالسرية بناءً على طلب النيابة العامة أو هيئة مكافحة الفساد، وذلك لتجنب التأثير على مجريات التحقيق، كما أن النائب العام قد يصدر في بعض الحالات أوامر بعدم تداول المعلومات المتعلقة بملف ما، سواء لأبعاد أمنية أو اجتماعية أو لخشية الحكومة من ردود فعل شعبية أو سياسية قد تؤدي إلى احتجاجات أو مطالبات بتغيير حكومي”.
مطالبة الحكومة بتقديم توضيح للرأي العام
ورغم تفهمه هذه الاعتبارات، يشدد رحال على أن ذلك لا يعفي الحكومة من مسؤوليتها في التواصل مع الجمهور، ولو من خلال بيان مقتضب يحدد الإطار العام للقرار دون المساس بسرية التحقيق.
ويذكّر رحال بالمادة 75 من الباب الخامس للسلطة التنفيذية في القانون الأساسي الفلسطيني، التي تمنح رئيس الوزراء الحق في إحالة أي وزير إلى التحقيق وفقاً للقانون، إضافة إلى المادة 76 التي تنص على وقف الوزير المتهم عن مهامه فور صدور قرار الاتهام، ما يؤكد أن الوقف يعني ضمنياً وجود شبهة أو اتهام قيد النظر.
ويؤكد رحال أن إصدار بيان توضيحي من الحكومة منذ اللحظة الأولى كان كفيلاً بقطع الطريق على الشائعات، مطالباً الحكومة اليوم، وبعد مرور أيام على القرار، بأن تتحمل مسؤوليتها وتقدم توضيحاً رسمياً للرأي العام الفلسطيني حول ما جرى منذ بداية القضية وحتى الآن، مع التعهد بإعلان النتائج النهائية للتحقيق سواء أُدين الوزير أو بُرئ، احتراماً لمبدأ الشفافية وسيادة القانون.
خطوة مهمة تمثل إجراءً تصحيحياً أولياً
يؤكد مدير مركز “ثبات” للبحوث واستطلاعات الرأي، والكاتب والمحلل السياسي جهاد حرب، أن المعلومات المتداولة حول خضوع وزير النقل والمواصلات طارق زعرب لتحقيقات تتعلق بشبهات فساد، دفعت الحكومة إلى تكليف وزير آخر بالإشراف المؤقت على الوزارة إلى حين انتهاء التحقيقات، وهي خطوة مهمة تمثل إجراءً تصحيحياً أولياً بانتظار ما ستسفر عنه التحقيقات الرسمية.
ويوضح أن السيناريو المتوقع، في حال ثبوت الاتهامات، هو تحويل الوزير إلى المحكمة المختصة، وبالتالي إنهاء مهامه أو تقديم استقالته، كما تشير بعض التقديرات الإعلامية. غير أن حرب يشدد على أن غياب الإعلان الرسمي من قبل الحكومة يفتح الباب واسعاً أمام الشائعات والتأويلات في الشارع الفلسطيني ووسائل الإعلام.
ويدعو حرب الحكومة إلى إصدار بيان رسمي يوضح الإجراءات المتخذة بحق وزير النقل والمواصلات، حتى لا تبقى القضية أسيرة “منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام”، بل أن تكون في إطارَيها القانوني والمؤسسي السليمَين.
وينتقد حرب نهج الحكومات الفلسطينية المتعاقبة في تجنب الإعلان المباشر عن قضايا الفساد المتعلقة بالمسؤولين الكبار، معتبراً أن الشفافية في هذه الملفات تُحسب للحكومة لا عليها.
وبحسب حرب، فإن المطلوب هو أن يعلن رئيس الوزراء بشكل واضح وجود شبهات فساد ضد مسؤول معين، وأن تتم إحالة الملف إلى النيابة العامة دون تأخير، بما يضع حداً للجدل ويحدد حجم القضية بدقة بعيداً عن التهويل أو التقليل.
ويشدد حرب على أن إعلان البراءة، في حال ثبوتها، يجب أن يكون بنفس القوة والوضوح، لأن المصلحة العامة تقتضي الوضوح الكامل، أما في حال الإدانة أو توجيه لائحة اتهام، فإن النيابة العامة هي الجهة المخولة بإطلاع الرأي العام على الإجراءات، خاصة عندما يتعلق الأمر بوزراء أو مسؤولين كبار لا تنطبق عليهم ذات معايير الخصوصية الممنوحة للمواطنين العاديين أو الموظفين الصغار.
