الأربعاء, ديسمبر 17, 2025
spot_img
الرئيسيةزواياأقلام واراءالتوسع الإسرائيلي وحرب الموارد .. بقلم : د.فريد اسماعيل

التوسع الإسرائيلي وحرب الموارد .. بقلم : د.فريد اسماعيل

 

وكأن المنطقة تقف على حد واد سحيق تتقاذفها رياح عواصف التحولات الدولية والاقليمية، وتقضم أطرافها دولة الاحتلال بفضل فائض القوة التي توفرها لها حليفتها وشريكتها الولايات المتحدة الأمريكية.  فإسرائيل لن تتراجع عن الاستثمار في الظروف التي هيأتها لها المغامرات العيثية والحسابات الغيبية الخيالية والرهانات الخاطئة ،ووفرت لها الذريعة والحجة لتحقق أهدافها التوسعية في فلسطين وكل مناطق ودول الجوار، واستنهاض مشروع إسرائيل الكبرى من جديد.  فمن غزة والضفة إلى لبنان وسوريا، عمليات إبادة وضم مقنع ومناطق عازلة وتهجير، والباقي يتبع. فإسرائيل قسمت غزة إلى نصفين بخطها الأصفر وابتدعت مصطلحات هجينة كغزة الجديدة وغزة القديمة مما يشير إلى أن الخطر الأصفر ربما لن يكون مؤقتا، كما انها تعمل على وضع جمهورية مصر العربية أمام الامر الواقع باعلانها عن نيتها فتح معبر رفح أمام أبناء شعبنا في غزة باتجاه واحد نحو مصر في تجسيد لمخطط التهجير وافراغ القطاع من أهله وهو ما ترفضه مصر بشكل قاطع، في نفس الوقت تنفذ دولة الاحتلال عمليات واسعة في الضفة الغربية لفرض وقائع وتغييرات على الأرض منعا لأي فرصة لتجسيد إقامة الدولة الفلسطينية.

لقد ساهم وصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية في رفع شهية دولة الاحتلال لتوسيع رقعة الاعتداءات والتمادي في ارتكاب الجرائم. فهو رئيس لا يؤمن بالشرعية الدولية، وإنما باستخدام القوة لفرض السلام لأن القوي بنظره هو من يفرض الأمور على أرض الواقع ويملي إرادته، وهذا ما تمارسه إسرائيل اليوم في غزة والضفة كما في لبنان وفي الجنوب السوري. فالجنوب السوري بالنسبة لإسرائيل ليس مجرد ساحة عمليات عسكرية محددة، وإنما منطقة اختبار لإعادة رسم خرائط النفوذ الاقليمي من خلال العمل على هندسة واقع جديد تحقق من خلاله اهدافها الاستراتيجية الغير معلنة والمرتبطة بمفهومها للأمن القومي وللتغير في التوازنات والسياسات الاقليمية، إذ أن خلف كل هدف إسرائيلي معلن لتحركاتها في سوريا، تخبىء دولة الاحتلال هدفا استراتيجيا يكشف حقيقة مشاريعها واطماعها.

فبحجة منع اقتراب ايران وحزب الله من حدود الجولان، تعمل إسرائيل على تحويل الجنوب السوري إلى منطقة عازلة لضمان نفوذ طويل الأمد من خلال توسيع نطاق السيطرة الأمنية والعسكرية في الجولان ودرعا. كذلك فإن دولة الاحتلال وتحت غطاء هدف حماية الاقليات،لا سيما الدروز، تعمل على استكمال هيمنتها على كامل الجنوب السوري ، واحد اهدافها الخفية تعزيز أمنها المائي باعتباره جزءًا من الأمن القومي.  فقد ركزت إسرائيل معظم عملياتها في جبل الشيخ ومحيطه والقنيطرة وبيت جن حيث توجد اهم الينابيع والموارد المائية التي تغذي الجنوب السوري. وقد أشارت تقارير إلى سيطرة إسرائيل منذ بداية ٢٠٢٥ على منابع جبل الشيخ، مما أدى إلى جفاف أكثر من نصف الينابيع التي كانت تغذي المنطقة. فالجنوب السوري يعد خزانا مائيا استراتيجيا يغذي الجولان المحتل وحوض نهر الأردن، والسيطرة على هذه الموارد تمنح إسرائيل قدرة أكبر على التحكم في مياه بحيرة طبريا، وبالتالي ضمان أمنها المائي على المدى الطويل.  ولذلك فقد لمحت بعض المصادر الإسرائيلية إلى إمكانية تزويد سوريا بالمياه مستقبلا، مما يعني تحويل دمشق إلى تابع مائي لإسرائيل بدلا من كونها مستقلة في إدارة مواردها.  لذلك فإن التدخل الإسرائيلي في الجنوب السوري لا يقتصر على البعد العسكري، بل يتجاوزه إلى إعادة رسم خريطة الموارد الطبيعية بما يضمن لها السيطرة على المياه الجوفية والسطحية. إنها حرب موارد طويلة الأمد وليست مجرد مواجهة أمنية بحجة حماية حدودها الشمالية. هذا مع عدم اغفال اهداف أخرى كاجهاض أي محاولة لإعادة بناء جيش سوري قوي يمكن أن يشكل تهديدا مستقبليا لإسرائيل.

