العلاقة عكسية … بقلم : سمير الاسعد

2013/01/05
Updated 2013/01/05 at 2:54 مساءً

 يأتي سُعار المستوطنين وانفلات زمامهم بدعم وتحريض حكومي إسرائيلي واضح ليعيثوا فسادا في الأرض الفلسطينية  ويهاجموا القرى والتجمعات الفلسطينية ويحرقوا ويدمروا ما طالته أيديهم وحقدهم  في خضم سياسة صهيونية متشابكة أساسها الاستيلاء على الأرض الفلسطينية مرورا بعقاب جماعي يشمل الكل الفلسطيني بسبب انسداد الأفق السياسي والحصول على عضوية الأمم المتحدة وبغياب المساندة والدعم العربي والدولي والذي تزامن مع امتناع اسرائيل عن إعادة العائدات الضريبية لخزينة السلطة والتي تقريبا توقفت عن القدرة على الوفاء بالتزاماتها اليومية وخاصة الرواتب والتي تشمل غالبية الشعب الفلسطيني على أرضه سواء في غزة او الضفة.

ولقد غطى موضوع تخاذل العرب عن دعم الشعب الفلسطيني على الأقل في ما يسمى بشبكة الأمان المالي مساحة كبيرة من الاهتمام وظهرت قراءات متعددة وكُتبت الكثير من التحليلات والتي دلت في مجملها على رضوخ العرب للاملاءات الأمريكية والضغوط الإسرائيلية كي يمتنعوا عن إرسال مساهماتهم التي تم الاتفاق عليها في إطار دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه ومقاومة الاحتلال ، وخلصت في النهاية الى التساؤل عن وجود ارتباط بين توقف الدعم العربي المالي وبالتالي السياسي وبين حرب المستوطنين وهجمتهم الشرسة ؟ وهل يعني اعتراف العالم بدولة فلسطين انتهاء حاجتها من الدعم ونهاية لمرحلة التأسيس وبالتالي نهاية الدور العربي الذي أخيرا أوصل القضية الفلسطينية الى دولة ؟ وهل إلغاء أمير قطر زيارته او تأجيلها وغيره الكثيرين من زعماء وقادة العرب الى أراضي الضفة الغربية من فلسطين هو إشارة الى انتهاء مرحلة الطفولة والدلع والانتقال الى مرحلة الشباب والجدية ؟

الرابط ما بين توقف الدعم العربي والاستيطان هو علاقة عكسية لا بد من فهمها حيث اننا في فلسطين نواجه لوحدنا أمريكا وإسرائيل ويكشف جانب ضعفنا اعتمادنا في حياتنا واقتصادنا على الغير خاصة من إخواننا العرب ورغم انشغال معظمهم بقضاياهم الداخلية وتبعيتهم للقوى العظمى الا اننا ما زلنا نعول عليهم كثيرا ونحتاج أموالهم ودعمهم وهذا الدعم مرهون بطاعتهم لأمريكا وإلا فان قيود الاحتلال ستُحل لتنهش أرضنا ومقدراتنا .

ان هذه المرحلة من التاريخ المعاصر هي مرحلة جاهلية سوداء تغيب فيها شمس الحق والمنطق وتظهر طيور سوداء غير واضحة الملامح تقف امام الحرية لشعب فلسطين الذي تشتت منه الذهن فيما يريده منه حاكم الأرض وخادمه الصغير الذي انزرع وامتدت جذوره عن آخرها داخل أرضنا ليغرز داخلها حق الملكية وبراءة الاختراع ويثبت حقه فيها توازيا مع التجاهل العربي والعالمي للجرائم التي تقترفها اسرائيل داخل هذه الأرض المقدسة والتي زادت عن حدها الطبيعي في مثل هذه الأوقات من الماضي ، فارتفعت وتيرة الاعتقالات والدهم والاختراق للمناطق والترحيل والتضييق على الأسرى والمعتقلين وفي مثل هذا الوقت يأتي توقف الضخ المالي العربي لتُستكمل دائرة التجويع والحصار والتنكيل والقتل في جريمة العصر المستمرة دون توقف .

إضافة الى ذلك  يقوم قادة اسرائيل بالتحريض والتلويح بأن السلطة قد تهاوت وان حماس ستسيطر عاجلا أم آجلا على سدة الحكم في الضفة الغربية إما قبل التوصل إلى تسوية سياسية معها أو بعدها وذلك لخلق توتر يقضي على بذور المصالحة والتي تأخرت كثيرا ، وهذا ما يمكن ان يعتبر إشارة بوجود بديل وشريك في السلام وردا على تهديد الرئيس عباس بتسليم مفاتيح الحكم لإسرائيل وإنهاء السلطة!! ومن جهة اخرى يعمل الاحتلال على ترسيخ وقائع سلطة المستوطنين الجاهزة للعمل في حال انهيار السلطة الفلسطينية وما تقوم به في الوقت الحالي هو تدريب وعرض عضلات للإيحاء بالجاهزية لقمع التمرد الفلسطيني إذا استمر في محاولاته للوصول الى مؤسسات الأمم المتحدة ورفضه التفاوض مع اسرائيل بشروطها .

ان تحويل الجزائر مبلغ 26 مليون دولار قبل أوانه دعما منها للموقف المالي للسلطة الفلسطينية للتخفيف من حدة الأزمة المالية الطاحنة التي تعاني منها لا يكفي خاصة ان الأزمة متفاقمة وشبكة الأمان ما زالت تعاني من توسع ثقوبها تحتاج الى إعادة تأهيلها وحثها على الصمود في وجه التحديات والتهديدات ، ولعل هذه الخطوة تكون حافزا لتحدي أمريكا وتشجيع الآخرين على الوفاء بتعهداتهم وبواجباتهم .

ان المشروع الوطني الفلسطيني في خطر كبير يحتاج الى المراجعة في التحالفات والشعارات وأساليب الدفاع ويحتاج الى الحياة والدعم الكثير والمستمر للبقاء والتقدم .

من الواضح ان الشعب الفلسطيني بحاجة ماسة الآن وأكثر من أي وقت مضى الى الدعم المكثف والقوي للوقوف في وجه الاحتلال وسياساته ومستوطنيه خاصة ان هناك الكثير من القضايا الأخرى تشغل العالم مثل ربيع سوريا وأزمة نووي إيران والانتخابات الإسرائيلية القادمة واحتفالات العام الجديد وساحة السرايا وغيرها .

ان تعزيز الوحدة الوطنية الآن وحشد الطاقات والقدرات النضالية ونبذ كل أشكال التناحر والخلاف  والذي ترغب به اسرائيل هو السياج الذي يحمي مشروعنا الوطني والمدافع الأول عن الأرض امام المستوطنين وامام سياسات التهويد وهو الفيصل في رؤية العالم والعربي منه وخياره في مواقفه الداعمة لنضالنا من اجل تحقيق أهدافنا الوطنية .

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً