ليس دفاعا عن مجدلاني .. بل دفاعا عن المجتمع الذي نريد بقلم : زيد أبو شمعة

2011/12/03
Updated 2011/12/03 at 1:19 مساءً

ليس دفاعا عن مجدلاني .. بل دفاعا عن المجتمع الذي نريد بقلم : زيد أبو شمعة

 

زيد أبو شمعة / إنشغل الشارع الفلسطيني في الأيام الاخيرة بالواقعة التي حدثت على الهواء مباشرة مع وزير العمل الفلسطيني د. أحمد مجدلاني وتلفظه بكلمة مسيئة على مسامع الجمهور، وراقب الناس عن كثب جملة الخطوات التصعيدية التي إتخذتها نقابة العاملين في الوظيفة العمومية وما رافق هذه الخطوات من نفخ إعلامي بهدف تحريك الجمهور. لا أود هنا أن أتحدث عن سيناريوهات متعلقة بتلفيق أو زج الكلمة قصدا أو غير ذلك، ولا أود كذلك أن أبرر خطأ أن يتلفظ مسؤول رفيع المستوى بكلمة مسيئة حتى وإن لم تخرج عن قصد. لكن ما يلفت النظر حقا هو طبيعة وشكل الهجمة التي خاضتها نقابة العاملين في الوظيفة العمومية وعلى رأسها النقيب بسام زكارنة، وإنعكاسات هذا الأسلوب على مجتمعنا الفلسطيني ككل.

لقد كان للخطوات التصعيدية التي خاضتها النقابة عدة إنعكاسات لا شك أن لها أبعاد ومضامين تستوجب الحذر، أولاها، طبيعة الأسلوب الذي تحركت به النقابة، فالرجل حتما قد تفوه بكلمة مسيئة، لكن أن يتم شن هجمة شاملة عليه لم تخلو من تلفيق التهم بأنه سكير ويقذف المحصنات وينتهك الأعراض، فهذا ضرب من الجنون والمبالغة، والسؤال الذي يطرح هنا،  هل حقا سيكسب الوطن بنشر ثقافة -إحرق من أمامك وهاجمه بلا رحمة- من أجل تحقيق مكسب سياسي داخلي ؟؟  أتوقع أننا سنجد الإجابة إذا ما قيمنا طبيعة الممارسات التي شهدناها في الصراع ما بين حركتي فتح وحماس وما إتسم به هذا الصراع من ممارسات مؤلمة حقا على كافة الأصعدة النفسية والمعنوية والمادية.  الأجدر كان بتطويق الأزمة ونقاشها في مستويات ودوائر محددة ما بين النقابة والحكومة والوزير بشخصة، وإصدار بيان توضيحي لا يخلو من إعتذار الوزير، أما أن يتم إتباع أساليب الهجوم والتعدي والتشهير، وإغلاق المؤسسات الحكومية والمدارس والذي بات نهجا دائما، فإن ذلك بلا شك، قد يزيح الوزير عن منصبه، ولكن سيزيح كذلك العقلانية والتعاطي بموضوعية في حل الأزمات الفلسطينية – الفلسطينية.

الأمر الآخر،  إن تفوه الوزير بكلمة على الهواء في برنامج إذاعي سياسي، يستمع له فئة من المواطنين البالغين العاقلين من أصحاب الوعي،  لهو أقل ضررا بكثير، من تعطيل آلاف الطلاب عن المدارس كي يذهب المعلمين إلى الإعتصام.  وأتسائل هنا، كم عدد المواطنين  ‘ البالغين’ الذين إستمعوا للكلمة على الهواء ؟؟ لا شك أنهم فئة محددة من المثقفين والقادرين على تقييم الموقف كماهو، لكون البرنامج سياسي بحت ويبث في أوقات الدوام، ولعل أكبر دليل على ذلك أن قضية الوزير مجدلاني لم تثار على مستوى العامة إلا بعد عدة أيام من حدوث الواقعة، وبعد موجات متلاحقة من الحملات التحريضية.   لكن بعد الهجمة الإعلامية وحالة التهييج والإعتصامات وتعطيل المدارس وإخراج آلاف الطلاب من حصصهم، بالتأكيد فإن ما حدث أدى لأن يسأل كل طالب وطالبة، عن سبب توقف الدوام المدرسي، ليستمع كل واحد منهم إلى قصص وكلمات بذيئة كثيرة، وليذهب إلى المنزل بحثا عن المقطع الإذاعي في الإنترنت الذي ما إنفكت نقابة العاملين بالحديث والترويج له، إذن فنقابة العاملين قد أوصلت الكلمة بهذا الأسلوب لكل طالب وطالبة، وخلقت نقاشا وضجة لا مبرر لها، دخلت إلى كل منزل وتسربت إلى كل قاصر وقاصرة.