 

في ذات السياق، فإن الاطماع الإسرائيلية في لبنان تمثل جزءًا من مشروعها الاستراتيجي طويل الامد.  وهي تستثمر أيضا في الواقع الجديد الذي تم فرضه بعد السابع من أكتوبر وما سمي بحرب الاسناد ونتائج حرب الشهرين مع حزب الله العام ٢٠٢٤ ، لتستمر في شن الضربات المتكررة بحجة استهدافها للبنية العسكرية والأمنية للحزب وافقاده القدرة على إعادة البناء واضعاف حضوره السياسي ومنع لبنان من العودة مجددا كساحة متقدمة لإيران.  لكن تحت هذه الأهداف المعلنة تعمل إسرائيل، كما في الجنوب السوري، على إقامة منطقة عازلة جنوب لبنان بحجة ضرورات الأمن القومي، إذ عمدت إلى بناء جدران اسمنتية داخل الأراضي اللبنانية المعترف بها دوليا ، في خرق واضح للقرار ١٧٠١، والهدف قضم مساحات إضافية وفرض وقائع جديدة على الأرض تحت ذريعة “مناطق عازلة حفاظا على أمن سكان الشمال “. كما تعمل إسرائيل على إبقاء لبنان في حالة هشاشة تمنع قيام دولة قوية على حدودها الشمالية من خلال استنزاف الدولة اللبنانية اقتصاديا وأمنيا وتبقيها رهينة التوازنات الاقليمية.

وكما في سوريا كذلك في لبنان، فإن الاطماع المائية لإسرائيل تتمحور حول السيطرة على نهر الليطاني ومصادر المياه الجوفية في الجنوب اللبناني باعتبارها موارد حيوية لتعويض النقص المائي داخل إسرائيل خاصة في ظل أزمة المياه المزمنة التي تعاني منها. فمنذ بدايات المشروع الصهيوني في اوائل القرن العشرين، طالبت الحركة الصهيونية بأن يكون نهر الليطاني جزءًا من حدود الدولة العبرية المستقبلية، كما ان إسرائيل دائما تنظر إلى لبنان باعتباره بلدا يفيض بالمياه غير المستغلة والتي تصب في البحر، وترى امكانية استغلالها لتطوير الزراعة في صحراء النقب. وخلال الاحتلال الإسرائيلي للجنوب (١٩٧٨-٢٠٠٠) اتبعت إسرائيل سياسية تهدف إلى التحكم بالموارد المائية محاولة الإستفادة من مياه الليطاني ، ولذلك فإن ملف المياه يشكل محورا مركزيا في الصراع اللبناني الإسرائيلي وتعتبره إسرائيل جزءًا من أمنها القومي. ولذلك أيضا فإن السيطرة على الموارد المائية في الداخل الفلسطيني كما في سوريا ولبنان يعتبر ركنا اساسيا في المشروع الاستراتيجي الصهيوني طويل الأمد.

 

“اضعاف الدول، قضم الأراضي، إقامة مناطق عازلة، والسيطرة على الموارد” سيناريو واحد تعمل إسرائيل على فرضه على كل المناطق ودول الجوار  بذرائع  مختلفة لكن لذات الهدف وبذات الاسلوب “استخدام لفائض القوة بدعم امريكي مطلق”.

إسرائيل كيان يقتنص الفرص، يحسن قراءتها والاستثمار فيها. والمنطقة اليوم وصلت الى منحدرات تتطلب من اصحاب الرهانات والتبعيات النظر من زوايا أخرى، بعد وضوح الرؤيا.

 

مقالات ذات صلة

ابق على اتصال

16,985المشجعينمثل
0أتباعتابع
61,453المشتركينالاشتراك

أقلام واَراء

مجلة نضال الشعب