الثلاثاء, ديسمبر 16, 2025
spot_img
الرئيسيةالاخباردموع مختبئة بزاوية العين في تشييع الفتى "شركسي"

دموع مختبئة بزاوية العين في تشييع الفتى “شركسي”

نابلس– الحياة الجديدة – بشار دراغمة- كانت رائحة الوداع أثقل من كل شيء، الفجر يتهدل على الأرض بطعم العتمة كأنه يشارك العائلة التي فجع قلبها قبل ساعات، ففتاها شركسي ارتقى شهيدا برصاص المحتلين.

المئات احتشدوا حول الجثمان في مستشفى رفيديا، يتهامسون بوجع، ويصمتون بوجع، ويشهقون بوجع وكل الوجوه تستعير لون الفاجعة نفسه لاستشهاد الفتى حسن موسى “شركسي”.

كان جثمان حسن مسجى أمام المودعين، عيناه نصف مفتوحتين، كأنه يصر على إتمام نظرتين تأخرتا عن موعدهما، نظرة وداع أخيرة لوجوه أحبته، ونظرة غضب معلقة في الهواء يرسلها ولو من بعيد نحو القتلة الذين صادروا من فتى مخيم عسكر القديم حلمه الوحيد بأن يكبر.

يصل المشيعون تباعا، يتقدم كل منهم بخطوات مثقلة بالحزن، كأن الأرض تخشى أن تبوح بوقع الحزن تحت أقدامهم، يحنون رؤوسهم، ويقتربون من الجثمان المسجى والمغطى بعلم فلسطين والكوفية، كانوا يطبعون على جبينه قبلة الوداع الأخيرة، قبلة تشبه رسالة تكتب على أوراق القلب لا على ورق آخر.

وقف عم الشهيد عند رأسه طويلا، يتحدث إليه كما لو أنه حي، يستأذنه ألا يطيل الغياب، ويدعو له بالرحمة بصوت مبحوح، يلامس وجدان كل من حوله، فتتكاثر الدموع.

تكرر المشهد مع آخرين، كل يحمل دمعة مختبئة في زاوية العين، وكل يهمس لحسن بما استطاع من الكلمات، فكأن الجثمان يصغي، وكأن الوداع ما زال قابلا للتفاوض.

في المشفى، امتزج البكاء بالهتاف، وصار الاسم يتردد في كل زاوية.

اقترب المحافظ غسان دغلس من الجثمان، ألقى سلاما ووداعا، وقال كلماته بمرارة رجل يعرف أن الشهداء يزدادون لأن العدالة تتأخر متحدثا للحاضرين “ما جرى ليس حادثة منفصلة، هي فصل آخر من سياسة تتغذى على التصعيد، وتستهدف المدنيين في بيوتهم وأحلامهم”.

وشدد على أن الحماية حق، وأن الاعتداءات يجب أن تتوقف.

ارتج بهو المستشفى بصيحات مخنوقة بالغضب، كأن الأصوات كلها خرجت من قلب واحد يشبه قلب المخيم، حمله الرجال على الأكتاف، وكل خطوة كانت تسمع كوقع قسم بتذكر حسن لا بنسيانه.

خارج المستشفى، انفتح الطريق على هدير من الحناجر، تحول الغضب إلى موجة بشرية تحيط بالنعش، تفتح له ممرا بين السيارات.

انطلق موكب التشييع شاقا طريقه نحو مخيم عسكر القديم ليعود بحسن إلى المكان الذي كان يصفه بأنه محطة انتظار مؤقتة لحين العودة.

قبل ساعات من التشييع عاش مخيم عسكر القديم فصلا جديدا من مسلسل الدم.

قوة احتلالية اقتحمت المخيم كما لو أنها سحابة سموم متكررة تعبر كل يوم، تدور في الأزقة وتنفث رصاصها في كل اتجاه بلا تمييز، وبين البيوت التي اعتادت الاقتحامات سقط حسن.

رصاصة اخترقت بطنه، وتركت حوله دائرة من التراب المبلل بدمه، بينما كانت الحياة تحاول أن تتعلق بأهدابه الأخيرة، لكن منعت سيارات الإسعاف من التقدم إلى حين فات الأوان.

وحين سمحوا بمرورها، كان الوقت قد فقد معناه، وصوت النبض الأخير أوشك أن يبوح بسره، فارتقى حسن شهيدا.

مقالات ذات صلة

ابق على اتصال

16,985المشجعينمثل
0أتباعتابع
61,453المشتركينالاشتراك

أقلام واَراء

مجلة نضال الشعب