من ناحية أخرى، ودعني أعتبر أن شطب تاريخ إنسان ولد في مخيمات سوريا وإنضم للثورة الفلسطينية منذ صغره وواكب مسيرتها حتى أصبح وزيرا، أن شطبه لمجرد  لفظ تفوه به ودون أن تشفع له مسيرته لهو أمر بات مقبول على الموظفين العموميين وقطاعات من الجمهور الفلسطيني.  لكن ما لا يمكن أن أفهمه، الثقافة التي يتم ترويجها في أسلوب التعامل مع الأزمة، الثقافة التي بتنا نراها على صفحات الإنترنت والمواقع الإجتماعية، ثقافة التشويه وتلفيق التهم وإتهام الوزير بأنه سكير ومخمور وأنه أتى على الشعب الفلسطيني ‘من السماء’ ليصبح وزيرا، كم من هؤلاء يعلم بأن الأستاذ مجدلاني كسب قوته بعد عودته للوطن، وقبل أن يصبح وزيرا، من عمله كأستاذ جامعي في جامعة بيرزيت ومن كتابته للصحف الفلسطينية.  نعم هو إبن مخيمات اللجوء وأستاذ جامعي ولم يأتي من السماء، وقد علم المئات من طلاب وطالبات الوطن، وقد أخطأ لأنه إنسان يغضب ويخطئ ، وليس نبيا.  لكن أسلوب نقابة العاملين يعزز بلا كلل فكرة أن كل مواطن يختار طريق النضال والوطن ، وكل معلم، أو كاتب، أو أديب ، من الممكن شطبه وشطب تاريخه بلا هواده لكلمة أو هفوة قد يستثمرها من يمكن أن يستفيد من شطبه في معركة سياسية.  إذن أين ستذهب الأجيال الفلسطينية القادمة في خياراتها وسط هذه الثقافة ؟؟ وهل حقا دور النقابات والمؤسسات الوطنية ومن يترأسها، خوض معارك من هذا النوع من حيث شكل التحشيد والمضمون ؟؟

بالنسبة لأعراض النساء، هناك قضيتان هامتان، الأولى أن أعراض النساء لا تصان بالوكالة، فأعراض نساء فلسطين ليست رهينة بكلمة من وزير أو صيحة من نقيب، أعراض نساء فلسطين أغلى من أن تزج في معركة سياسية، وهن القادرات على حماية أعراضهن وسمعتهن، ولا يوجد وزير أو رئيس وزراء أو رئيس يستطيع أن يشوههن، ولا يمتلك أي نقيب وكالة حصرية لحماية أعراض النساء. لماذا أصلا تم إستخدام وزج شرف أمهات وأخوات وبنات الشعب الفلسطيني وشهداءه في هذه المعركة !.   أما القضية الأخرى فهي قذف المحصنات !!!!   نقابة العاملين ورئيسها، وفي خضم خوضهم المعركة في وجه وزير العمل، قد فتحوا الباب للفتاوى من كل حد وصوب، ليأتي مفتي محافظة رام الله والبيرة، ويطالب بجلد الوزير مجدلاني 80 جلده لقذفه المحصنات !! وهي الفتوى التي تم الإعلان عنها في وسائل إعلامية مختلفة، وتم الإشارة لها في بيان نقابة العاملين في الوظيفة العمومية الذي صدرعقب الإعتصام الذي جرى أمام مبنى رئاسة الوزراء.  دعنا نضع المبالغة والإبتذال في أسلوب المفتي والنقابة جانبا، ونطرح السؤال التالي:  أي نظام سياسي ننتمي له ونناضل من أجله ؟؟  هل من الممكن أن يصل بنا الأمر في تحقيق أهدافنا السياسية الذاتية حدا نستند به إلى فكر طالباني مثلا أو أي فكر آخر؟؟؟   أم نحن نناضل من أجل دولة ديمقراطية ونظام سياسي علماني وطني ؟؟ لتكون الأمور واضحه وغير قابلة للمزج والإلتفاف،  هل فعلا رجال مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية تراودهم أنفسهم ما بين الخيار الوطني العلماني والخيارات الأخرى ؟؟  إذن، هناك أزمة وعي وأزمة ثقة، أنا أقترح أن نقوم بتقطيع أطراف الوزير حسن أبو لبده ونفيه ‘كمفسد’ في الأرض بفتوى من شيخ، بدلا من التحقق من التهم الموجه إليه و تقديمه لمحاكمة مدنية، ولا بد من جلد الوزير مجدلاني في دوار المنارة أمام الناس 80 جلدة لأن الشيخ قد أكد أن أحكام الدين في الموضوع جازمة وواضحة فيما يتعلق بقذف المحصنات، وحبذا لو يتذكر الشيخ ويذكر أصحاب الهجمات والمبالغات بالآية القرآنية الكريمة ‘  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ’  (الحجرات :6)،  فتبينوا يا شيخ، وإدرس أبعاد وإنعكاسات أي عمل أو حملة وتحقق من نتائجها، خوفا من أن يصاب مجتمعنا بالجهالة والعدائية والكراهية المفرطة. 

