جدار الصمت (سيرة ذاتية)… رباعية ألم الذكرى وجلد الذات

2016/04/13
Updated 2016/04/13 at 8:59 صباحًا

 

رباعية%20الم%20جدار%20الصمت

لا يمكن بالامكان إنجاز رواية (جدار الصمت) للروائية الفلسطينية المبدعة دينا سليم في هذه الفترة القياسية بالأمر الهين، وإنما هو انجاز أقل ما يقال عنه أعجازي، وذلك لتعذر الوصول إلى ذاكرة الحدث وشخصياته، لأن النص ليس سرديا خياليا، أو افتراضيا، بل نصا ثقافيا يسرد أحداث ووقائع ما جرى لها ولأبنها (باسم) في فلسطين ومن ثم (أستراليا ) فقط، وإنما هو بناء تكويني وتركيبي معقد ومتعدد المستويات والطبقات، لقد اقتحمت مكانا صعبا في الذاكرة التي غالبا ما يراد نسيانها، واستحضرت كل مستلزمات النص السردي وكوّنت (ثيمة) الرواية التي قامت على عدة مرتكزات: (مرض الإبن) (خيانة الزوج) (خذلان العشيرة) (الرحيل إلى الوطن الجديد) كما تطلق عليه الروائية نفسها ومن ثم (تمرد هذا الابن ورحيله).

لقد كانت ثيمة الرواية إيحائية بشكل كبير وتجاوزت حد السيرة الذاتية، فهي توحي لمن يقرأها دون معرفة السيرة الذاتية للروائية بأنها تحكي قصة شعب كامل وليس أسرة فهي كانت الوطن لتلك الأسرة التي باعها رَّب الأسرة وأهمل طفله المريض دون اكتراث وهي بالطبع تعكس صراع أمةٌ وليس أمه فقط مع هذا المرض الخبيث الذي استوطن في جسم هذا الابن والشقيق لعدة أخوات.

جدار الصمت اختزن بين طياته صرخات كبيرة من الرفض وعدم الخنوع للظلم ومحاربة المرض، فشخصية باسم بالرغم من مرضه كان متمردا على الكثير من الواقع المأساوي الذي يعيشه ونظرات الشفقة التي يحظى بها من أقرانه وأقربائه.

الشعور بالغربة وأنت بين أهلك وقومك ووطنك هو من أشد أنواع الغربة، فعملية اجترار نوازع البقاء والتمسك بالأرض يصبح لا معنى له مع هذه الإخفاقات الاجتماعية والخيبات النفسية، حيث أصبح هاجسه كيف ينقذ أمه من براثن هذا الزوج الذي يمثل عليه دور الأب وليس العكس في حين كانت تجاهد للإبقاء عليه ضمن قائمة الأحياء فكلٌّ كان له مشروعه الإنساني تجاه الآخر، غالبا ما كان يردد (باسم) (تغيظني هذه المرأة) فهو كان يعرف مكامن الضعف ومكامن القوة وحالة الغيظ التي تتأتى نتيجة لما يعتبره هو سذاجة أو حالات ضعف تعتري أمه بسبب حبها لأبيه ففي هذا الجزء من الرواية كانت خلاصة الفلسفة التي يؤمن بها باسم (الوطن عندما تجد المرأة من يحميها من أنياب الآخرين، الوطن حضن وأمان ومستقبل مضمون، الوطن أن نحيا اللحظة بوضوح، الوطن هو عدم شعورنا بالغربة، الوطن ليس سوطا ولا كرباجا يجلدنا حتى عمق أرواحنا وقلوبنا ونحن ساكتون، الوطن لا ينحسر برجل واحد لا يعرف سوى التَّسّيد).

ما بين السطور

لقد لامست دينا سليم في روايتها جدار الصمت الكثير من جراحاتنا وتناولت مرحلة مفصلية من حياة هذه الأمة، فقد سلطت الضوء على حدث لم نكن نعلم عنه الكثير ولا أعرف إن كان بقصد أو دون قصد، ولكن هناك حرب حدثت في هذه الإرجاء كان من نتائجها ما نحن فيه اليوم من تهجير وحروب طائفية وقتل على الهوية، فحرب الخليج التي لم نكن نعرف حقيقة صداها وتأثيرها على الشارع الإسرائيلي بالرغم من إني كنت أشاهد وقوع الصواريخ في تل أبيب عبر الفضائيات، ولكن لم أكن اعرف هواجس الشارع الإسرائيلي كما نقلته دينا سليم في روايتها (جدار الصمت). ففي الوطن الأصلي كان عدم الشعور بالاستقرار ليس فقط بسبب الزوج الخائن بل هناك حالة عدم الاستقرار وأزيز الطائرات التي كانت تجوب سماء البلد لتحقيق الأمن والاستقرار، فعند مغادرتهم إلى أستراليا أصبح الوضع النفسي أكثر هدوءاً واستقراراً.
يتميز العمل الأدبي بوحدة، لأنه قد بني انطلاقا من غرض وحيد، يتكشف خلال العمل كله، نتيجة لذلك، تنتظم السيرورة الأدبية حول لحظتين هامتين: “اختيار الغرض وصياغته .”
أضف إلى ذلك، أن  الكاتبة اختارت غرضا مهما ليراعي أفق المتلقي، ويعني هذا أن صورة المتلقي حاضرة في ذهن الكاتبة، ولو كانت مجردة ومفترضة، بمعنى أن الكاتبة قد كتبت للقارئ، وهكذا ينبغي علينا احترامه، لذا، فهي قدمت له أحسن ما لديها، واختارت المواضيع الإنسانية الخالدة والمتميزة، مثل: الحب والكراهية، والحياة والموت، والسعادة والشقاء، والخير والشر، والفضيلة والرذيلة…وابتعدت   قدر الإمكان، عن المواضيع الواقعية الراهنة، أو المشاكل اليومية والاجتماعية المؤرقة للإنسان، أو قضايا المرحلة )الثورات)، أو تناول مواضيع إيديولوجية التي تموت بانتهاء القضية والمرحلة الثورية..

يقول توماشفسكي: (إن الوضع اليومي هو الشكل الأولي للراهن، غير أن أعمال الراهن لا تبقى عند زوال الاهتمام الوقتي الذي ابتعثها، ولذلك، فأهمية هذه الأغراض تتضاءل نظرا لأنها تتلاءم وتتنوّع الاهتمامات اليومية، خلافا لذلك، فكلما كان الغرض ذا أهمية باقية، كلما تم ضمان حيوية العمل)، ويستمر توماشفسكي بقوله (بطرحنا، على هذا النحو، حدود الراهن، يمكننا أن نصل إلى الاهتمامات الكلية (مشاكل الحب والموت) التي لا تتبدل في العمق على امتداد التاريخ البشري، ومع ذلك، فهذه الأغراض الكلية يجب أن تثرى بمادة ملموسة، فإذا لم تكن هذه المادة متصلة بالراهن، فإن وضع تلك المشاكل يغدو إجراء لا جدوى منه).

طارق الكناني

 

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً