الاعتداء المسلّح الذي نفذته قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الناشطين السلميين على متن “أسطول كسر الحصار عن غزة”، لم يكن حادثة منعزلة أو لحظة استثنائية في سياق الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. بل هو تجلٍّ آخر لمنهجية القمع العنيف والإبادة الممنهجة التي تمارسها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، والتي امتدت هذه المرة إلى عرض البحر، في خرق فاضح لقانون البحار الدولي، وتحديدًا اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، التي تضمن حرية الملاحة وتحظر الاعتداء على السفن المدنية في المياه الدولية.
الأسطول كان يحمل ناشطين سلميين من 46 دوله وعددهم 497 ناشط موزعين كالتالي
– تركيا: 56
– إسبانيا: 49
– إيطاليا: 48
– تونس: 28
– ماليزيا: 27
– اليونان: 26
– الولايات المتحدة: 22
– ألمانيا: 19
– الجزائر: 17
– إيرلندا: 16
– المملكة المتحدة: 15
– البرازيل: 14
– فرنسا: 33
-لبنان 2
دول ذات مشاركة فردية (شخص واحد):
– اليابان، إندونيسيا، سلوفاكيا، ليتوانيا، بلغاريا، كرواتيا، التشيك، لوكسمبورغ، أستراليا، أيرلندا، موريتانيا، عمان، جزر المالديف
مختلف الجنسيات، جاؤوا لدعم حقّ إنساني أساسي: فك الحصار عن غزة، أحد أكثر الأماكن اكتظاظًا وبؤسًا على وجه الأرض، والمحاصَر بشكل غير قانوني منذ أكثر من 17 عامًا. والذي تشن عليه حرب اباده جماعيه منذ سنتين ،ومع ذلك، اختارت إسرائيل التعامل مع هذه الرسالة الإنسانية بالسلاح، لتعيد التأكيد على نهجها المستمر في قمع أي تضامن دولي مع الفلسطينيين، وتكميم الصوت العالمي الذي يطالب برفع الاحتلال وإنهاء الحصار.
من الناحية القانونية، غزة لا تزال أرضًا محتلة، رغم انسحاب إسرائيل العسكري “الشكلي” منها عام 2005. فهي تسيطر بالكامل على حدودها، ومجالها الجوي والبحري، وتتحكم بحركة الأفراد والبضائع منها وإليها. وبموجب القانون الدولي، فإن هذا الواقع يجعل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولًا عن حماية السكان المدنيين، لا تجويعهم أو قصفهم أو حصارهم.
ما حدث في عرض البحر ليس سوى امتداد لسياسات أعمق وأخطر تُمارس يوميًا على الأرض: في غزة حيث تُرتكب أبشع الجرائم من تدمير ممنهج، وتجويع متعمد، وقصف لا يستثني أطفالًا ولا مشافي؛ وفي الضفة الغربية التي تتعرض لواحدة من أكثر عمليات الاستيطان توسعًا في التاريخ المعاصر، يقابلها هدم للبيوت، مصادرة للأراضي، وإغلاق للطرق بآلاف الحواجز والبوابات العسكرية التي تُحوّل حياة الفلسطينيين إلى جحيم يومي. ولعل أخطر ما يُنذر به الوضع هو مشروع “E1” الاستيطاني، الذي يستهدف فصل شمال الضفة عن جنوبها، وعزل القدس تمامًا عن محيطها الفلسطيني.
تزعم إسرائيل أنها “واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، لكنها في واقع الأمر تُمارس نظامًا استعماريًا فاشيًا لا يتردد في قتل المدنيين، وسجن الأطفال، وملاحقة كل من يرفع صوته بالحق. ما يُثبت زيف هذه الادعاءات، هو سلوكها المتكرر تجاه النشطاء الدوليين الذين لا يملكون إلا قلوبًا مفتوحة وعدالة في نواياهم، وتجاه القوانين الدولية التي ترفض إسرائيل الخضوع لها، بما في ذلك اتفاقيات جنيف، والقانون الدولي الإنساني.
تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي تُبرر القتل والعدوان تحت شعارات “محاربة الإرهاب” و”الدفاع عن النفس”، تسقط أمام الحقائق الدامغة. لا يمكن لدولة أن تدّعي الدفاع عن النفس بينما تُهاجم سفنًا مدنية في عرض البحر، وتفرض حصارًا على شعب بأكمله، وتحتل أرضه، وتُحكم قبضتها على مياهه وحدوده وسمائه.
المؤسف أن كل هذه الانتهاكات ما كانت لتستمر بهذا الشكل الفج، لولا الغطاء السياسي والدبلوماسي الذي توفّره بعض الحكومات الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، التي تواصل دعم إسرائيل عسكريًا وسياسيًا، وتُجهض أي محاولة جدية لمحاسبتها في المحافل الدولية.
لكن في المقابل، لا يمكن تجاهل الغضب الشعبي العالمي الذي خرج في تظاهرات ضخمة حول العالم تنديدًا بالعدوان، والذي يُعبّر عن وعي شعبي متزايد بطبيعة ما يجري، وعن رفض أخلاقي متصاعد للصمت والتواطؤ.
إنّ السلام الحقيقي والدائم في فلسطين والمنطقة لا يمكن أن يُبنى على أنقاض القانون الدولي، ولا يمكن أن يتحقّق في ظل الاحتلال والحصار والاستيطان. السلام يبدأ من احترام حقوق الشعب الفلسطيني، ورفع الحصار عن غزة، ووقف الاستيطان في الضفة الغربية، وإزالة الحواجز، وضمان الحق في تقرير المصير. وكل ذلك لن يكون إلا عبر إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.وعودة اللاجئين ، حينها فقط، يمكن للعالم أن يتحدث بصدق عن السلام، لا عن فرض الاستسلام بقوة السلاح والدعم الأعمى.