المنصب العام يعني الخضوع للمساءلة والمراقبة
ويشير حرب إلى أن تردد الحكومة في الإعلان عن مثل هذه القضايا يعود غالباً إلى خشيتها من أن تُتهم هي نفسها بالفساد، أو بدعوى الحفاظ على خصوصية الوزير، والأصل أن ذلك يحسب لها لا عليها.
ويشدد حرب على أنه “كلما ارتقى الشخص في المناصب العامة، تقلصت مساحة خصوصيته”، لأن المنصب العام يعني الخضوع للمساءلة والمراقبة الشعبية.
ويؤكد حرب أن المواطن الفلسطيني يمتلك من الوعي ما يكفي لتقييم الوقائع بعيداً عن التضليل، وأن الشفافية هي الطريق الأنسب لحماية ثقة الجمهور بالمؤسسات.
القرار يعكس توجهاً نحو ملاحقة مظاهر الفساد
يعتبر الكاتب والمحلل السياسي فراس ياغي أن قرار رئيس الوزراء تكليف وزير الأشغال العامة عاطف بسيسو بتولي مهام وزير النقل والمواصلات بديلاً عن الوزير طارق زعرب، يُعد خطوة تؤكد ما تم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية حول وجود شبهات فساد مرتبطة بمبالغ مالية كبيرة.
وبحسب ياغي، فإن الشائعات التي انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي تحدثت عن تحويلات مالية تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات، بل وربما تتجاوز المليون دولار، يُقال إنه جرى تهريبها إلى كندا، لكن القرار الحكومي الأخير جاء ليمنح هذه الأحاديث قدراً من المصداقية، أو على الأقل يُظهر أن الحكومة تتعامل معها بجدية.
ويشدد ياغي على أن هذه الخطوة تعكس توجهاً من رئاسة الوزراء نحو ملاحقة مظاهر الفساد داخل المؤسسة الفلسطينية، معتبراً أن تكليف وزير الأشغال بإدارة وزارة النقل هو رسالة تؤكد قدرة الحكومة على التحرك الفوري عند ظهور أي شبهات.
ويشير إلى أن هذا السلوك يعكس إرادة للإصلاح لا تستند فقط إلى ضغوط خارجية، سواء أكانت أوروبية أم أمريكية، بل تنبع أيضاً من حاجة داخلية لإعادة ترميم العلاقة بين المواطن الفلسطيني ومؤسساته الرسمية.
ويوضح ياغي أن ثقة الشارع الفلسطيني تعرضت لتآكل كبير خلال السنوات الماضية نتيجة تراكم ممارسات وصفها بـ”القيم الفاسدة” التي حاولت أن تضرب العلاقة ما بين الشعب ومؤسساته منذ تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1993.
ويعتبر ياغي أن الإجراءات الأخيرة يمكن أن تُقرأ كمحاولة لاستعادة الثقة وتحقيق قدر من المحاسبة داخل النظام السياسي.
“الخوف من مواجهة الشارع بالحقيقة”
ورغم ذلك، يوجّه ياغي انتقاداً للحكومة بسبب ما وصفه بـ”الخوف من مواجهة الشارع بالحقيقة”، مشدداً على أن المشكلة الرئيسية ليست في الإجراء المتخذ بحق الوزير وغيره من المسؤولين، بل في غياب الشفافية تجاه الرأي العام.
ويؤكد ياغي أن الحكومة مطالبة اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، بإصدار بيان رسمي يشرح للرأي العام أسباب سحب صلاحيات الوزير، ويوضح ما إذا كانت هناك تحقيقات فعلية دائرة، وذلك لوضع حد لحالة الإشاعة التي تسود الشارع الفلسطيني.
ويتساءل ياغي بالقول: “لماذا لا توضح الحكومة الأسباب التي دفعت لاتخاذ القرار؟ ولماذا تترك الشائعات تنتشر بدلاً من المصارحة المباشرة؟”.
ويؤكد ياغي ضرورة بناء علاقة تقوم على الشفافية المطلقة بين الحكومة والشعب، ليس فقط في قضايا الفساد، وإنما في مختلف الملفات السياسية والاقتصادية.
ويدعو ياغي المسؤولين إلى مصارحة الشعب بالقدرات والإمكانات المتاحة، وإعلان سياسة واضحة تقوم على ملاحقة كل ظاهرة من ظواهر الفساد دون تردد، وأن يقوم جميع المواطنين بالتقدم بالأدلة التي يمتلكونها في حال وجود شبهات فساد إلى مؤسسة الشكاوى الحكومية، بحيث يتم تحويلها إلى الجهات المختصة لمتابعتها قانونياً، مؤكداً أن القضاء هو الفيصل في نهاية المطاف في إدانة المتهمين أو تبرئتهم.