     موضوع آخر فتح باب التفكير في طبيعة ما يجري وإلى أين يذهب ممثلوا المؤسسات والأحزاب والهيئات الرسمية بهذا المجتمع المسكين، ماذا يعني أن تعلن بعض تنظيماتنا الفلسطينية تحريم حركة ودخول مسؤول أو مواطن فلسطيني إلى مدينة أو منطقة ما في ظل وجود مؤسسة أمنية رسمية، ومحاكم قضائية ؟؟  أليست هذه الفصائل التي قدمت جل التضحيات التي نفتخر بها، لحماية الكرامة والسيادة الفلسطينية وإنبرت في مواجهة ومنع قوات الإحتلال الإسرائيلي  من دخول مدننا الفلسطينية وإجتياحها، فلماذا تزج الآن في معركة سياسية هي بغنى عنها، ولماذا تنصب نفسها حاكما وجلادا، في ظل وجود مؤسسة أمنية وقضائية ناضل المجتمع طويلا من أجلها حتى حققت الأمن والآمان له من جديد، وطوت صفحة الفلتان الأمني. لماذا نخترق مفهوم سيادتنا الوطنية بأيدينا، من المستفيد من ذلك؟؟  وهل هذا فعلا دور فصائلنا الوطنية ؟؟

إن طريقة طرح وتحريم الحركة ، لم أستطع قراءتها إلا في سياق خطير، وهو تعزيز فكرة الكانتونات المغلقة التي يحاول الإحتلال ترسيخها في أذهاننا، فمنطقة نابلس محرمة على الوزير فيما رام الله لا، وجنين محرمة، فيما أريحا تشاور نفسها، وأمام كل منطقة محرمة يوجد حاجز بإنتظار من يحاول إختراق هذا المنع !!  ألسنا مناضلين من أجل وطن واحد موحد  تكفل فيه الحريات بما فيه حركة الأفراد تحت غطاء وحماية القانون والمؤسسة الرسمية ؟؟.

هناك تساؤل لا بد منه، هل نسي فعلا أصحاب هذه الهجمة، مقدار الفساد الذي نعاني منه، وأسماء الفاسدين الذين يصولون ويجولون بلادنا دون محاسبة، ويلاقون المحاباة والنفاق في كل مكان دون حسيب أو رقيب، هل نسي هؤلاء أن توجيه الغضب يجب أن يكون بحق المتخاذلين وطنيا وبحق الإحتلال الذي يهين كرامتنا يوميا وفي كل مكان، وينشر كلمات الشتم والإهانة والكراهية على كل حاجز وإذاعة وتلفزيون وحائط جامع ومنزل، هل فعلا إستطاع العدو أن يجعلنا نعالج مشاكلنا وضغوطنا النفسية الناتجه عن الإحتلال بأن نفرغ غضبنا إتجاه بعضنا البعض بدلا من أن نبتدع وسائل لتفريغها في الإحتلال ؟؟   هل نحن عاجزون عن مواجهة القوي الظالم أو الفاسد أو المحتل، ونستبدل ذلك بهجمات مبالغ بها إتجاه بعضنا البعض ؟؟   هل إبن التنظيم السياسي الصغير أو إبن العائلة الصغيرة أو إبن المنطقة المهجرة لقمة سائغة في فم من يريد، وهفواته لا تغتفر، وإبن التنظيم السياسي الكبير والعشيرة والمدينة محمي ومصان وخطاياه حلال ؟؟.

الوزير مجدلاني قد إستقال، وقد يكون هذا سببا رئيسيا في تحفزي للكتابه، حتى لا يحسب كلامي في سياق غير سياقه، فالموضوع ليس الوزير وما تفوه به، وما إذا كانت هذه الكلمة قد هددت الأمن والسلم الإجتماعي أم أن الأمر أبسط من ذلك بكثير،  بل إن الموضوع يكمن في محاولة دراسة وفهم أبعاد الحالة النفسية والفوضوية التي نمر بها، وطبيعة المسلكيات التي يمارسها قادة المجتمع والرأي في تناولهم للقضايا المختلفة، وإنعكاسات ونتائج هذه المسلكيات على مجتمعنا الفلسطيني.  وفي النهاية كلمة الحق ليست التي تقال في صالح القوي وقت قوته، فمن يقولها هو المنافق،  بل كلمة الحق هي التي تقال بحق الشخص عند إشتداد ضعفه.  نعم مجدلاني قد أخطأ لكن ذلك لا يعني أنه فاسد أو فاسق أو خائن، بل هو معلم ومناضل خانه لسانه، لكني أراهن أن لا يخونه شعبه وينسى مسيرته.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً