رغم أن النساء الفلسطينيات يشكلن نصف المجتمع ويقمن بدور محوري في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن حضورهن في سوق العمل ما زال محدوداً ومثقلاً بجملة من التحديات المعقدة التي تتداخل فيها العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وهذه التحديات تؤدي إلى إقصاء نسبي يحد من فرص النساء ويمنعهن من الوصول إلى مكانة متكافئة في العمل.
فالتمييز في فرص العمل والأجور يشكل عقبة أساسية، إذ تحصر النساء في وظائف تقليدية مثل التعليم والسكرتارية والرعاية، بينما تغيب مشاركتهن عن المواقع القيادية وصنع القرار، كما أن الأجور التي يتقاضينها غالبًا أقل من أجور الرجال عن الأعمال نفسها، الأمر الذي يضعف أمنهن الاقتصادي ويزيد من معدلات الفقر بين الأسر التي تعيلها نساء، ويضاف إلى ذلك غياب التطبيق العادل لقوانين العمل، ما يرسخ الفجوة القائمة على أساس النوع الاجتماعي.
أما بيئة العمل فتزيد من صعوبة مشاركتهن، إذ تعمل الكثيرات في ظروف غير ملائمة لا تراعي خصوصيتهن الصحية والاجتماعية، مع غياب مرافق ملائمة أو برامج دعم لذوات الإعاقة، وفي سوق العمل غير المنظم، تغيب الحماية القانونية ويضعف الأمن الوظيفي، مما يجعلهن عرضة للاستغلال وساعات العمل الطويلة والفصل التعسفي.
وتقف العادات والتقاليد المجتمعية بدورها عائقاً أمام انخراط النساء في مجالات مهنية متنوعة، إذ تربط المرأة بأدوار نمطية تحد من طموحها وتحركها المهني، كما أن ضعف الوعي القانوني بحقوق النساء يسهل استمرار مظاهر الاستغلال وعدم المساواة، ورغم تفوق النساء في التحصيل العلمي وارتفاع نسب الحاصلات على الشهادات الجامعية، إلا أن الفجوة بين تخصصاتهن ومتطلبات السوق تبقي الكثيرات خارج دائرة العمل أو محصورات في وظائف لا تتناسب مع مؤهلاتهن، في ظل محدودية برامج التدريب والتأهيل القادرة على سد هذه الهوة.
ولا يمكن إغفال أثر الاحتلال الإسرائيلي الذي يفرض قيودًا مضاعفة على النساء العاملات، من خلال الحواجز العسكرية والتضييق على حرية الحركة والاعتقالات، وهو ما يؤدي إلى عرقلة وصولهن إلى أماكن العمل وإجبار العديد منهن على ترك وظائفهن، ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة، تصبح النساء الأكثر هشاشة وتعرضاً للفقر والإقصاء.
كما أن ضعف انخراط النساء في النقابات العمالية وغيابهن عن مواقع القيادة النقابية يحرمهن من أداة مهمة للدفاع عن حقوقهن وتحسين ظروف عملهن، ويكرس غياب الصوت النسائي المؤثر داخل الحركة العمالية.
إن مواجهة هذه التحديات تتطلب تدخلات شاملة ترتكز على تطبيق القوانين بشكل عادل، وتحسين بيئة العمل لتكون أكثر ملاءمة وداعمة للنساء، وتوسيع برامج التدريب والتأهيل بما يتوافق مع احتياجات السوق، وتعزيز الوعي القانوني والحقوقي، ومكافحة التمييز الثقافي والاجتماعي، فضلاً عن رفع نسبة مشاركة النساء في القطاعات غير التقليدية وفي المواقع القيادية داخل النقابات والمؤسسات، وإن تمكين المرأة الفلسطينية في سوق العمل ليس مجرد مطلب حقوقي واجتماعي، بل هو رافعة أساسية لتعزيز الاقتصاد الوطني وتحقيق العدالة والتنمية المستدامة.